الموت والعطر والنشيد والورد بوابات للموت لدى فريد رمضان 3- 3

  • 2/19/2022
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في‭ ‬الجزء‭ ‬الثالث‭ ‬والأخير‭ ‬ضمن‭ ‬حديثنا‭ ‬حول‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬الكاتب‭ ‬الإيرلندي‭ ‬جون‭ ‬ملنجتون‭ ‬1871‭ - ‬1909،‭ ‬والكاتب‭ ‬البحريني‭ ‬فريد‭ ‬رمضان‭ ‬1961‭ - ‬2020،‭ ‬نركز‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬فلسفة‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬نصوص‭ ‬فريد‭ ‬رمضان،‭ ‬حيث‭ ‬نجده‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬تشكيل‭ ‬فلسفته‭ ‬الخاصة‭ ‬للموت‭ ‬في‭ ‬نصوصه‭ ‬المبكرة،‭ ‬فهو‭ ‬يفتتح‭ ‬أول‭ ‬نصٍ‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬عطر‭ ‬أخير‭ ‬للعائلة‭) ‬بذكر‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬الموت‮»‬‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬صفحة‭ ‬واحدة،‭ ‬مما‭ ‬يوحي‭ ‬بحضور‭ ‬الكلمة‭ ‬أمامه‭ ‬بقوة،‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ (‬الموت‭) ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الورد،‭ ‬والعطر،‭ ‬والنشيد‮»‬،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ (‬سينج‭) ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الموت‮»‬‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬الحب‭ ‬الخالد‭.‬ يقول‭ ‬فريد‭:‬ ‮«‬تنسى‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬تختبر‭ ‬الدم،‭ ‬وهو‭ ‬يطلع‭ ‬مثل‭ ‬الطّل‭ ‬في‭ ‬ليل‭ ‬النشيد‭. ‬تنسى‭ ‬زهرة‭ ‬الثلج‭ ‬وهي‭ ‬تغادر‭ ‬مرفأ‭ ‬القلب‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تهتف‭ ‬لما‭ ‬يصنعه‭ ‬الموتُ‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬يختبرُ‭ ‬دقائقه‭ ‬الأخيرة‮»‬‭.‬ وفي‭ ‬ذات‭ ‬الفقرة‭ ‬يصنع‭ ‬مقابلة‭ ‬بين‭ ‬الموت‭ ‬والعطر‭ ‬والورد‭ ‬فيقول‭:‬ ‮«‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تخطف‭ ‬اللقاء‭ ‬الأخير‭ ‬معه‭... ‬وتنفي‭ ‬روحك‭ ‬لتصنع‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الورد‭ ‬عطرًا‭ ‬أخيرًا‮»‬‭.‬ وفي‭ ‬الفقرة‭ ‬الثانية‭ ‬لبناء‭ ‬فلسفة‭ ‬الموت‭ ‬التي‭ ‬يشكلها‭ ‬شعوره‭ ‬بكل‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬اقترابه‭ ‬إليه،‭ ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬القريبون‭ ‬منه‭ ‬يعود‭ ‬ليؤكد‭ ‬جانبًا‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬حين‭ ‬يقول‭:‬ ‮«‬كنا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نراك‭ ‬حيًّا‭ ‬مثل‭ ‬من‭ ‬مات‭ ‬منا‭ ‬قبل‭ ‬الموت‮»‬ هكذا‭ ‬تلتقي‭ ‬رؤية‭ ‬الكاتبين‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬‮«‬الموت‮»‬‭ ‬بما‭ ‬يشبه‭ ‬‮«‬حياةً‮»‬‭ ‬أخرى‭. ‬إنها‭ ‬نظرة‭ ‬عميقة‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬هروبًا‭ ‬من‭ ‬الشيخوخة،‭ ‬والمرض،‭ ‬وشبابًا‭ ‬دائمًا‭!‬ يواصل‭ ‬فريد‭ ‬نسج‭ ‬هذه‭ ‬الثنائية‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الموت‮»‬‭ ‬و«الحياة‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬كلمات‭ ‬وجمل‭ ‬متقابلة‭ ‬نذكر‭ ‬بعضها‭:‬ ‮«‬جسر‭ ‬الحب‮»‬‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬‮«‬ليلة‭ ‬الذبح‮»‬،‭ ‬‮«‬هدنة‭ ‬القبر‮»‬‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬‮«‬شجرة‭ ‬العائلة‮»‬،‭ ‬‮«‬اللقاءات‭ ‬القصيرة‮»‬‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬‮«‬نهر‭ ‬العائلة‮»‬‭.‬ ولعلنا‭ ‬نجد‭ ‬فريد‭ ‬رمضان‭ ‬أكثر‭ ‬اقترابًا‭ ‬وبيانًا‭ ‬لتلك‭ ‬الفلسفة‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬لهاجس‭ ‬يسكن‭ ‬كلماته‭ ‬ونصوصه‭ ‬في‭ ‬نصين‭ ‬قصيرين‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ (‬عطر‭ ‬أخير‭ ‬للعائلة‭)‬،‭ ‬فهو‭ ‬يعنونهما‭ ‬بعنوانين‭ ‬يؤطران‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬الواضحة‭ ‬الساكنة‭ ‬في‭ ‬عقله‭ ‬وقلبه،‭ ‬وهما‭: ‬‮«‬وجه‭ ‬الموت‮»‬،‭ ‬و«القبر‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬سلفه‭ (‬سينج‭) ‬بهذين‭ ‬العنوانين،‭ ‬وكأنه‭ ‬صاغ‭ ‬رؤية‭ (‬سينج‭) ‬للفصل‭ ‬الثالث‭ ‬بالقبر‭ ‬المفتوح،‭ ‬وحديثه‭ ‬عن‭ ‬القبر‭ ‬والموت‭ ‬المكثف‭ ‬الممزوج‭ ‬بالحب‭.‬ وبهذين‭ ‬النصين‭ ‬تجد‭ ‬حديثًا‭ ‬مكثفًا‭ ‬عن‭ ‬الألم‭ ‬برائحة‭ ‬الطيب،‭ ‬ورؤية‭ ‬القبور‭ ‬برائحة‭ ‬المشموم،‭ ‬فهو‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الأول‭:‬ ‮«‬تعصف‭ ‬بك‭ ‬آلام‭ ‬أمك‭ ‬الثكلى‭ ‬برائحة‭ ‬الطيب،‭ ‬خطواتك‭ ‬تأخذك‭ ‬نحو‭ ‬النسيانات،‭ ‬نحو‭ ‬أخدود‭ ‬الموت‭ ‬الرابض‭ ‬قربك‮»‬‭.‬ وفي‭ ‬النص‭ ‬الثاني‭ ‬يكون‭ ‬أشدّ‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬اقترابًا‭ ‬من‭ ‬لحظة‭ ‬الموت‭ ‬التي‭ ‬تراودنا‭ ‬جميعًا‭ ‬ولكننا‭ ‬نحاول‭ ‬نسيانها‭ ‬بالهروب‭ ‬في‭ ‬زحمة‭ ‬الحياة،‭ ‬فهو‭ ‬يقول‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭:‬ ‮«‬كانت‭ ‬المقبرة‭ ‬عامرة‭ ‬بالأصحاب،‭ ‬وكنت‭ ‬وحدي‭ ‬أفتش‭ ‬عن‭ ‬وجوه‭ ‬أحبتي‭ ‬الذين‭ ‬تركوني‭ ‬احتدم‭ ‬سؤال‭ ‬الرب‭ ‬وحيدًا‭... ‬كانت‭ ‬المقبرة‭ ‬عامرة،‭ ‬وكنت‭ ‬وحدي‮»‬‭.‬

مشاركة :