«مفكرو الإمارات» مشروع وطني رائد، انطلق في 4 يناير 2022 في «إكسبو 2020 دبي» من مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية؛ بهدف دعم المفكرين والباحثين الإماراتيين، عبر منصة واحدة تمثل ملتقًى لإسهاماتهم الفكرية، وإبراز دورهم المجتمعي، وتعزيز قوة دولة الإمارات العربية المتحدة الناعمة، ورفد عملية صنع القرار الإماراتي بدراسات المفكرين والأكاديميين الإماراتيين وبحوثهم، وتعزيز حضور المفكر والباحث الإماراتي وناتجه الفكري على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. ويقول الدكتور سلطان محمد النعيمي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية: لطالما أكدت قيادتنا الرشيدة أهمية العلم والاستثمار في العنصر البشري، ويأتي مشروع «مفكرو الإمارات» مع ما لقيه من دعم من قيادتنا الرشيدة ليكون بمثابة التقاء للعقول الوطنية وما تقدمه من ناتج فكري في منصة واحدة قادرة على إبراز ما وصل إليه الفكر الإماراتي وإسهاماته في مختلف المجالات. وأثنى الدكتور سلطان محمد النعيمي على دعم «الاتحاد» لمشروع «مفكرو الإمارات»، مشيراً إلى أن الصحيفة تواصل من خلال هذا الدعم تحقيق رسالتها في تحفيز المبدعين والمفكرين على المساهمة بإيجابية في مسيرة الإمارات التنموية والمشاركة الفاعلة في خدمة قضايا الوطن. «الاتحاد» التقت مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية وطرحت مجموعة أسئلة للتعريف بالمشروع وأهدافه ودوره المأمول. وفـي السطور التالية نصُّ الحوار: ■ بداية، من الضروري التعريف بالأهداف العملية للمشروع والرؤية التي ينطلق منها؟ هل يمكن وصف المشروع بأنه أشبه بـ«بنك خبراء عملته المعرفة وأصوله الثابتة هم العلماء والمفكرون، وعملاؤه كل من لديهم شغف بالبحث العلمي والتحليل الممنهج للواقع»؟ ■ ■ أجاب سلطان النعيمي: ننطلق في المشروع من رؤية أساسها نخبة إماراتية مؤثرة، ورصيدنا الأساسي فيه هو مفكرو الإمارات، ونحن نستثمر في إنتاجهم الفكري الذي يشكّل بالفعل رصيداً لدولة الإمارات في الداخل والخارج. وتسعى المبادرة من خلال ما تنشره من مواد إلى الإسهام في تشكيل وعي أعمق وفهم أدق لما يشغل دولة الإمارات من قضايا في مختلف المجالات، وإثراء النقاش حول مساراتها المحتمَلة وآفاقها المستقبلية، كما تقدّم للخارج صورة للحراك الفكري والعلمي في دولة الإمارات، والإمكانات والطاقات المعرفية التي تزخر بها الدولة. ■ المشروع محفّز كبير للشباب على للانتباه لأهمية البحث العلمي. كيف ترون دور المشروع في تنشئة جيلٍ مدرك لدور المفكرين في تنمية صناعة المستقبل؟ ■ ■ أوضح النعيمي: إن مشروع «مفكرو الإمارات» يمثل منصّة قادرة على تحقيق التواصل بين مفكّري الإمارات ذوي الخبرة في المجالات البحثية المتخصصة، وتسهيل وصول الباحثين الشباب إلى هذه الخبرات والتفاعل مع ما يطرحه أصحابها من أفكار ورؤى، وهو ما سيمهّد الطريق أمام جيل جديد من الباحثين المؤهلين ويعزّز خبراتهم ويصقلها، ويتيح لهم تقديم إسهاماتهم البحثية والفكرية التي تدعم الخطط التنموية لدولة الإمارات، وخاصة مع شمول المنصة مجالات اهتمام واسعة، منها السياسة والاقتصاد والاجتماع والتكنولوجيا والأدب والتاريخ والفلسفة والأديان والإنجازات العلمية والتقنية وغيرها من مجالات المعرفة. ■ انطلاق مشروع «مفكرو الإمارات» بعد وقت قصير من احتفال الإمارات بعيد الاتحاد الخمسين يحمل رسالة قوية عنوانها «الإنسان أولاً وأخيرًا».. كيف تقرؤون دلالات توقيت انطلاق المشروع؟ ■ ■ وأجاب النعيمي: إذا كانت احتفالات الخمسين تمثل الاعتزاز بخمسين مضت، والاستعداد لدخول الخمسين القادمة، فإن مشروع «مفكرو الإمارات» في أساسه هو مشروع ذو نظرة مستقبلية، يتسلح بالناتج الفكري ويعزّز ويدعم الخطط المستقبلية التي تغطي مختلف مجالات التنمية. والإنسان هو محور المشروع؛ لأنه يعتمد على المنتج الفكري لأجيال من أبناء الإمارات الذين توافرت لهم فرص التأهيل العلمي الرفيع، وأصبحوا جاهزين تماماً للنظر إلى قضايا مجتمعهم من زاوية العلم والمعرفة القادرة على استيعابها وتفكيكها وتقديم رؤى مكتملة حول مساراتها المستقبلية، وبدائل عملية للتعامل معها. ■ وأيضاً لمكان الإعلان عن المشروع رسالة قوية، فمن «إكسبو»، حيث شعار (تواصل العقول.. وصنع المستقبل) تم تدشين «مفكرو الإمارات» كمشروع يحتفي بعقول أبناء الوطن.. فما تعليقكم على دلالات مكان الانطلاق؟ ■ ■ أكد النعيمي أن الصورة الذهنية لـ«إكسبو» مرتبطة بالمستقبل والابتكارات والاختراعات والأفكار التي يُنتظر أن تساهم في تحديد صورة مستقبل العالم. وشعار «إكسبو» لهذه الدورة يُعبِّر بدقة عن دولة الإمارات، ويتلاقى تماماً مع مشروع «مفكرو الإمارات»؛ لأنه سيخلق فضاءً للتواصل بين العقول التي تجتمع على صناعة المستقبل من خلال فهم الواقع واستشراف التغيرات المحتمَلة بناءً على معايير علمية واضحة، وهو ما تتجسّد نتائجه في تنفيذ الخطط التنموية بدقة، والاستعداد سلفاً لما قد يطرأ من تغيّرات. ■ في الصحافة العلمية، عادة ما يتم ضبط المصطلحات وتحديدها دون مبالغة أو تساهل، وفي مشروع «مفكرو الإمارات» ينبغي تعريف من هو المفكر الإماراتي.. فهل هناك معايير محددة وموضوعية أقرَّها المركز والقائمون على المشروع لتحديد من هو المفكر؟ ■ ■ أجاب النعيمي: المستقبل هو وجهتنا، ونحن لا نفكر فقط في مفكري اليوم الذين اكتملت تجربتهم وقدّموا بالفعل إنجازهم العلمي الذي يضعهم في موقع «المفكر» بتعريفه السائد، بل نطمح إلى تهيئة جيل من «مفكري الغد»؛ ولذا فإن المجال مفتوح لمشاركة الشباب الواعدين الذين قطعوا بعض الخطوات في مجال إنجاز مشروعاتهم الفكرية، وحتى من المتخرجين حديثاً الذين يمتلكون من الإمكانات العلمية والشغف بالمعرفة ما يجعلهم مرشحين لأن يكونوا «مفكري المستقبل». وطموحنا هو الاستفادة من هذه الأجيال المختلفة، وإتاحة الفرصة لانتقال الخبرات وتبادلها. ■ الحديث عن المفكرين مكتنِز بطموحات كبرى وآفاق بلا حدود للتحليل والتطوير والابتكار، كيف تشرحون للمجتمع مسارات الجهد الرئيسي للمشروع والقضايا الرئيسية على أجندة أولوياته؟ ■ ■ أوضح النعيمي أن المشروع يطمح إلى اجتذاب العقول الإماراتية القادرة على العطاء، بما يشمل المفكرين والكُتّاب وأصحاب الخبرات المهنية المتميزة، والمنخرطين في المجال البحثي أو المقبلين عليه من الشباب، بحيث يكون المشروع منصّة للتواصل بين المساهمين فيه، وساحة لتعزيز وتطوير القدرات البحثية للشباب، وصولاً إلى تقديم مخرجاتٍ رصينة، ومشاركاتٍ فكرية مميزة تسهم في إثراء المحتوى الفكري الإماراتي، وتصبُّ في مصلحة الوطن، وتخدم مساراته التنموية. ■ هل يتضمن المشروع آلية واضحة للتفاعل مع أولويات المرحلة الراهنة بما ينسجم مع الاستراتيجيات الوطنية وتطلعات المجتمع؟ ■ ■ أشار النعيمي إلى أن المشروع في حدّ ذاته، مع وجود هذا الحشد من المفكرين والخبراء والشباب الواعدين، وما يقدمونه من مساهمات فكرية، يمكنه تمهيد الطريق للعديد من المؤسسات لتحقيق التواصل المباشر مع هذه النخبة الفكرية والبحثية، والاستفادة من قدراتهم على النحو الذي يساهم في رفع كفاءة العمل في هذه المؤسسات، وتعظيم فرص تحقيقها لأهدافها. ومثل هذا التطور سيحدث تلقائياً، بمعنى أن وجود المنصة في حدّ ذاته سيزيد من إمكانات التفاعل ويشقُّ لها طرقاً جديدة. ■ هل سيكون المشروع مقتصراً على كوكبة من الأكاديميين الإماراتيين أم سيكون منفتحاً على خبراء من خارج السلك الأكاديمي للاستفادة من حصيلة خبراتهم في المجالات كافة؟ ■ ■ أجاب النعيمي: لن تقتصر المساهمات على الأكاديميين بالقطع، فالمشروع متاح لِطَيْفٍ واسع يمكنه تقديم إسهامات نوعية قائمة على أسس علمية، ولا يقتصر ذلك على الأكاديميين، بل يشمل أصحاب الخبرة العملية في مجالات العمل المختلفة الذين سيقدّمون رؤاهم من واقع تجاربهم، والشباب الذين يمتلكون أفكاراً مبتكرة أو يعبّرون عن وجهات نظر في القضايا التي تمسّهم، وأصحاب الإنجازات والتجارب الناجحة، وأصحاب المنجزات الإبداعية والفنية النوعية، وحتى الشباب الخريجين الذين يقدمون موادَّ تلبي المعايير العلمية المطلوبة وتضيف إلى النقاش العام آراءً وأفكاراً جيدة ■ لطالما كان المفكرون في أي دولة مصدراً لقوتها الناعمة، إلى أي مدى يمكن أن يصبح مشروع «مفكرو الإمارات» رافداً لقوة الإمارات الناعمة، خاصة أن الأفكار النابعة من أبناء الإمارات ستأخذ سمات الإمارات في التسامح والتعايش والانفتاح والابتكار من خلال التفكير خارج المربع وعزيمة اللامستحيل؟ ■ ■ قال النعيمي: نعتقد أن المشروع يضيف بالفعل إلى القوة الناعمة للدولة، من خلال إبراز العدد الكبير من أبناء الدولة القادرين على خلق حوارات علمية رصينة حول مختلف القضايا التي تهمُّ المجتمع وتساهم في رسم ملامح المستقبل. كما أن نوعية القضايا سوف ترسم صورة جلية لأولويات مجتمع الإمارات وانشغالاته وقيمه الفكرية ومُنجزاته في مختلف المجالات، وسوف تعزّز هذه المنصّة الفكرية رصيد دولة الإمارات الكبير من القوة الناعمة، وتكشف عن وجه جديد لتميّزها. حوار مجتمعي ■ في الإمارات يجد الإعلام نفسه أمام تحديات الرصد والمواكبة وتقديم الخدمة الإخبارية المتميزة، هل ترون أن مشروع «مفكرو الإمارات» سيعزّز دور الإعلام التنويري بمحتوى معرفي نوعي يطلُّ من خلاله الجمهور على نتاجات بحثية ثريّة بالتفاصيل والرؤى الإيجابية؟ ■ ■ سيساهم المشروع دون شك في رفد الإعلام في الدولة بمحتوى أصيل وجادّ، ومساهمات فكرية تعبّر عن دولة الإمارات، وهو ما يعزّز فرص الاهتمام بها والتجاوب معها بطرق مختلفة، من بينها حفز أقلام جديدة للإسهام في النقاش على المستوى ذاته من الانضباط والعمق، ووضع أطر منهجية للحوار المجتمعي النشط والفاعل حول قضاياه على النحو الذي يحقق المشاركة المجتمعية الأوسع في رسم ملامح الحاضر والمستقبل. فرصة للمؤسسات ■ هل يمكن التعويل في المستقبل القريب على مشروع «مفكرو الإمارات» لتقديم دور استشاري في ملفات معينة تهمُّ مجتمع الإمارات، على اعتباره منصة للخبراء والمتخصصين في المجالات كافة؟ ■ ■ نوّه النعيمي بأن المنصة ومن تضمّهم من الخبراء والأكاديميين والباحثين في مجموعة واسعة جداً من التخصصات، تيسِّر الاضطلاع بمهام مثل تقديم الاستشارات وغيرها من أوجه التعاون الممكنة، في ظل تركيز المنصة على الأولويات الوطنية، وما تضمّه من رؤى وأفكار. وسوف يسهّل على المؤسسات الوطنية الوصول إلى المختصين والخبراء، وتحديد مجالات التعاون التي تتطلع إليها معهم بدقة أكبر، بناء على ما يطرحونه على المنصة من آراء وأفكار وخطط. منظور وطني ■ نتحرّك محليًّا ونفكر عالميّاً- مقولة يطبّقها مشروع «مفكرو الإمارات» عبر تفعيل الناتج الفكري الإماراتي في منصة واحدة، هل تتنوع مساهمات المشروع لتتناول إلى جانب الاهتمامات المحلية قضايا عالمية أخرى؟ ■ ■ أكد النعيمي أنه مع التنوع الكبير في تخصصات الخبراء والأكاديميين والباحثين والشباب الذين تفتح المنصة أبوابها لهم، وتعدّد مجالات خبراتهم، سيكون الشأن العالمي حاضراً بالضرورة، فالواقع المحلي والقضايا التي تشغله ترتبط بالتطورات الإقليمية والعالمية بأوثق الأسباب، وليست منطقة أو دولة معزولة عن التطورات الجارية في أماكن بعيدة عنها. وانخراط دولة الإمارات في الشأن العالمي يزيد من أهمية متابعة ما يحدث في العالم. ومن هنا، يمكن القول إن دوائر اهتمامات المنصة ستكون شاملة بالضرورة، لكنها ستنطلق من منظور وطني يركز على تأثيرات التطورات والظواهر والأحداث على دولة الإمارات.
مشاركة :