فى شوارع الخرطوم كما فى شوارع العاصمة تونس هياج وصراخ يقوده ويحركه تيار سقط وتهاوى فى البلدين الشقيقين بإرادة شعبية كاسحة رافضة لاستبداد هذا التيار ورغم ذلك يحاولون العودة من الأبواب الخلفية ويرفعون شعارات الحرية والديمقراطية – وهم ألد أعدائها – مستغلين وجود فراغ ناجم عن غياب الأغلبية الصامتة عن أداء دورها فى التصدى لهذه الفلول وتعرية لعبتها الجديدة باستغلال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة لكسب بعض التأييد من الفئات المهمشة فى المجتمع. فى تونس يصفون إجراءات الرئيس المدنى الذى انتخبه الشعب التونسى بأنها انقلاب عسكرى، وفى السودان ينادون بإقصاء المكون العسكرى المشارك فى إدارة الفترة الانتقالية والذى كان له الدور الأكبر فى إسقاط نظام عمر البشير وفتح نوافذ الأمل أمام إعادة بناء السودان من جديد. والحقيقة أن القلة المتصايحة فى شوارع الخرطوم وفى شوارع العاصمة تونس تفتقر إلى التأييد الشعبى الواسع فى البلدين حيث لم يسايرها فى الخروج والصخب والهياج سوى قلة قليلة ممن اعتادوا مسايرة الرياح لكن الغالبية العظمى من شعب البلدين لم تظهر أى نوع من التعاطف مع هؤلاء المتصايحين ومارست سلوكها المعتاد تراقب وتدقق وتكتشف ما يجرى أمام أعينها مريبا ومزعجا ومثيرا للخوف والقلق على ما تبقى من علامات الأمن والاستقرار. ولا شك أن وعى الغالبية العظمى فى البلدين الشقيقين هو الدرع الواقية فى مواجهة عبث العابثين ومخططات المتآمرين رغم أن كثيرا من الحقائق لم تعلن بعد لتكشف عن وقائع الاستغلال التى مارسها هذا التيار المتمسح فى الدين وكيف استلب حقوق الشعب وأهدر مصالحه العليا. وهذا الوعى وإن كان مازال صامتا دون حراك حتى الآن إلا أن الأغلبية الصامتة أعطت برفضها مسايرة هؤلاء المتصايحين فى الشارع إشارات إيجابية تؤكد الرفض المطلق لأى حراك يعيد وحوش الليل إلى المشهد السياسى مرة أخرى بأردية وأقنعة جديدة ومزيفة! وبمقدورى أن أقول ــ كمراقب عن بعد ــ إن اللعبة قد انكشفت وأن النهاية قد اقتربت وسوف يسقط الشر وينتصر الخير فى ربوع تونس وفى كل وديان السودان لكى تتمكن الأغلبية الحقيقية من أن تقرر لنفسها ما تشاء دون خوف من وحوش الليل المعتم! ويعزز من صحة الاستنتاج السياسى عن انكشاف اللعبة واقتراب النهاية أن القوى الدولية التى ترعى هذا التيار منذ أن أنشأته لاستخدامه ضد السوفيت فى أفغانستان قد اكتوت «مثلنا» فى السنوات الأخيرة بنيران الإرهاب ومن ثم بدأت تدريجيا فى رفع غطاء الحماية والإيواء لهذا التيار! خير الكلام: << النار المنبعثة من المعاناة هى النور الذى يضىء الوعى!
مشاركة :