المعري ودانتي

  • 11/19/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

ليس العرب هم أول من لاحظ أوجه الشبه بين العمل الشهير للإيطالي دانتي الكوميديا الإلهية، مع العمل الذي بات شهيراً بعد ذاك لأبي العلاء المعري رسالة الغفران. أول من فعل ذلك كان المستشرق الإسباني بلاسيوس عام 1919 بإعلانه أن دانتي (1256- 1321) في كوميدياه الإلهية قلَّد ليس فقط رسالة الغفران، وإنما أيضاً كتاب الفتوحات المكية لمحيي الدين بن عربي، كما استوحى من قصة الإسراء والمعراج. نقول إن كتاب رسالة الغفران بات شهيراً، لأنه لم يكن من مؤلفات المعري التي استوقفت القراء والمهتمين، في حينه، ولم تتجه الأنظار إليه إلا بعد أن لفت بلاسيوس الأنظار إلى التشابه بين الكوميديا الإلهية وبينه. الغلبة معقودة بطبيعة الحال في هذا للمعري لأنه عاش قبل دانتي بأربعة قرون، لكن هذا الكشف أثار حفيظة الباحثين الإيطاليين، الذين كبر عليهم أن يقال بأن أحد أبرز كتابهم تأثر بالمؤلفات العربية. يندرج ذلك في إطار الاستعلاء الغربي، أو ما يوصف ب المركزية الأوروبية التي لا يمكن لدعاتها الإقرار بأنهم تأثروا بالحضارات الشرقية عامة، والحضارة العربية - الإسلامية خاصة. يروق لأوروبا، ولها الحق في ذلك بطبيعة الحال، أن تتباهى بأفضالها على الأمم الأخرى في مجالات الحضارة والاكتشافات العلمية والتقدم الفكري، لكنها بالمقابل تفتقد الشجاعة في الاعتراف بأنها هي نفسها ما كانت ستبلغ ما بلغته من شأو لولا استفادتها من منجزات الحضارات الأخرى، غير الغربية، التي تعثرت، لأسباب عدة، وأفلت شمسها، فيما انتقل المركز الحضاري العالمي إلى أوروبا. ينطلق الرفض الإيطالي لتأثر دانتي بالمعري من الزعم بأن الأول لم يطلع أصلاً على رسالة الغفران، المكتوبة بالعربية، ولكن هناك ما يفيد بأن ألفونسو العاشر ملك قشتالة بإسبانيا أمر بترجمة الكتابات المتصلة بقصة الإسراء والمعراج من العربية إلى القشتالية، وبعد ذلك طلب هذا الملك نفسه ترجمتها من القشتالية إلى اللاتينية والفرنسية القديمة في نفس السنة لإذاعتها في ما وراء الحدود الإسبانية، وهو ما يرجح أن دانتي قد اطلع على تلك الترجمة وأفاد منها. الدراسات المقارنة بين عملي المعري ودانتي تلاحظ أن الكوميديا الالهية بدت مسايرة لمناخ القرون الوسطى المحافظ السائد في أوروبا حينها، فيما حملت رسالة الغفران روح المعري المعروفة بالتمرد على السائد والمألوف. الأمر، إذاً، لا يكمن في تشابه الحكاية ذاتها، إنما في اختلاف الرؤية، وهو ما يتعين توجيه الأنظار نحوه. madanbahrain@gmail.com

مشاركة :