المعارك النبيلة ينبغي لها أن تخاض بالأسلحة النبيلة.. هذا ما غاب عن أذهان البعض في حركة النهضة وحلفائهم في تونس أثناء حملاتهم المستمرة بمنتهى الشراسة على الرئيس قيس سعيد وفريقه العامل معه في مؤسستي الرئاسة والحكومة. يعلم كل من يزعم الإيمان بمدنية الدولة أن الصراع على الحكم تنظمه ضوابط ديمقراطية قوامها نقد البرامج المقترحة من طرف الخصم السياسي، دون النزول إلى التشويه الشخصي والانحدار نحو تناول الأعراض في محاولة للتشهير والتأليب لدى الرأي العام. يبدو أن البعض في تونس قد استنفد كل ما في جعبته من أوراق يحارب من خلالها قيس سعيد بعد إقدامه يوم الخامس والعشرين من يوليو الماضي على عزلهم وتحييدهم سياسيا في البرلمان والحكومة، فعلى الصعيد الدستوري سمت ذلك انقلابا، لكن أستاذ القانون الدستوري استند على نص دستوري صريح لا غبار عليه، وزاد عليه بأن مصلحة البلاد تقتضي ذلك ثم أن الرجل، وإمعانا في احترام إرادة الشعب، طرح الأمر على الاستفتاء نهاية هذا العام.. وماذا بعد؟ ◙ التعرض للأعراض ليس غريبا على الآلة الدعائية لجماعة الإخوان منذ نشأتها في طريقة تعالج غياب حجج الإقناع السياسي والعجز عن تقديم البديل السياسي والاقتصادي بافتعال الأكاذيب الورقة السياسية بدورها، كانت أكثر احتراقا وتفحما من قرينتها الدستورية التي كان يلوح بها الإسلاميون ويخادعون بها المحافل الدولية، فهذا الكم الهائل من الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة، يضاف إليه خراب اقتصادي أوصل البلاد إلى حافة الإفلاس، كفيل بأن يسكتهم مرة واحدة وإلى الأبد. هذا الخراب الذي تسببت فيه حركة النهضة طيلة عشر سنوات من الحكم، لن يسكتها ويسقط ما في يدها فقط بل سيجعلها في قفص الاتهام والمساءلة، لذلك لجأت إلى قاعدة مستهلكة قوامها أن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم، ضمن حالة شبهها المراقبون برقصة الديك المذبوح. رقصة الديك المذبوح هذه تمثلت في لجوء نشطاء محسوبين على حركة النهضة إلى أقذر الأسلحة على الصعيد الأخلاقي وهي التعرض للأعراض ومحاولة التشويه والتشهير بالرئيس سعيد وفريقه، معولين على حساسية المجتمع إزاء القضايا الأخلاقية، ومدى تصديق قسم كبير منه لما يروج على صفحات التواصل الاجتماعي من إشاعات وتقولات. وأول ما يمكن استهدافه في هذه الخطة التي لا يختلف اثنان في وصفها بـ”القذرة” هو الفريق العامل مع الرئيس سعيد، والذي أولاه ثقته واختاره بديلا حتميا لرموز الفساد. ويعلم هؤلاء النشطاء أن صلاح الحاكم من صلاح بطانته وفق القاعدة الفقهية التي يعلنونها ولا يطبقونها، لذلك نقلوا حربهم التي خسروها على الجبهة السياسية والحقوقية إلى جبهة تعتمد التشويه الأخلاقي والطعن في السلوكيات والأعراض.. وهو أوسخ مستنقع يمكن أن ينغمس فيه كل من خسر جميع أوراقه، ذلك أن ليس للسقوط قاع. بدأت حملة الاستهداف بامرأة في مقتبل العمر تظهر إلى جانب الرئيس سعيّد في كل نشاطاته واجتماعاته الرسمية وتلازمه في كل تحركاته الداخلية والخارجية، تعمل في صمت وتتحاشى الظهور الإعلامي.. إنها نادية عكاشة مديرة الديوان الرئاسي المعروفة بمناهضتها لتيار الإسلام السياسي. وبما أن من يرفض أسلمة الدولة يتصدى له الإسلاميون إلى حد الشيطنة، فإن هذه السيدة المشهود لها بالكفاءة، كانت تؤكد دائما خلال مداخلاتها بأن “الشّعب صاحب السيادة المطلقة” وهو المفهوم الذي استمدته من الشعار المشهور للرئيس قيس سعيد “الشعب يريد”، الذي أدار به حملته الانتخابية وأوصله إلى السلطة. ولعل بسبب ذلك نالت نادية عكاشة نصيبها من التشويه والتخوين والتشكيك الذي وصل حد المس بسمعتها الأخلاقية والاجتماعية، واتهامها بالتخابر مع جهات أجنبية. وما يدعو إلى السخرية أن هذه الاتهامات جاءت من أحد أبرز المتورطين في قضايا اختلاس، ما يؤكد المثل العامي “اللي فيه شوكة تنخزه”. ولم تتوقف حملة التشويه الأخلاقي التي يشنها الإسلاميون وحلفاؤهم ضد قيس سعيد وفريقه عند هذا الحد بل طالت كل من ساند مشروعه الإصلاحي، ووقف مع سياسته وعمل ضمن فريقه الجديد مثل والي تونس كمال الفقي المشهود له بالنزاهة والاستقامة، وزوجته سنية الشربطي التي كانت إحدى أعضاء الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيد. وفي هذا الصدد، راج على مواقع التواصل شريط فيديو يظهر فيه النائب في البرلمان المجمد بشر الشابي، وهو يتوجه خلال تجمع في باريس، بعبارات نابية في حق والي تونس وزوجته التي اتهمها الشابي بالفسق والخيانة، وذلك في سقوط أخلاقي مدوّ أثار حفيظة واستياء نقابة المحامين التي ينتمي إليها، وكذلك الجمعيات الحقوقية والنسائية. ◙ الخراب الذي تسببت فيه حركة النهضة طيلة عشر سنوات من الحكم، لن يسكتها ويسقط ما في يدها فقط بل سيجعلها في قفص الاتهام والمساءلة ويستمر هذا الأسلوب المرتكز على سياسة التشويه الأخلاقي لخصوم حركة النهضة سواء كانوا من صف الرئيس أو حتى المتحفظين على سياسته دون القبول بالذهاب في حضن النهضة، ذلك أن الأخيرة كانت تظن أن من يعترض على بعض إجراءات الرئيس سوف يقف إلى صفها، لكنها فوجئت أنها تقف معزولة وغير مرحب بحملاتها التشويهية ضمن ميثاق وطني يجمع بين الأحزاب. جدير بالذكر أن التعرض للأعراض ليس غريبا على الآلة الدعائية لجماعة الإخوان منذ نشأتها في طريقة تعالج غياب حجج الإقناع السياسي والعجز عن تقديم البديل السياسي والاقتصادي بافتعال الأكاذيب واللجوء إلى التشويه الأخلاقي كمحاولة لاستثارة المشاعر وتأليب المجتمع ضمن خطاب أخلاقوي لم يعد لينطلي على أحد. الاستثمار في الإشاعة بات السلاح الأخير بعد السقوط المدوي، لكن المنصات الاجتماعية نفسها، لم تعد أرضية خصبة لنشر الشائعات، وذلك لعدة أسباب، منها أنهم صاروا مكشوفين إلى جانب كون البعض منهم على ذمة المتابعة القانونية. هكذا تكشف الأزمة السياسية الخانقة عن أزمة أخلاقية فاضحة، مما يؤكد عمق الترابط بين الاثنين ويقيم الدليل على أن العمل السياسي هو مسؤولية الفرد إزاء المجموعة في أعلى تجلياتها، ومن لا أخلاق له لا مستقبل له.
مشاركة :