في إطار أولوية تنمية القطاعات الواعدة بخطّة التعافي الاقتصادي، عقد المهندس كمال بن أحمد محمد وزير المواصلات والاتصالات مؤتمرا صحفيا بتاريخ 12/يناير/2022 لعرض استراتيجية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي (2022-2026), ولأهمية هذه الاستراتيجية في حاضر الاقتصاد والمجتمع البحريني ومستقبله الزاهر بعون الله, سنتعرض بعدد من المقالات إلى أبرز ملامحها ومجالات تأثيرها والقيمة المضافة المتوقع أن تنجم عنها, وقبل ذلك نذكر بتوجيهات صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بشأن دعوة الحكومة والقطاع الخاص إلى اعتماد مضامينها, ففي خطاب جلالته السامي في افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الخامس لمجلسي الشورى والنواب يوم الأحد الثالث عشر من أكتوبر2019, وجه جلالته «أن تباشر الحكومة بوضع خطة وطنية شاملة تؤمن لنا الاستعداد الكامل للتعامل مع متطلبات الاقتصاد الرقمي، بتبني وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الإنتاجية والخدمية، من خلال وضع الأنظمة اللازمة، واستكمال البنى التقنية، وتشجيع الاستثمارات النوعية، لضمان الاستفادة القصوى من مردود ذلك على اقتصادنا الوطني». ثم أكد جلالته على المضامين ذاتها في خطابه في افتتاح دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي الخامس لمجلسي الشورى والنواب, يوم الأحد الحادي عشر من شهر أكتوبر 2020 بالقول على «المؤسسات الاستثمارية - الحكومية والخاصة - بتوجيه رؤوس أموالها إلى المجالات التنموية ذات القيمة المضافة، والتي أثبتت الأزمة الصحية أهمية وجدوى تطويرها، كمجال التحول الرقمي والاستثمار في القطاع الطبي وتأمين الاكتفاء الغذائي، وهي أولوية تستدعي أقصى درجات التعاون والتنسيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية», وذلك انطلاقا من إيمان جلالة الملك المفدى وإدراكه العميق لطبيعة التطورات التقنية والمعلوماتية المعاصرة وآثارها العميقة على الاقتصاد والمجتمع. وقد أثبتت تداعيات جائحة كورونا (كوفيد-19) أن الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي من أهم العوامل التي أسهمت في التخفيف من آثار وتداعيات الجائحة, وأنها لم تعد مجرد أساليب تقنية لتطوير الأداء, وليست خيارات تكنولوجية بين خيارات أخرى, تملك الدول وقطاعاتها الاقتصادية, الحرية في اعتمادها من عدمه, إنما أصبحت ضرورة لا مناص منها لاستمرار متطلبات الحياة الاقتصادية والاجتماعية, وأنها في مرحلة التعافي من جائحة كورونا تعد من القواعد الهامة التي تستند عليها البيئة التنافسية الإقليمية والعالمية التي تواجه العالم أجمع, وسيكون تطويرها واعتمادها والتمكن من تقنياتها تحول وجوبي على الحكومات, ومطلب شعبي, تستوي فيه الدول النامية والمتقدمة, وآلية متممة ودافعة للتنمية المستدامة, تستوجب تحديثا للسياسات الاقتصادية والتكنولوجية والتشريعية والإدارية والتعليمية, والبنى اللوجستية ذات الصلة بها, وهي مكون محوري من مكونات الاتجاهات الرئيسية التي لا بدّ أن يكون المستهلكون والشركات والمؤسسات الحكومية على دراية بها حاليا, حيث تعمل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتفاعلات الرقمية على إنشاء بيانات بمستويات غير مسبوقة، ينبغي معالجتها بذكاء وفي الوقت الفعلي, وستصبح تقنيات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي ذات ضرورة كبيرة في تقديم المعلومات الفورية التي تعد الوسيلة الأكثر أهمية لنقل المجتمعات النامية إلى مجتمعات أكثر تطورا، إذ أنها تساهم بطريقة مباشرة في بناء مجتمع يتوافق ويتكيف مع موجة التغيرات والتحولات الكبيرة التي مست مختلف مناحي الحياة, لاسيما الاقتصادية منها، وخاصة أن العالم يشهد عملية انتقال من المجتمع الصناعي إلى مجتمع المعلومات، الذي يتخذ من المعـرفة والتقنية والاتصالات مرتكزا له, وأصبح التنافس بين الدول, وحتى الشركات من خلال التسابق في الوصول السريع إلى المعلومات وامتلاك طرق تداولها وتحليلها من أجل اتخاذ قرار سليم مبني على الدقة وعمق التحليل وامتلاك القدرة على التنبؤ بالمستقبل, لذا تسعى دول العالم لتوجيه واستغلال وتطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للوصول إلى أدق المعلومات لأجل تسريع واستدامة التنمية. ومن حسن حظ مملكة البحرين, لا بل من حسن مرئيات وتوجيهات قيادتها الرشيدة, أنها كانت حريصة وسباقة في تعميم أفضل الممارسات المعتمدة في العالم في هذا الميدان, وبناء بيئة حاضنة وحافزة لكل ما يتعلق بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والابتكار والتكنولوجيا المالية والاقتصاد الرقمي, وتشجيع الشركات الناشئة وإيجاد حزمة من النظم والتشريعات المناسبة لها, وجذب الشركات والاستثمارات الأجنبية في هذه القطاعات وبما يرفد ويعزز مسيرة البناء والتطوير في المملكة، ويُسهم في خلق المزيد من الفرص النوعية للمواطنين, وفقا لأهداف رؤية البحرين الاقتصادية 2030، ومنذ عام 2008, حيث تم عقد منتدى البحرين الدولي للحكومة الالكترونية, ولحد الآن وهي تواكب أحدث التوجهات وتجذب أفضل الممارسات والتقنيات العالمية في مجال تقنية المعلومات والاتصالات لتوطينها في المملكة بغية تشكيل ملامح استراتيجية حكومية أفضل, والعمل على تنفيذها بما يمنح الوزارات والهيئات والإدارات العامة والخاصة المزيد من المرونة والفاعلية، وبما يتيح إيجاد فرص ومزايا تنافسية وتحويلها إلى ممارسات ومبادرات تستجيب وتستوعب عمليات التغيير الديناميكي السريع التي لم يعد احد بعيد عنها. لذا جاءت استراتيجية تطوير قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي (2022-2026) لتسهم في تعزيز موقع ومكانة مملكة البحرين الاقتصادية، من خلال جملة من المبادرات المُبتكرة والخلّاقة وبما يلبّي تطلّعات المواطن الذي هو أساس ومحور التنمية كما أوضح ذلك سعادة وزير المواصلات والاتصالات, وللموضوع بقية في مقالات قادمة إن شاء الله. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :