كان تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي كارثيا بالنسبة لصناعة السيارات في المملكة المتحدة. انخفض التصنيع بنسبة تقارب 42 في المائة، إذ أنتجت بريطانيا أقل من 65 ألف سيارة فقط، ما جعل ذلك الشهر الأسوأ في تاريخ صناعة السيارات البريطانية منذ 1956. ربما كان هذا الشهر أسوأ أشهر العام بالنسبة لصناعة السيارات، لكن العام ككل كان وفقا لتصريحات رئيس الهيئة التجارية للصناعة "الأصعب منذ عقود"، والأرقام تدعم هذا التصريح. في تشرين الثاني (نوفمبر) انخفض أيضا إنتاج المملكة المتحدة من السيارات بنسبة 30 في المائة، وهو الشهر الخامس على التوالي من تراجع الإنتاج، وبينما كانت أرقام تشرين الأول (أكتوبر) الأسوأ منذ الخمسينيات، كان تشرين الثاني (نوفمبر) الأسوأ منذ الثمانينيات. بصفة عامة كانت السيارات التي تم تصنيعها في بريطانيا منذ مطلع العام حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 أقل بنسبة 6.2 في المائة من مثيلتها في 2020. ولفهم خطورة هذا الوضع تجب معرفة أهمية صناعة السيارات في المملكة المتحدة ليس فقط باعتبارها أحد أبرز القطاعات الصناعية البريطانية، وإنما يجب فهم ذلك في إطار مساهمتها في إجمالي الاقتصاد الوطني. ففي مجال التوظيف هناك 180 ألف شخص يعملون في تصنيع السيارات بشكل مباشر، و840 ألف شخص يعملون في صناعة السيارات بشكل غير مباشر، وتمثل الصناعة 13 في المائة من إجمالي صادرات المملكة المتحدة من البضائع بقيمة 44 مليار جنيه استرليني، بينما تستثمر بريطانيا ما قيمته ثلاثة مليارات جنيه استرليني سنويا في أبحاث السيارات وتطويرها. من جهته، يقول لـ"الاقتصادية" المهندس تيم ديفيد رئيس قسم العلاقات الدولية في اتحاد منتجي السيارات في المملكة المتحدة، "من بين السيارات التي تم تصنيعها في المملكة المتحدة كان من المقرر تصدير أكثر من 80 في المائة إلى الأسواق الدولية، 60 في المائة من تلك النسبة يتجه للاتحاد الأوروبي، بينما استحوذت آسيا على 15.6 في المائة، والولايات المتحدة 3.4 في المائة وأستراليا 1.2 في المائة، لكن يلاحظ أنه خلال 2021 انخفضت صادرات بريطانيا للاتحاد الأوروبي من السيارات بنسبة 30 في المائة تقريبا مقارنة بـ2020، مع انخفاضات أكثر حدة لليابان والولايات المتحدة تقدر بـ57 و67 في المائة على التوالي". ويضيف " انخفاض الإنتاج بشكل كبير خلال الأشهر الخمسة الماضية يتوقع أن يستمر. والصناعة في الوقت الراهن لن يكون أمامها غير التطلع إلى الحكومة لتوفير تدابير الدعم الضرورية للحيلولة دون تعرضها لمزيد من التدهور". ولمعرفة مدى تدهور أوضاع صناعة السيارات في المملكة المتحدة في الأعوام الأخيرة، فإنه تكفي الإشارة إلى أن بريطانيا أنتجت في 2016 ما يقارب من 1.7 مليون سيارة، بينما يشير تقرير حديث عن توقعات الإنتاج أن يتجاوز إنتاج السيارات والشاحنات في المملكة المتحدة مليون سيارة فقط هذا العام، وما يقارب 1.2 مليون في 2024. ويرجع هذا التدهور إلى مجموعة مركبة من العوامل المختلفة، من أبرزها حالة عدم اليقين التي سادت لأعوام بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقضايا سلاسل التوريد المتعلقة بوباء كورونا. مع هذا يعتقد البعض أن مشهد صناعة السيارات في بريطانيا ليس بالسوء الذي يبدو عليه للوهلة الأولى، فعلى المدى الطويل يبدو أن صناعة السيارات تستعد للتعامل مع التغيير الأكثر جذرية في تاريخها، وذلك بالتحول السريع نحو السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطارية، خاصة وأن حكومة المملكة المتحدة حددت 2030 موعدا نهائيا للتوقف عن بيع السيارات التي تعمل بالوقود سواء الديزل أو البنزين. ومن هنا يرصد المهندس إل.إم. أريك من قسم تصميم السيارات في جامعة أكسفورد ملحوظة إيجابية بشأن صناعة السيارات البريطانية. ويقول لـ"الاقتصادية": "حقق الإنتاج البريطاني للمركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات والسيارات الهجينة أي التي تعمل بمحرك احتراق وبطارية حصة قياسية من إجمالي إنتاج السيارات العام الماضي. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي كان ثلث السيارات المنتجة في المملكة المتحدة إما كهربائية أو هجينة، وأكثر من الربع على مدار العام". مع هذا فإن الهيئة التصنيعية في مجال السيارات لا تزال تشير إلى معوقات تضع قيودا على النمو السريع لسوق السيارات الكهربائية في المملكة المتحدة، فالسياسات التي تتبناها الحكومة البريطانية تبدو من وجهة نظر الكثير من الخبراء فاترة. فالتوسع في البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية والهجينة يتم ببطء، كما أن التخفيض الكبير في الدعم المتاح للسيارات الكهربائية الجديدة لم يحقق الكثير من النجاح، إذ لا تزال أسعار السيارات الكهربائية مرتفعة وخارج متناول قطاع عريض من المستهلكين. وتعتقد المهندسة راشال ديفي أن النجاح الراهن في زيادة معدل إنتاج السيارات الكهربائية والهجينة في المملكة المتحدة كنسبة من الناتج الكلي للسيارات في المملكة المتحدة يصطدم بوضع المملكة المتحدة في سوق البطاريات العالمية. وتقول لـ"الاقتصادية" إن "إنتاج البطاريات في المملكة المتحدة غير كاف بسبب محدودية الاستثمارات الكبيرة في هذا القطاع مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي أو العالم، حيث يهدف الاتحاد إلى أن يكون مستقلا في إنتاج البطاريات بحلول 2026، وقد قامت سبع دول أوروبية بتشكيل اتحاد البطاريات الأوروبي، وبينما يوجد استثمار مؤكد في مصنع واحد في المملكة المتحدة بقوة "جيجا" هناك ما لا يقل عن 15 مصنعا بهذه الطاقة قيد الإنشاء في خمس دول أوروبية على الأقل". يعني هذا باختصار أن مستقبل صناعة السيارات في المملكة المتحدة بات مرهونا إلى حد كبير بالإسراع بالتحول إلى إنتاج المزيد من السيارات الكهربائية والهجينة، لكن المضي قدما في هذا الاتجاه سيرتبط بشكل حاسم بقدرة المملكة المتحدة على أن تحتل مكانة أفضل في سوق إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، بما يعنيه ذلك من حاجتها إلى ضخ المزيد من الاستثمارات. من هذا المنطلق ونظرا لأهمية صناعة السيارات في الاقتصاد البريطاني عملت الحكومة بالاشتراك مع شركة إبردن لإدارة الأصول على إنشاء مصنع عملاق لبطاريات السيارات، إدراكا منها إلى حاجة صناعة السيارات في المملكة المتحدة إلى مصدر محلي للبطاريات، حيث إن الواردات الصينية والآسيوية الأخرى لن تكون خيارا واقعيا إذا أرادت بريطانيا التحول إلى صناعة السيارات الكهربائية، خاصة في ظل النقص المتوقع في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية على المستوى العالمي. ومن المقرر أن يبدأ المصنع أول إنتاجه بعد عامين من الآن، على أن يعمل بكامل طاقته ابتداء من 2028، للاستفادة من الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية قبل حظر المملكة المتحدة للسيارات التقليدية في 2030. يشار إلى أن الحكومة البريطانية دعمت خططا لبناء مصنع لبطاريات السيارت الكهربائية من المنتظر أن يوظف ثلاثة آلاف شخص ويوفر خمسة آلاف وظيفة أخرى. ويدعم صندوق إحلال السيارات الحكومي خطط شركة "بريتيش فولت" لبناء مصنع في بلايث في نورثنبرلاند. ولم يتم الإعلان عن حجم الدعم المالي من جانب الحكومة لكن يعتقد أنه يصل لنحو 100 مليون جنيه استرليني (136 مليون دولار). وذكرت الشركة أمس الأول أن المصنع سيحتاج إلى 3.8 مليار جنيه استرليني لإنشائه وبدء الإنتاج، حيث يكلف البناء وحده 1.7 مليار جنيه. ومن المتوقع أن تصل القدرة الإنتاجية للمصنع إلى تصنيع 300 ألف بطارية سنويا، لتزويد نحو ربع السوق الحالية في المملكة المتحدة. يأتي ذلك في وقت وقعت فيه شركتا "جروب لوتس" للسيارات و"بريتشفولت" للبطاريات في بريطانيا اتفاقا أوليا لاستكشاف إمكانية توحيد جهودهما في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، وأعمال البحوث والتنمية في هذا المجال. وتعتزم الشركتان الكشف عن تفاصيل مذكرة التفاهم بينهما هذا الأسبوع. وهذا الاتفاق هو أول تحالف رسمي لشركة بريتشفولت مع شركة سيارات، وخطوة مهمة للشركة التي تتطلع لتعزيز مصداقيتها مع مستثمرين محتملين. وقامت الشركة الناشئة بجولتين من جمع الأموال، وقالت العام الماضي إنها تبحث طرح أسهمها في بورصة لندن. وبدأت بريتشفولت العمل بمصنع بلغت تكلفته 2.6 مليار جنيه استرليني (3.5 مليار دولار في بليث بإنجلترا، حيث قالت الشركة إنه سيوفر نحو ثلاثة آلاف وظيفة لدى اكتماله. وسينتج المصنع، عند تشغيله بطاقته الكاملة، خلايا بطاريات تكفي لأكثر من 300 ألف عبوة من بطاريات السيارات سنويا.0
مشاركة :