فيما تتزايد الكوارث والأزمات حول نظام الملالي داخل إيران وخارجها، يواصل المزارعون في أصفهان انتفاضتهم للأسبوع الثاني على التوالي، وهتفوا بكل ما يملكون من قوة خلال تظاهراتهم اليومية «الموت لخامنئي».يواجه الرئيس الإيراني الذي لم يكمل عامه الأول إبراهيم رئيسي انشقاقا نخبويا وتظاهرات شاملة في الداخل. كما أن إدارته للاقتصاد والديبلوماسية النووية مشكوك فيها على نطاق واسع، وفقا لتحليلات الباحث البارز في مجلس العلاقات الخارجية راي تقيه، الذي يؤكد أن النظام الإيراني يتآكل من الداخل بفعل سياسات المرشد الأعلى علي خامنئي والمقربون منه.ويؤكد أن رئيسي يواجه مأزقا داخليا بعد أشهر قليلة من توليه سدة المسؤولية، مشيرا إلى أنه إذا لم يجر خامنئي وأكثر تلاميذه حماسة، تغييرات داخلية لنهجهما مع القوى العظمى، فقد يعرضان النظام للخطر.الجدار يتصدعيقول الباحث راي تقيه في تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية أن الاقتصاد الإيراني تعرض للأضرار بسبب مزيج من سوء الإدارة، والجائحة، والعقوبات، حيث تحوم نسبة التضخم حول 40% وفقدت العملة الكثير من قيمتها. وفي الوقت الذي تعهد فيه رئيسي بمعدل نمو 8% وتوفير نحو مليوني وظيفة في العامين المقبلين، تحول هذا الأمر إلى ضرب من الخيال، وبات واضحا أنه لا يمكن إعادة إحياء الاقتصاد الإيراني دون تخفيف للعقوبات، فقط عندما يتصدع جدار العقوبات، يمكن لإيران بيع المزيد من نفطها واستعادة أصولها المجمدة في البنوك الأجنبية.. حسب ما نقله موقع (24) الإماراتي عن المجلة الأمريكية الشهيرة. ويشير الكاتب إلى أن الاعتقاد في إمكانية تحقيق التجارة مع الصين استدامة لدولة من 85 مليون نسمة معيبة أيضا، إن بيع قرابة نصف مليون برميل نفط يوميا إلى الصين وبأسعار مخفضة ليس خطة اقتصادية حكيمة.استبعاد جماعيويؤكد الكاتب أن النظام الإيراني ماهر في تحويل أنصاره المخلصين إلى منشقين، فعقب الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في 2009، أصبحت حركة الإصلاح مساوية للانشقاق واستئصال أكثر ساسة إيران شعبية من الجسم السياسي، ومشكلة الحكم أن قادة التيار الإصلاحي لا يزالون الأكثر شعبية في إيران، والطريقة الوحيدة التي يمكن للحكم منعهم من كسب الانتخابات هي الاستبعاد الجماعي لمرشحيهم.وأشار إلى أن الفصيل الإصلاحي سارع إلى تحذير الحكم أنه إذا لم يغير مساره فإنه سيجلب كارثة على نفسه، وفي انتقاد لاذع لديبلوماسية رئيسي، أصدر التيار الإصلاحي رسالة انتشرت على نطاق واسع شدد فيها على أن التأخر في العودة إلى الاتفاق النووي في وقت يعاني الشعب الإيراني إنهاكا اقتصاديا سيتسبب في المزيد من الأضرار للبلاد.وانضم إلى هذه الدعوة حزب الثقة الوطنية الذي أسسه الرئيس الأسبق لمجلس الشوى والمرشح الرئاسي في 2009 مهدي كروبي، الذي لا يزال خاضعا للإقامة الجبرية، وحذر الوجه البارز في الحزب نفسه إسماعيل جيرامي، رئيسي من مخاطرة حكومته بإطلاق اضطرابات واسعة قائلا «من الطبيعي أن يختار الناس التظاهر حين يقعون تحت خط الفقر».لكن هذه الأصوات وغيرها، قوبلت بتجاهل النظام.الدائرة تضيقولفت الكاتب إلى أن انتخابات 2021 الرئاسية كانت واحدة من أكثر الانتخابات مفصلية في تاريخ النظام، وشكلت مناسبة انقلب النظام على نفسه فأسقط أهلية الترشح عن محافظين أصحاب تاريخ طويل في خدمة الثيوقراطية.وأظهر خامنئي أنه لن يتسامح مع أي اختلاف، وتكشف محنة اثنين من أنصار الثورة، الرئيس السابق لمجلس الشورى علي لاريجاني، والرئيس الإيراني السابق حسن روحاني كيف تضيق دائرة النخبة في إيران، فلاريجاني هو سليل إحدى أكثر العائلات شهرة في إيران، وكان الرئيس الأطول خدمة في مجلس الشورى وعضوا موثوقا في الفصيل المحافظ، وشغل العديد من المناصب المهمة، بما فيها منصب كبير المفاوضين النوويين، ومع ذلك، استبعد من الترشح للرئاسة بسبب تعليقاته أثناء ثورة 2009 ودعمه للاتفاق النووي.وفي تمرد واضح.. أصدر لاريجاني انتقادا لاذعا ربط به النظام برمته بالاتفاق النووي، ولفت في الرسالة الطويلة إلى أنه «من أجل مناقشة الاتفاق النووي، عقد البرلمان 20 اجتماعا بحضور القيادة ونحو 40 اجتماعا، في المجلس النووي بتوجيه من الرئيس وعلى الأقل أربعة اجتماعات في المجلس الأعلى للأمن القومي».للمرة الأولى في مسيرته المهنية، يجد لاريجاني نفسه خارج مجالس السلطة دون أي آفاق حقيقية للعودة إلى حضن النظام، ويجد روحاني نفسه أيضا في موقف مماثل لا يحسد عليه.تهديد روحانيويشير تقيه إلى أن النظام كان يولي الرؤساء السابقين قدرا من الاحترام بتعيينهم في هيئات حكومية مختلفة، على سبيل المثال، كان علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيسا لمجلس تشخيص مصلحة النظام المسؤول عن التوسط لحل الخلافات بين سلطات مختلفة من الحكم، ولكن روحاني يتعرض للتهديد بمقاضاته من البرلمان الإيراني. وكما لاريجاني، فصل روحاني نفسه إلى حد كبير عن النظام.وواجه النظام تظاهرات شعبية لعقود بدءا من طلاب الجامعات، مرورا بالمحرومين من الطبقة الوسطى وصولا أخيرا إلى فقراء المدن، وتراوحت المسائل التي حركت هذه المجموعات بين التزوير الانتخابي والصعوبات المالية، ويبدو أن الجماهير تدرك أن النظام عاجز عن إصلاح نفسه، وأن سياساته متصلبة، وقادته لا يقبلون أي مساومة.ويلفت الكاتب إلى أن النظام نجا من المظاهرات الأخيرة ليس بفضل أجهزته الأمنية فحسب، لكن لأن المظاهرات تلاشت في النهاية، وأعطى النقص في الهيكلية التنظيمية اليد العليا للحكم، لكن من المحتمل وبشكل كامل أن تفرز التظاهرات قادة جددا مع مواصلة نشاطها.أمية ونقص مخيلةويشدد الكاتب في النهاية على أن إيران لن تستطيع تحمل مواجهة يبدو أنها تستمتع بها مع القوى العظمى، حيث يعرض الأمريكيون وشركاؤهم الأوروبيون مسارا على إيران للمعضلة التي أوقعت نفسها فيها، إذا اختارت العودة إلى الاتفاق النووي، سيمكنها استعادة الكثير من نفوذها المالي ومقدار من النمو الاقتصادي على الأقل، لكن لن تخفف هذه الخطوة مشاكلها العديدة، لكن قد تساعد في إحباط الحركة المعارضة الوليدة التي تتشكل بشكل تدريجي.الموت لخامنئيووفقا للتقرير يفاخر المسؤولون الإيرانيون باتفاقهم مع الصين الذي يمتد 25 عاما، لكن الاستثمارات الموعودة لم تتجسد، بما أن بكين كانت مترددة في ضخ مبالغ كبيرة في إيران الخاضعة للعقوبات، وفي ظل نظام يصر على مفهوم الاكتفاء الذاتي، فإن التحول إلى دولة تابعة للصين لن يعزز حظوظه السياسية. واندلعت مظاهرات أصفهان في نوفمبر الماضي، قادها مزارعون يشتكون من تحويل الحكومة للمياه التي يحتاجونها لري محاصيلهم.وعلى غرار العادة، سرعان ما تحولت المظالم الاقتصادية إلى هتافات سياسية تنادي بـ»الموت لخامنئي».وبالتواكب مع ذلك، نزل الأساتذة إلى الشوارع في أكثر من 50 مدينة مطالبين بزيادة أجورهم، قمعت الحكومة تلك التحركات بالاستخدام الوحشي للقوة، الأمر الذي قوض أكثر شرعيتها المهتزة.
مشاركة :