إيران: الشعب يهتف «الموت لخامنئي»

  • 8/17/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

«الموت لخامنئي»، «الموت للديكتاتور»، هتافات من آلاف الشبان الإيرانيين خلال مباراة بين فريقي «استقلال» من طهران و«تراكتور سازي» من تبريز، والتي شهدها ملعب آزادي بطهران، وهي المرة الأولى التي يُسمع فيها هكذا شعارات ضد المرشد الأعلى، كما أن هذا الشعار ظل لعقود حكراً في توجيهه لأمريكا وإسرائيل!، فما الذي حدث؟!، لقد حرصت إيران دوماً على إلقاء فشلها على الولايات المتحدة والقوى الغربية الكبرى بشأن أي مشكلة تواجهها البلاد، فكان شعار «الموت لأمريكا» هو الشعار المسيطر على كل شعارات المسيرات والتظاهرات في الجمهورية الإيرانية خلال السنوات الأخيرة، لكن الشهور القليلة الماضية قد شهدت تحولاً كبيراً في مواقف الإيرانيين من هذه الشعارات، إذ سئم الشعب الإيراني من أوضاعه الاقتصادية الصعبة والفساد المستشري في قطاعات واسعة من الدولة. قد يكون العداء الأمريكي لإيران أمراً واقعاً، بحسب الرؤية الشعبية الإيرانية، لكن الناس قد ملّوا من حكامهم وعدم قدرتهم على التعامل مع الموقف بشكل أفضل، حيث يسود استياء تام حول كيفية إنفاق الحكومة لأموال النفط، كذلك من إقحام إيران في حروب إقليمية مكلفة وصراعات لم تعد بالفائدة على الإيرانيين بأي شيء، فالوضع الاقتصادي يتفاقم نحو الأسوأ، إذ انخفضت قيمة الريال الإيراني بنسبة 50% منذ بداية العام بفعل النظام المصرفي الفوضوي، في حين تضاعفت أسعار المواد الغذائية، وارتفعت معدلات البطالة بعد عقود من سوء الإدارة، حدث كل ذلك قبل بدء سريان حزمة العقوبات الأخيرة التي تستهدف معاملات الدولار الأمريكي، والتجارة مع إيران في السيارات والمعادن الثمينة والطائرات التجارية والسجاد والمواد الغذائية، كما لم تأتِ بعد الحزمة الثانية التي سيبدأ تطبيقها في نوفمبر المقبل وتطول قطاع النفط الحيوي، إضافة إلى عمليات الشحن والمعاملات المالية، فكيف سيكون الحال وقتها؟ التوقعات السائدة هي أن إيران ستعاني مع تلاشي جزء كبير من عائداتها النفطية، ومن المرجح أن تجد البنوك الإيرانية نفسها قد انقطعت عن جزء كبير من النظام المصرفي الدولي، ولعل هذا ما دفع إيران إلى حلول سريعة لاحتواء الأزمات المرتقبة، منها أن وزارة النفط الإيرانية قد قررت منح خصومات لعملائها من مشتري النفط، فيما أعلن القضاء الإيراني توقيف ٦٧ شخصاً ومنع ١٠٠ موظف حكومي من مغادرة البلاد في إطار حملة أمنية واسعة، من جهته؛ فإن المرشد الأعلى «علي خامنئي» ظل حريصاً على إظهار أن اقتصاد بلاده يمر بمرحلة صعبة، وذلك بسبب وقوعه تحت تأثير الفساد وسوء الإدارة، وليس بسبب العقوبات الخارجية، مستنجداً بالقضاء لمواجهة مخربي الاقتصاد على حد وصفه، والهدف من ذلك هو جعل الإيرانيين يعتقدون بأن الأزمة التي يعيشها اقتصاد بلادهم والتي ستتعقد بمرور الوقت هي أزمة داخلية وليست طارئة، وأن لا علاقة للعقوبات الأمريكية بها، كما صادق على طلب من رئيس القضاء «صادق لاريجاني» لإنشاء محاكم ثورية خاصة لمحاكمة المتهمين في جرائم اقتصادية بشكل سريع. والمثير في الأمر أنه إذا كان المرشد الأعلى، والذي يمثل أعلى سلطة في البلاد يعي جيداً أسباب الأزمة التي تعيشها بلاده، وأنها مردودة بحسب قوله إلى حجم الفساد في الإدارة والاقتصاد، فإن هذا يطرح تساؤلات حول صمته على الفساد طوال 40 عاماً من حكم الثورة، فضلًا عن مشروعية تصدير الثورة إلى بلدان أخرى فى المنطقة، إذا كانت قد أفضت في البلد الأم إلى إنتاج كل هذا الفساد والأزمات وسوء الإدارة. والأغرب من كل ذلك فإن خامنئي يناقض نفسه فينتقد المحافظين الذين دعوا إلى استقالة الرئيس «حسن روحاني»، قائلًا إنهم يقعون في شرك العدو دون قصد، ويضيف: «على الحكومة البقاء في السلطة وأداء مهامها بشكل قوي لحل المشكلات». لا حرب، لا مفاوضات! مع تآكل الاتفاق النووي، يجد النظام الإيراني نفسه في موقف صعب وضعيف بعد خمس سنوات في السلطة دون إنجاز حقيقي يشعر به المواطن الإيراني، بل تزداد الأمور سوءاً مع توالي الضغوط من كل صوب. ومع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي فى مايو الماضى وإعادة فرض العقوبات على إيران، تعهّدت باقي الأطراف الموقعة على الاتفاق (بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا) بمواجهة العقوبات الأمريكية، إلا أن عديداً من الشركات الأجنبية بدأت تتخلى عن مشاريعها في إيران خشية من أن تطولها العقوبات الأمريكية، ولم يفلح قانون التعطيل الأوروبي في منعها من هذا التخارج، من جهته فإن المرشد «علي خامنئي» صرح بأنه أخطأ عندما سمح بالتفاوض حول البرنامج النووي وتوقيع الاتفاق النووي مع الغرب، مضيفاً أنه لولا معارضته والخطوط الحمراء التي وضعها، لأعطى الرئيس «حسن روحاني» مزيداً من التنازلات للولايات المتحدة، مشدداً على أنه «حتى لو افترضنا جدلًا أننا نجري مفاوضات مع أمريكا، فلن تكون مع الإدارة الحالية»، وبحسب موقع خامنئي الرسمي، وخلال كلمته أمام مجموعة من الإيرانيين في طهران، فقد شدد على أنه لن تقع حرب وفي الوقت نفسه لن تجرى مفاوضات مع الولايات المتحدة إلا إذا كانت بدون شروط مسبقة، قائلاً إن «الأمريكيين عندما يريدون أن يتفاوضوا مع أحد فإنهم يحددون أهدافهم الرئيسية، ولن يتراجعوا قيد أنملة عن هذه الأهداف والغايات، ويطلبون من الطرف المفاوض لهم بامتيازات محددة، ولو امتنع هذا الطرف عن إعطائهم هذه الامتيازات، فإنهم يختلقون ضجة كبيرة إلى أن يتراجع هذا الطرف ويقدم لهم تنازلات، وهم لا يعطون امتيازات للطرف المقابل مقابل ما يحصلون عليه منه، ويعطون مجرد وعود جوفاء فقط كي يرضوا الطرف المفاوض لهم ويقنعوه في تقديم التنازلات». وفي الوقت الذي تواجه فيه إيران انتقادات قوية بسبب برنامجها الصاروخي، فقد كشفت النقاب عن جيل جديد من صواريخ «فاتح» الباليستية قصيرة المدى، حيث أكد وزير الدفاع «أمير حاتمي» أن الصاروخ الجديد «فاتح مبين» محلي الصنع تماماً ويمتاز بقدرات عديدة، وتم تصميمه وتصنيعه من قبل كوادر وزارة الدفاع الإيرانية. من جهتها فإن واشنطن مازالت ترى أن فرصة طهران الوحيدة لتجنب العقوبات هي قبول عرض ترامب للتفاوض على اتفاق نووي جديد أكثر صرامة وأكثر عدلاً، فالتدخلات الإيرانية وأنشطتها المزعزعة للاستقرار ودعم الإرهاب في عديد من دول منطقة الشرق الأوسط ليست خافية على أحد، المرشد نفسه اعترف في مارس الماضي في خطابه التقليدي بمناسبة رأس السنة الإيرانية بتدخل بلاده في العراق وسوريا، بحجة ما وصفه بإفشال المخططات الأمريكية في الشرق الأوسط، ولم يكن اعتراف خامنئي هو الأول من نوعه، بل إن للمسؤولين الإيرانيين تاريخاً طويلاً في التفاخر بالممارسات العدائية تجاه دول المنطقة والتدخل في شؤونها، الرئيس روحاني أكد في أواخر أكتوبر من العام الماضي أنه «لا يمكن في الوقت الحاضر اتخاذ إجراء حاسم في العراق وسوريا ولبنان وشمال إفريقيا ومنطقة الخليج من دون إيران»، في حين وصف الجنرال «حسين سلامي» نائب قائد الحرس الثوري في يونيو الماضي، كلًا من العراق ولبنان وسوريا بالخطوط الأمامية لحرب إيران مع أعدائها. بعض التقارير الاقتصادية أشارت إلى أن تكلفة تورط النظام الإيراني في الصراعات الإقليمية والدولية بهدف المشروع التوسعي الذي أسسه الخميني والقائم على فكرة «تصدير الثورة»، تقدر بنحو ٣ تريليونات دولار منذ إعلان قيام الجمهورية الإيرانية عام ١٩٧٩م وحتى الآن. في ظل الوضع القائم فإن السيناريوهات المحتملة بناءً على تحليل الوضع الراهن، ستتمحور في إطار ٣ سيناريوهات، أولها: هو أن تنجح الولايات المتحدة في تركيع إيران، وذلك بفرض مزيد من العقوبات ضد إيران، وهو ما قد يدفع طهران إلى القدوم إلى طاولة المفاوضات والقبول بما ستمليه عليها واشنطن في النهاية، في إطار اتفاق جديد يشمل برامجها الصاروخية الباليستية ودورها الإقليمي ووجودها العسكري في دول المنطقة، أما السيناريو الثاني فهو أن تتعايش إيران مع العقوبات، خاصة من خلال خبرتها التاريخية في هذا الصدد، ولاسيما أنها واجهت سبعة مشاريع أممية تمخضت عن قرارات صادرة من مجلس الأمن الدولي، وتعايشت مع تلك العقوبات بدءاً من عام ٢٠٠٦ وحتى عام ٢٠١٣، لكن بعض التقارير تفيد بأن العقوبات هذه المرة سيكون لها تأثير سلبي ملحوظ على الاقتصاد الإيراني، خصوصاً أن الإدارة الأمريكية الحالية مصرّة على أن تكون أكثر صرامة في تطبيق العقوبات، أما السيناريو الثالث.. فهو الذهاب إلى حرب إقليمية موسعة، وإن كان هذا السيناريو مستبعد في الوقت الراهن، فلا إيران تريد الحرب لأنها ستضر بها كثيراً، كما أنها تمر بحالة من الضعف العسكري الشديد خاصةً في السنوات الأخيرة، بسبب عدم قدرتها على تحديث قطاعات جيشها واعتماد الحرس الثوري على نمط الحروب غير المتماثلة فقط لا غير، كما أن الولايات المتحدة لا تريد الحرب أيضاً، لأنها ستشكل عبئاً إضافياً عليها كما ستعرض أمن المنطقة وحلفاء واشنطن لأخطار غير مرغوب فيها. وفي إطار السيناريوهات المحتملة فقد تحدثت بعض التقارير مؤخراً عن ضرورة دعم واشنطن للمعارضة الإيرانية في الداخل والخارج وبكل الوسائل الممكنة، خصوصاً في ظل تزايد الاحتجاجات الشعبية الداخلية ضد النظام وارتفاع سقف شعارات المتظاهرين، وسيكون ذلك في حالة تطبيقه استنساخ للثورات البرتقالية، التى نجحت فى شرق أوروبا. توتر عراقي إيراني! في تطور آخر فقد عبّرت طهران بشكل علني، لأول مرة، عن استيائها وغضبها من رئيس الحكومة العراقية «حيدر العبادي» بخصوص موقفه من العقوبات الأمريكية التي فرضتها واشنطن على إيران مؤخراً، وذلك على الرغم من تصريح العبادي خلال الأسبوع الماضي حين قال: «لا نتعاطف مع العقوبات ولا نتفاعل معها لأنها خطأ إستراتيجي، لكننا نلتزم بها»، مضيفاً: «نحن ملتزمون بحماية شعبنا ومصالحه»، وفي وقت كان من المقرر أن يزور العبادي تركيا وإيران، فإن مسؤولاً حكومياً صرح بأن العبادي سيكتفي بزيارة أنقرة فقط من دون طهران، معللاً ذلك بعدم تكامل الاستعدادات لزيارة إيران وزحمة جدول العبادي، وفي المقابل فقد صرح المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الإيرانية برهام قاسمي: «ليست لدينا معلومات عن مثل هذه الزيارة»، وقد تواردت أنباء في الأوساط السياسية العراقية بأن طهران ألغت زيارة العبادي كرد فعل على موقفه من العقوبات، وقد تأكد ذلك بعدما صدر بيان «مجتبى الحسيني»، وهو ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي في العراق، حيث جاء فيه أن «تصريحات رئيس الوزراء اللامسؤولة لا تنسجم مع الوفاء للمواقف المشرفة للجمهورية الإسلامية ودماء الشهداء التي قدمت للدفاع عن العراق وتطهير أرضه من لوثة داعش»، مضيفاً: «نأسف على موقفه هذا، إنه يعبر عن انهزامه تجاه أمريكا، كما أنه لا يتلاءم مع الروح العراقية التي قدمت بطولات كبيرة في مقارعة داعش المدعوم من قبل أمريكا»، وقد سعى العبادي إلى امتصاص الغضب الإيراني، فصرح بأن العراق ملتزم فقط بعدم التعامل بالدولار في تبادلاته مع إيران، وليس بكل العقوبات الأمريكية على طهران، هذا التصريح بحسب محللين يأتي كمحاولة من العبادي لطمأنة إيران والأحزاب الحليفة لها في العراق على أمل التجديد له في ولاية ثانية.

مشاركة :