حملت أحدث التقييمات الصادرة عن البنك الدولي حول أزمة البطالة بتونس في طياتها الكثير من القلق الممزوج بالإحباط كون تضخم هذه الفقاعة التي استعصت على السلطات نتيجة البطء في تنفيذ الآليات المتعلقة بإنعاش سوق العمل تهدد نمو الاقتصاد المنهك. وأجّج تقرير “المرصد الاقتصادي لتونس – شتاء 2022” الذي نشره البنك الثلاثاء المخاوف من ارتفاع معدل البطالة في البلاد إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها جراء شلل أنشطة الأعمال والتداعيات المستمرة للجائحة. ويؤكد خبراء البنك أن مشكلة البطالة في تونس عميقة للغاية وأنه لا يمكن حصرها في عدد فرص العمل التي يفترض توفيرها كل عام لأنها ببساطة مرتبطة أساسا بارتفاع معدل النمو. وقال التقرير إن “ارتفاع معدل البطالة عبء على أي تعاف اقتصادي للبلاد”. البنك الدولي: ارتفاع معدل البطالة عبء على أي تعاف اقتصادي للبلاد ويطالب البنك بضرورة إجراء إصلاحات هيكلية حاسمة وتحسين مناخ الأعمال في الاقتصاد التونسي، ليتمكن من وضع أقدامه على مسار نمو أكثر استدامة، وإحداث فرص عمل للشباب بأعدادهم المتزايدة. ولم يصدر معهد الإحصاء الوطني حتى الآن أرقاما عن نسبة البطالة المسجلة في الربع الأخير من العام الماضي، إلا أن البيانات تشير إلى أنها بلغت خلال الأشهر التسعة الأولى من 2021 نحو 18.4 في المئة قياسا بنحو 17.4 في المئة على أساس سنوي في سير بعكس الاتجاه العالمي الذي تعافى من تبعات الجائحة. وتشكل هذه البيانات قلقا متزايد لدى راسمي السياسات الاقتصادية من احتمالية تصاعد الضغوط المحلية أكثر مما ينبغي خاصة في ظل غياب الحلول العملية السريعة لإنعاش النمو المنكمش. وانعكست إجراءات الإغلاق منذ تفشي الأزمة الصحية في شهر مارس 2020 على مستويات النمو المتباطئة أصلا، فضلا عن إطلاق الخبراء مرارا لصفارات الإنذار من التحديات الاجتماعية الكبيرة وانعكاساتها على مستوى الفقر بفعل شطب الآلاف من الوظائف. ويرى البنك الدولي أن تونس مطالبة بتحقيق معدل نمو سنوي بين 5 و6 في المئة حتى تتمكن من توفير فرص عمل. لكن هذا يصعب تحقيقه اليوم حتى مع توقعات خبراء المؤسسة المالية بأن ينمو الاقتصاد التونسي هذا العام بوتيرة أبطأ من العام الماضي. ولم تصدر تونس أرقاما رسمية بخصوص نمو الاقتصاد الكلي العام الماضي، بيد أن البنك يتوقع أن يكون عند نحو 3 في المئة، مقارنة مع انكماش تجاوز 8 في المئة في العام السابق، ما يعني أن العودة إلى مستويات 2019 ما تزال بعيدة. وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن فجوة البطالة تتسع في الأرياف بشكل أكبر مقارنة بما هي عليه في المدن، بينما تظل النسبة الأعلى تلك التي تتعلق بالخريجين الجامعيين. وعلى أساس الجنس، بلغ معدل البطالة لدى الذكور 15.9 في المئة في الفترة الفاصلة بين شهري يوليو وسبتمبر الماضيين، بينما بلغت النسبة لدى الإناث قرابة 24.1 في المئة. وهذا الأمر ينسجم مع ما ذهب إليه البنك الدولي حيث أشار في تقريره إلى أن “الربع الثالث من 2021 سجل ارتفاعا في معدل البطالة من 15.1 في المئة إلى 18.4 في المئة ما أثر على فئات الشباب وسكان المناطق الغربية من البلاد بشكل أكبر”. ويثار جدل داخل الأوساط الشعبية والاقتصادية بين الفينة والأخرى بشأن مكامن الخلل التي جعلت السلطات تفشل في تحقيق اختراق، ولو بسيط، في هذا الملف الحساس، الذي كان محورا لتغيير النظام السياسي في 2011. وثمة إجماع واسع بين الخبراء والمنظمات الاجتماعية والاقتصادية التونسية على أن هناك عوامل هيكلية مرتبطة بارتفاع أرقام البطالة ومن الصعب معالجتها ما لم توضع رؤية محكمة للنهوض بالاقتصاد. 18.4 في المئة معدل البطالة حتى الربع الثالث من عام 2021 وهو مرشح للصعود خلال هذا العام وتسبب التلكؤ والبطء الشديد في آليات توفير فرص العمل التي اتخذتها تسع حكومات في إحباط كل محاولات تقليص مستويات البطالة فضلا عن غياب تمويل المشاريع الحكومية في المناطق الداخلية المهمشة رغم تشجيع الشباب على إطلاق مشاريعهم الخاصة. وأطلقت تونس في السنوات الماضية مبادرات لتشجيع القطاع الخاص على توظيف خريجي الجامعات، في ظل عجز القطاع العام عن امتصاص جزء من البطالة بسبب ارتفاع عدد الموظفين الحكوميين، لكنها لم تفلح في تحقيق أهدافها. ويثبت مستوى البطالة الذي كان قبل الجائحة عند متوسط يتراوح بين 12 و15 في المئة أن إصلاحات سوق العمل لم تتمكن من إطفاء آثار إجراءات التقشف وخفض الإنفاق والدعم والرواتب والرسوم والضرائب التي فرضت لمعالجة الاختلالات في التوازنات المالية. وطيلة السنوات الماضية سعت السلطات دون جدوى للخروج من عباءة منظومة العمل القديمة التي تقوم على العمالة غير الكفؤة، حيث أنها كانت من بين الأسباب التي أدت إلى زيادة معدلات البطالة إلى جانب التوترات السياسية. وأمام هذه المعضلة، فإن البطالة مرشحة لمزيد من الصعود، وظهور بوادر على ارتفاع نسب الفقر في البلاد. وقبل الجائحة كانت نسبة الفقر المدقع عند نحو 2.9 في المئة، ولكنها صعدت إلى 6.9 في المئة خلال العام الماضي، بينما بلغت نسبة الفقر متعدد الأبعاد قرابة 20.2 في المئة من 16.7 في المئة، وفق البنك الدولي. وتعيش البلاد اليوم إحدى أسوأ فتراتها الاقتصادية خلال العشرية الماضية، في الوقت الذي يسجل فيه الدين العام مستويات تقترب من مئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي أو ما يعادل 38 مليار دولار. وبفعل تلك الضغوط تتجه تونس لخوض تجربة إصلاح اقتصادية جديدة مع صندوق النقد الدولي هذا العام للحصول على قرض جديد بقيمة 4 مليارات دولار، في حلقة جديدة من رحلة الاقتراض.
مشاركة :