برودة الطقس في عاصمة الأنوار باريس، لم تستطع التقليل من دف الفرحة ونشوة النصر، التي ارتسمت على وجه وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، حين أعلن عن فوز دبي بتنظيم معرض إكسبو 2020، حيث كان الوزير الشاب مع فريق بلاده، يحصدون نتاج زرعهم. التهاني انهالت على دولة الإمارات من كل حدبٍ وصوب، من القريب والبعيد. إلا أن عبدالله بن زايد، سمعها بشكل مباشر بعد أقل من 24 ساعة من جهة مختلفة، وفي عاصمة غير اعتيادية. عاصمة كانت محط الأنظار طيلة أسابيع خلت، ألا وهي طهران، التي حلَّ بها الوزير الخليجي، يوم الخميس 28 نوفمبر المنصرم، حيث التقى وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، وتاليا رئيس الجمهورية الإسلامية حسن روحاني، واللذين شاركاه أفراح الإمارات بالإنجاز العالمي. الزيارة التي كان مخططا لها سلفا، وأعدت بتكتم وروية، أتت مفاجئة لكثيرين، خصوصا أنها المرة الأولى التي يصل فيها وزير خارجية دولة خليجية إلى طهران، بعد التفاهم المرحلي الذي أبرمته الأخيرة في جنيف مع دول مجموعة "5 + 1"، فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، وهو التفاهم الذي كانت الإمارات أولى الدول الخليجية المرحبة به. الترحيب الإماراتي لم يكن نتيجة تزلفٍ لطهران، أو استرضاء للرئيس الأمريكي باراك أوباما، وإنما جاء بغية إرساء أجواء من السلم والمصالحة في المنطقة، وإبعاداً لشبح الحروب والنزاعات، وسعياً من أبو ظبي للتقليل من منسوب التوتر في الشرق الأوسط، للبدء تاليا في مرحلة يكون عنوانها الحوار الخليجي المباشر دون وسائط مع إيران، بغية التوصل لحلول منطقية وعملية للمشكلات القائمة. وهي مشكلات ترى الإمارات أن بالمقدور حلها سياسيا عبر الدبلوماسية "المرنة".. دبلوماسية تقوم على التواصل، والمصارحة، والتفاوض، مستخدمة أوراقا عدة: سياسية، اقتصادية، أمنية، واجتماعية.. تنسج عبرها شبكة مصالح متداخلة ومتشعبة. وهي المصالح التي من الممكن أن تشكل نقاط التقاء حقيقية، تبني حالا تراكمية من الثقة المتبادلة، وتجعل كل دولة تحترم سيادة جيرانها، وتحد من التراشق الإعلامي، والتحريض "الطائفي"، لأن خلق شبكة "مصالح مادية حقيقية"، يقود تاليا لبناء "شبكة أمان" إقليمية، تجد فيها كل دولة واقيا من الأزمات، وضمانة لتحقيق الحد الأدنى من المصالح، وقاعدة صالحة لشراكات دائمة وليست مؤقتة. التواصل الإماراتي - الإيراني، يبدو أنه يسير نحو بناء أجواء من الثقة المتبادلة، والتي هي حتى الساعة في مرحلة اختبار حقيقية، إلا أنه من الواضح أن هنالك نية للتعاون المشترك وتعزيز العلاقات الثنائية، خصوصا على صعيد التبادل التجاري، وهو ما عبر عنه الشيخ عبدالله بن زايد في طهران، وما أعاد تأكيده الوزير محمد جواد ظريف من أبو ظبي، أثناء لقائه الرئيس الإماراتي الشيخ خليفة بن زايد. هي خطوة في الاتجاه الصحيح بين دولتين تحكمها اعتبارات الجغرافيا السياسية، تسعى من خلالها طهران إلى فك عزلتها، وترطيب الأجواء مع العواصم الخليجية، لضمان عدم ممانعتها لأي اتفاق مستقبلي بين طهران وواشنطن. وهي في ذات الوقت خطوة إماراتية ترتكز على المبادرة، وعدم الانكفاء، والتفكير بعقل سياسي "بارد"، دون الوقوع في فخ "ردود الأفعال" والسلبية. وأبو ظبي في خطوتها هذه، لا تأتي مضادة لسياسة دول مجلس التعاون العربية، بل ضمن إطار التشاور والتنسيق الدائمين، بما يحفظ مصالح كل دولة، ولا يخل بالتكامل الخليجي، ويجعل الخليج منطقة خالية من الأسلحة النووية، علَّ الطريق يعبّدُ نحو استقرار قادم، وتنمية مستدامة!.
مشاركة :