بين طغيان الرواية وهوان الشعر، تقف القصة القصيرة في كامل زينتها، غير معنية بالجدل المحتدم حول الأشكال الأدبية، ولا بمقولات خائبة كزمن الرواية، تواصل تعميق سحرها بالمزيد من الكتاب والقراء والمحبين لها، فهي وحدها القادرة على أن تجمع الحكاية والشعر في حيز مكثف وأخاذ، ووسط مئات المجموعات القصصية الفاتنة ننتقي خمس مجموعات لنضعها على رأس القائمة حسب ترشيحات الناشرين والمهتمين من رواد المواقع والحسابات المهتمة بالقصة والأدب.. رق الحبيب تضم مجموعة «رق الحبيب» الصادرة عن دار الشروق، للروائي والقاص المصري «محمد المخزنجي» عشر قصص، ويحيل عنوانها إلى أغنية لأم كلثوم كتبها أحمد رامي ولحنها محمد القصبجي، في القصة يقرر موسيقي هاو مقابلة أم كلثوم لعلَّها تضمه إلى فرقتها، فتسمح له ويعزف مقطعاً من لحن «رق الحبيب» رغم صعوبته، لكن ارتباكه أمام سطوة حضور كوكب الشرق وأعضاء فرقتها، جعل عزفه سيئاً ما أثار سخرية الموسيقيين المحترفين، الموسيقي الذي ذهب عقله بعد تلك المقابلة مباشرة، صار مشهورًا بين نزلاء مستشفى الأمراض العقلية بترديده الدائم لأغنية «رق الحبيب»، وشوقه لمقابلة جديدة مع أم كلثوم التي لم يعلم بأنها أصبحت في عِداد الراحلين. فالولع بالعِلم أحد سمات الإبداع القصصي لدى المخزنجي، وهي سمة ترتبط بعمله طبيباً نفسياً، وبنشأته في مدينة المنصورة (شمال مصر) ودراسته الطب في جامعتها وانخراطه في معارضة الرئيس الراحل أنور السادات، وترتبط كذلك بدراسته وعمله في أوكرانيا عندما كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، ومعايشته انفجار مفاعل «تشيرنوبل»، ما دفعه إلى أن يتحول ناشطاً في مجال منع الأسلحة النووية، وكذلك في مجالات الحفاظ على البيئة وصون الطبيعة بصفة عامة. والسرد لدي «المخزنجي» كما يري الناقد محمد سليم شوشة، كثيف ومثقل بالقيم والمعاني والأسئلة والقضايا الإنسانية، الوحدات المعرفية أو المعلوماتية تمثل بؤرة ومرتكزًا للسرد مما يجعله يتجاوز فكرة الذكريات الحرة أو البوح الإنساني. العشّار.. أساطير الميل الواحد في لغة شاعرية ونسيج سردي متقن تأتي المجموعة القصصية «العشار.. أساطير الميل الواحد» للقاصّ والروائي العراقي «محمد خضيّر» الصادرة حديثا عن دار الرافدين في بيروت وبغداد.. يروي «خضير» حكايات حيّ «العشّار» بالبصرة، الذي لا تتعدى مساحته ميلاً مربعاً واحداً، لكن الدوران حوله مقرون بعدد القصص المرويّة عن حياة ساكنيه وعامليه المحسوبة بحوادث غير مسجّلة في ديوان، ولا تنتسب حكايتُها لراوٍ بعينه، يقوم «خضير» بدور المؤلف لحكايات شعبية، هي بلا مؤلف أصلاً، ليصل الحديث بالقديم ويقول «سأروي تباعاً عن عربة بائع الشاي وخيمة الإسكافي وزاوية بائع الخواتم ودكان العطار وبائع التمور»، وشعرية محمد خضير تتجلى في هذه النصوص السردية. ويذكر أنَّ محمد خضير هو قاصّ وروائي عربي عراقي ولد في البصرة عام 1942، ظهرت أولى قصصه في مجلة (الأديب العراقي) عام 1962، ترجمت قصصه إلى اللغات العالمية منها الإنجليزية والروسية والفرنسية ونال جائزة جائزة سلطان العويس في الإمارات العربية المتحدة عام 2004. قميص لتغليف الهدايا يصور الكاتب المصري أحمد القرملاوي شخصياته دائماً فى ذروة لحظاتهم المأزومة، في مجموعته القصصية «قميص لتغليف الهدايا»، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، تتكون من ١٧ قصة تتناول الإنسان ومعاناته مع الخوف والوحدة والعزلة والموت، وأيضًا مواجهاته مع هذه المخاوف والأشباح، ففي القصة الأولى نجد أنفسنا أمام حالة موت مفاجئ أقرب إلى القتل حيث يسقط «خالد»؛ عامل البناء «زرع بصل» في «الخرسانة» من دون أن يظهر منه سوى القدمين. وفي قصة «الموت على صدر السندريلا»، نجد -منذ اللحظة الأولى- رجلاً يصارع اقتراب الموت وهو ممسك بمركب مقلوب. وفي قصة «سجل الليل الصامت»، يعاني مريض السكري من زوجته الغاضبة دوماً من كثرة تبوله: «ألا تفرغ هذه المثانة أبداً؟»... وفي قصة «في الركن المظلم»، يتخلص التلميذ من مدرسة العلوم الإيرلندية السيدة «ماكارثي» بادعاء أنها تعاقبه، وفي قصة «قانون الخبز»، يتحول الموت إلى قتل صريح على يد المغاوير الذين انتزعوا «رقعة من أرض الله الواسعة؛ غرسوا فيها نواة حكمهم». وأحمد القرملاوي، روائي وقاص مصري، من مواليد القاهرة عام 1978، حازت روايته «أمطار صيفية» على جائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع المؤلف الشاب سنة 2018. منمنم الوحوش ثلاثون نصًا في مجموعته القصصية الأخيرة «منمنم الوحوش» الصادرة حديثا عن دار (عائدون) للنشر بالأردن، للكاتب المغربي أنيس الرافعي.. وهي مختارات قصصية من كتبه السابقة: «أشياء تمر دون أن تحدث فعلاً.. و«مصحة الدمى»، و«خياط الهيئات»، و«الشركة المغربية لنقل الأموات»، و«اعتقال الغابة في زجاجة»، و«أريج البستان في تصاريف العميان»، و»صانع الاختفاءات»، تبدو النصوص في مجملها لا معقولية وسيريالية في مواجهة الواقع المتشظي، وتجيء عبارة «الرافعي» كرصد دائم للمعنى المخفي والمستور، فهو -حسب شهادة الأديب العراقي أحمد خلف- يعرف كنه البناء السردي، وكيفية تكوين الإيقاع، وكتاباته تعد وثيقة دفاع عن الإنسان المهمش والمنسحق، بل والمقصي، أهدى «الرافعي» مختاراته إلى رفيقه وصديق دربه الأدبي: «زياد خداش» . موسم الأوقات العالية من خلال كتابة تعكف على الذات والتفاصيل الصغيرة وتنحي الأيدولوجيا والهم السياسي المسيطر على الكتابة السابقة.. يقدم الكاتب المصري المصري «ياسر عبداللطيف» في مجموعته القصصية «موسم الأوقات العالية»، الصادرة عن الكتب خان، سبع قصص يمزج فيها بين التوثيق والحكي بمهارة ليخلق عالمًا قصصيًا جذابًا، يتكئ على رسم موجز وسريع لشخصياته مع التركيز على المشهد الحكائي والموقف القصصي الدال من خلال لغة وصفية وحيادية أحيانًا، فيلتقط الغرائبي من خلال العادي والهامشي في حياة ومواقف الشخصيات، وتتخللها تأملات الكاتب وأسئلته عن زمن مضى، كتب الناقد الدكتور صلاح فضل: «يتميز ياسر عبداللطيف بتلقائية بالغة في سرده فهو يكتب بسلاسة وعفوية دون أن يعني كثيرًا بتشكيل معمار محكم لروايته بل يترك لذاكرته أن تنهمر ببساطة».
مشاركة :