تتناول الباحثة العمانية مريم الغافرية في كتابها “ثلاثية النقد الساخر في أدب أحمد مطر” تجربة الشاعر العراقي أحمد مطر، ويشتمل كتابها على أربعة أبواب، في كل باب فصول تراوحت بين أربعة إلى خمسة. وتدرس الغافرية في الكتاب على نحو رصين قصائد الشاعر العراقي أحمد مطر بصفته أديبا ساخرا، وبدأت دراستها في الباب الأول من خلال نقد مراجع ومصادر مواضيع السخرية التي تعرضت لدراسة شعر أحمد مطر، تلك المواضيع المنشورة في الصحف والمجلات الثقافية. وبذلت الكاتبة جهدا مضنيا في عملها، ليس أقلها محاولاتها العديدة في اللقاء بالشاعر أحمد مطر؛ إلا أن تلك المحاولات ولظروف الشاعر الصحية لم تتحقق فعوضت اللقاء بالتواصل مع عائلته لتستوعب تلك الروح الشعرية الناقدة والساخرة، ثم سافرت مؤلفة الكتاب إلى الكويت والتقت بالذين عملوا مع الشاعر في الصحافة الكويتية. النقد الساخر كما درست الكاتبة موضوع السخرية في الأدب العربي قديمه وحديثه شعرا ونثرا، لتعاين بالدرس والتحليل ثيمة السخرية في أدب أحمد مطر، والمنهل الذي تقاطعت معه وتمثلته سواء أكانت من مرجع عربي أو غير عربي وبالأخص في شعره، خاصة تلك التجارب المنشورة تحت مسمى “لافتات”. وسيلاحظ قارئ الكتاب، الصادر عن دار نثر في مسقط، اجتهاد الكاتبة في بحث مفهوم وتعريف اللافتات الشعرية التي عنون بها أحمد مطر دواوينه، وقد تتبعت الدراسة العميقة هذه حياة الشاعر “رحلته الحياتية والشعرية المتوزعة في المنافي العربية إلى الاستقرار الأخير في لندن”. وحول القيمة الأدبية والنقدية لهذا الكتاب كتب الأكاديمي محمد الهادي الطرابلسي كلمة قال فيها “هذا الكتاب فحص مجهري للأساليب التي استخدمها أحمد مطر في أدب أساسه الشعر والسخر، توحد بينهما بصمة مميزة جامعة بين المنزعين، التزم بها الشاعر وأخلص لها طيلة مشواره الإبداعي الذي استغرق السنوات الأربعين الأخيرة الموزعة بالتساوي تقريبا على القرنين العشرين والحادي والعشرين”. وطرقت مريم الغافرية موضوعها بجد متسلحة بثقافة واسعة وصبر طويل، وبأدوات منهجية محكمة، لأن العلامات الأربع الجوهرية في مشروعها إشكاليةٌ جميعها، لا يمكن الاطمئنان إليها والبناء عليها إلا بعد وضعها في ميزان النقد، انطلاقا من “الأساليب” التي يتواصل نقاش المختصين في حدها، وصولا إلى علامة العلم المدروس أحمد مطر، مرورا بكلمة “الأدب” أرقى ضروب الفن، وأسمى أنواع القول. واختارت الكاتبة الأسلوبية مجالا بموجب أن السخرية أسلوب أو آلية من آليات التعبير نقدا ورفضا، سخرا ونقضا، وإن كانت مظاهرها كثيرة، إذ تأتي في الكلام موضوعا أيضا، وأحيانا غرضا من أغراض القول، وأحيانا أخرى معنى من المعاني الجزئية. ولمريم الغافرية فضل التوقف عند “لافتة” مطر مصطلحا ومفهوما تطوع بهما، وبابا جديدا في تجارب الشعر ناقشتها وكشفت عن دلالاتها، ورفعتها قبل ذلك إلى منزلة التجارب الأدبية المتميزة والإضافات المبرزة، “فإذا اللافتة في أدبه مصطلحا ومفهوما، وجنسا أدبيا، ومنزعا نقديا من أبرز إضافات الشاعر إلى الأدب والنقد”.
مشاركة :