رغم التقارب بين معسكري شرق ليبيا وغربها حول المسار العسكري خلال الأشهر الماضي، فإن تعقد المشهد السياسي بينهما بات يلقي بظلاله على البلاد، ويفتح الباب لسيناريوهات مختلفة قد تؤدي حسب مراقبين إلى «الفوضى والانقسام»، ما قد يسمح بالعودة إلى حكومتين متناحرتين، كما كان قبل عام مضى. وتسعى المستشارة الأممية إلى ليبيا، ستيفاني ويليامز، إلى قطع الطريق على مجلس النواب، ومنع الإجراءات التي بدأها لتعيين شخصية جديدة لتشكيل حكومة جديدة وعزل عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الحالية. وفي ظل تمسك أطياف الشعب الليبي بضرورة تحديد موعد لإجراء الانتخابات العامة، قال النائب الدكتور محمد عامر العباني أمام مجلس النواب، أمس، إن «الليبيين يطالبون بسرعة إجراء الاستحقاق الانتخابي، وليس تعيين حكومة جديدة»، قبل أن يلفت إلى أن إنهاء حكومة الدبيبة يعني أيضاً «إسقاط المجلس الرئاسي»، الذي يترأسه محمد المنفي. وللحيلولة دون انقسام البلاد بين حكومتين، وعدت ويليامز، التي التقت في العاصمة طرابلس نخبة من ممثلي النقابات والاتحادات والمنظمات النسوية والشبابية والمجتمع المدني، إضافة إلى أكاديميين وناشطين، أن الأمم المتحدة «ستواصل إعلاء وتكرار أصوات ما يقارب 3 ملايين ناخب مُسجل، والعمل مع المؤسسات ذات الصلة لإجراء الانتخابات الوطنية ضمن الإطار الزمني، الذي حددتهُ خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي». وقالت ويليامز إن اللقاء كان «فرصة رائعة للاستماع مباشرة إلى الشواغل الحقيقية للمواطن الليبي والقوى العاملة»، التي استعرضت وجهات نظر مختلفة حول كيفية المضي قدماً في إجراء الانتخابات، لافتة إلى أنهم «اتفقوا جميعاً على وجوب إجرائها في أسرع وقت ممكن، ودون مزيد من التأخير غير المبرر». وفيما رأى سياسيون ليبيون أنه إذا لم يتم تدارك أجواء الانقسام، التي تخيم على البلاد راهناً، بالشكل الذي يمنع وجود حكومتين في ليبيا، فإن الأمور مرشحة لمزيد من التوتر، الذي قد يفضي إلى «ضياع مجهود عامين على الأقل من التفاوض السياسي حول وجود سلطة موحدة، والمصالحة وإنهاء الانقسام». وللمرة الأولى وجهت المستشارة الأممية لوماً صريحاً للنخبة السياسية في ليبيا، كما غمزت من قناة مجلس النواب، وقالت إن «مدة تفويضه الممنوحة بموجب الانتخابات، التي جرت عام 2014 انتهت»، لافتة إلى أن «صلاحية المجلس الأعلى للدولة المنتخب قبل عشر سنوات انتهت» هي الأخرى. وبحسب تصريحات لصحيفة «ذا غارديان» البريطانية، نقلتها وسائل إعلام محلية أمس، عبرت ويليامز عن استغرابها من تجاهل عملية الانتخابات، وماذا جرى بشأنها، ورأت أنه «من الممكن أن يعيد مجلس النواب الانتخابات إلى مسارها الصحيح، وأن يُنظم الانتخابات بحلول يونيو (حزيران) المقبل». وقالت ويليامز بهذا الخصوص: «بدلاً من ذلك، حولوا انتباههم إلى لعبة الكراسي الموسيقية، وتشكيل حكومة جديدة»، مشددة على أنه «كان يجب على مجلس النواب تحديد موعد لإجراء الانتخابات قبل مناقشة الحكومة الجديدة، التي يكون تفويضها غير معروف». وعبرت ويليامز عن خشيتها من أن «البعض قد يناور الآن لمزيد من التأخير، ويظل الصراع في النهاية قائماً على الأصول والسلطة والمال، وهو سبب وجيه للتشبث بالسلطة». ولا تخفي بعض الشخصيات الدولية مخاوفها من انفلات الأوضاع في ليبيا، في ظل عدم تحديد موعد لإجراء الانتخابات، والمضي في تشكيل حكومة جديدة، إذ رأى ماركو مينيتي، وزير الداخلية الإيطالي الأسبق، أن «هناك مخاطر من حدوث تصدعات جديدة في ليبيا»، مبرزاً أن «ليبيا تجازف بالانقسام» بعد إرجاء الانتخابات التي كانت مقررة في 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقال مينيتي وفقاً لوكالة «أكي» موضحاً أنه «إذا أصبحت هناك حكومتان من خلال فرضية الدولتين، فإن هذا المنحى قد يصبح خطيراً للغاية، فتنزلق الأوضاع في النهاية إلى أسوأ موقف ممكن، أو تقسيم ليبيا إلى مناطق نفوذ». وكانت المستشار الأممية قد التقت رئيس حزب «السلام والازدهار» في طرابلس، محمد خالد الغويل، وأطلعته على أهداف مهمتها في ليبيا. وقالت عبر حسابها عبر «تويتر» مساء أول من أمس، إنها أجرت «نقاشاً جيداً حول رؤية الحزب لمستقبل البلاد، ومناقشة إعادة الانتخابات إلى مسارها كأولوية». وشددتُ على أهمية دور الأحزاب السياسية في الحياة المؤسسية والسياسية للبلاد، ورفع أصوات قرابة ثلاثة ملايين مواطن ليبي سجلوا أسماءهم للتصويت، قبل أن تؤكد على أن «السبيل الوحيد لحل أزمة الشرعية في ليبيا يتمثل في صناديق الاقتراع».
مشاركة :