يتبنى حزب “فوكس” اليميني المتطرف في إسبانيا خطابا شعبويا ضد المغرب، مستغلا الأزمة المستمرة بين مدريد والرباط، خصوصا في ما يتعلق بمشكلة سبتة ومليلية المحتلتين، في خطوة تمهد للتموقع في الانتخابات الإقليمية المقرر إجراؤها بالبلاد في مايو المقبل. واشترط حزب “فوكس” اعتراف المغرب بسيادة إسبانيا على مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين من أجل إعادة فتح حدودهما من جديد، داعيا الحكومة الإسبانية إلى أن تكون أكثر حزما تجاه ما سمّاه الحزب المتطرف بـ"التحرشات المغربية" على المدينتين. واعتبرت النائبة البرلمانية عن الحزب في مدينة سبتة تيريزا لوبيز أن "سياسة المغرب مع سبتة ومليلية تهدف إلى محاصرتهما والضغط على إسبانيا بالاعتماد على تدفقات المهاجرين السريين". حزب "فوكس" يطالب من إسبانيا عدم فتح حدود سبتة ومليلية مع المغرب إلا بعد أن تعترف الرباط بسيادتها عليهما وأكد صبري الحو الخبير في القانون الدولي أن "اليمين المتطرف لديه فرصة لتعزيز مركزه الانتخابي بالعزف على أوتار النعرات ضد المهاجرين، وخطابه مؤسس على معاداته للمغرب وللمهاجرين". وأضاف لـ"العرب" أن "هذا الحزب يضم بين صفوفه جنودا متقاعدين من عهد فرانكو الاستعماري الذي يحتكم إلى نزعات إمبريالية محرضة على الجوار، وآخر تصريحاته تشبيهه لما يقع في سبتة بمسيرة خضراء ثانية لتحريرها”، معتقدا أن “هذا ما يفضح عقدة التاريخ وعلة الجغرافيا لدى هذا الفاعل السياسي”. ويطالب حزب “فوكس” من إسبانيا عدم فتح حدود سبتة ومليلية مع المغرب إلا بعد أن تعترف الرباط بسيادتها عليهما، حيث أن المملكة المغربية لا تعترف رسميا بانتماء المدينتين إلى إسبانيا، وتعتبرهما مناطق مغربية محتلة من طرف سلطات شبه الجزيرة الإيبيرية. واعتبر الشرقاوي الروداني الخبير في الشؤون الأمنية في تصريح لـ”العرب” أن “الحزب اليميني السياسي أو الأمني في إسبانيا يتبنى العقيدة العسكرية الإسبانية التي ما تزال تريد فرض تفوق استراتيجي على دول الجنوب”. وفي وقت سابق قال رئيس الحكومة المغربية السابق سعدالدين العثماني إنه “سيأتي الوقت الذي سيفتح فيه المغرب ملف سبتة ومليلية باعتبارهما أراضي مغربية محتلة من طرف إسبانيا”، وهو ما أثار ضجة كبيرة ودفع المسؤولين الإسبان إلى انتقاد هذا التصريح، مشددين على أن سبتة ومليلية مدينتان إسبانيتان وستظلان كذلك. وقال الباحث الإسباني في مركز برشلونة للشؤون الدولية إدوارد سولير الأحد إن المغرب لن يخفف ضغطه على إسبانيا من أجل اتخاذ خطوة لصالحه في قضية الصحراء، بل سيزيد على هذه القضية ملف سبتة ومليلية المحتلتين. وقالت تيريزا لوبيز إن “تعامل الحكومة الإسبانية مع المغرب في العديد من القضايا ذات الطابع المتوتر مع الرباط في الفترة الأخيرة تتسم بالضعف، مما يُشجع المغرب على مواصلة ضغطه”. ويتعرض خوسيه مانويل ألباريس وزير الخارجية الإسباني إلى ضغوطات قوية من طرف الأحزاب التي تعتبر إدراته للوزارة بمثابة “خيبة أمل كبيرة”. إسبانيا لم تدرك أن المغرب لم يعد قادرا على البقاء أسير السياسة التقليدية في تدبير ملفات من صميم أمنه القومي وطالب زعيم حزب “فوكس” سانيتاغو أباسكال سلطات بلاده التي وصفها بـ”المتقاعسة” بطرد الوافدين إلى سبتة، قائلا “لا نريد في إسبانيا رجالا يركعون على ركبهم بالغصب خمس مرات في اليوم باتجاه مكة”، متهما المغرب بـ”غزو سبتة”. ورغم إعلان وزير الخارجية الإسباني قبل أيام أن الحل “ليس قريبا” وأن على مدريد الاستعداد لأزمة طويلة الأمد، إلا أنه أكد في المقابل أن العاهل المغربي الملك محمد السادس تحدث عن إسبانيا بشكل صريح في خطابه يوم العشرين من أغسطس الماضي. وأبدى تشبثه بحديث العاهل المغربي عن رغبته في بدء مرحلة غير مسبوقة في العلاقات الثنائية بين البلدين. ويرى صبري الحو أن إسبانيا لم تدرك أن المغرب لم يعد قادرا على البقاء أسير السياسة التقليدية في تدبير ملفات من صميم أمنه القومي، لذلك انتقل إلى اعتماد سياسة ندية تعتمد على التنافس الاقتصادي وتفكيك جمود التبعية بخطة تنموية تعتمد على المشاريع الاستراتيجية العملاقة بجوار إسبانيا على الشريط المتوسطي.
مشاركة :