أدت تداعيات موجة الجفاف التي تضرب الجزائر أسوة بباقي بلدان شمال أفريقيا إلى جانب الأزمة المالية جراء غياب البرامج الحكومية الداعمة للمربين والتجار، إلى تقويض مردودية الإنتاج الحيواني بسبب التكاليف الباهظة مما أعاق تحقيق الاكتفاء الذاتي. وهذه الوضعية كبدت جميع المتداخلين في سلسلة الإنتاج خسائر كبيرة على الرغم من مساعي السلطات بشق الأنفس للتقليل من وقعها، لكن محاولاتها لم تأت بنتائج تذكر وهو ما يكشفه بوضوح تذمر العاملين في القطاع يوما بعد يوم نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف. وتزايدت خلال الآونة الأخيرة استغاثات القطاع للتعجيل في إنقاذه قبل وقوعه في ركود أكبر مع ظهور مؤشرات خطيرة على تراجع إيراداتهم بسبب تكاليف الإنتاج ونقص السيولة، وهو ما يعسّر مهمة اجتيازهم صدمة الجائحة، وهو ما قد ينعكس على القدرة الشرائية للناس. الحاج طاهر بولنوار: احتكار جهة واحدة لاستيراد الأعلاف أدى إلى ارتفاع أسعارها وتتخوف أوساط القطاع من أن تجميد استيراد اللحوم ومنع استيراد الأعلاف من طرف القطاع الخاص سيؤديان في نهاية المطاف إلى أزمة في سوق اللّحوم بالبلد النفطي، خاصة بعد ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق منذ بداية ديسمبر الماضي. وفي مسعى للضغط على الحكومة، دعت الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين هذا الأسبوع السلطات إلى فتح باب استيراد الأعلاف واللحوم بشكل “استثنائي ومؤقت”، لإيجاد بيئة تنافسية بين التجار والمساهمة في خفض الأسعار واستقرار السوق. ويحمل خبراء القطاع الارتفاع المطرد لأسعار الأعلاف في السوق المحلية نتيجة وقوعها في قبضة لوبيات تتحكم في تسويقها، حيث تباع لهم بضعف الأسعار الرسمية. ويشكو رئيس الجمعية الحاج طاهر بولنوار من احتكار جهة واحدة لاستيراد الأعلاف دون منح الفرصة للقطاع الخاص لدخول هذا النشاط، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها وعزوف عدد كبير عن ممارسة تربية المواشي. ويأتي هذا التعليق بعد أيام من قرار اتخذه الرئيس عبدالمجيد تبون خلال مجلس وزاري عقد الأحد الماضي ضمن برنامج جديد لتعزيز إنتاج اللحوم على المستوى المحلي، بما يتماشى وحجم الدعم الذي تقدمه الدولة. وتعتمد الجزائر بشكل شبه كلي على السوق الخارجية لتغطية الطلب المحلي من أغذية الحيوانات بواردات سنوية تناهز 5 ملايين طن في المتوسط. وفي العادة يقوم بالاستيراد عدة متدخلين إلى جانب الديوان القومي لأغذية الأنعام، في حين تسيطر شركة استيراد واحدة، وهي شركة بودياب، على نصف الكميات المستوردة من الأعلاف المتمثلة في منتج الذرة وفول الصوجا والشعير. ونسبت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية إلى بولنوار قوله “من الضروري منح تراخيص للشركات الخاصة لاستيراد الأعلاف بهدف تخفيض أسعارها وتشجيع المربين على المواصلة في نشاطاتهم خصوصا مع اقتراب شهر رمضان حيث يتنامى الطلب على اللحوم”. ويقدر الطلب المحلي في المتوسط على اللحوم سنويا بنحو 1.2 مليون طن حيث يستهلك الجزائريون خلال شهر رمضان وحده قرابة 130 ألف طن، بينما لا يتجاوز الإنتاج المحلي المليون طن ببلد يبلغ تعداد سكانه نحو 40 مليون نسمة. وفي ضوء ذلك، يعتقد بولنوار أنه من الضروري أن تفتح وزارة التجارة باب الاستيراد لتغطية النقص المحتمل في السوق مع استثناء تجار اللحوم من رفع الرسوم الجمركية. ويقول مختصون في المجال الزراعي إن تربية المواشي بالبلاد لا تزال بعيدة عن أداء دورها في المنظومة الاقتصادية، وحتى كمية الإنتاج تبقى بعيدة عن الطموحات مقارنة بالرقعة الجغرافية شبه الصحراوية التي بالإمكان استغلالها في هذا القطاع. وتحصي الجزائر ثروة حيوانية تقدر بحوالي 25 مليون رأس من كافة الأنواع سواء الأبقار أو الضأن أو الماعز، وهو ما يمكنها نظريا من تحقيق اكتفاء ذاتي في مجال اللحوم. لكن الكثير من العراقيل تنغّص نشاط العاملين في القطاع فإلى جانب ارتفاع أسعار الأعلاف والأغذية الحيوانية، تطبق عليهم إجراءات مشددة في مجال التنقل والتسويق في بعض الأحيان، وهذا ما ظهر بوضوح مع بداية انتشار مرض كوفيد في البلاد قبل عامين. ولدى خبراء قناعة بأن تكاليف تربية المواشي تتجاوز قدرات المربين وقد ساهمت بالتالي في إشعال أسعارها في السوق المحلية، وهو ما حدّ من توسيع وتطوير القطاع، كما تبقى الوسائل البدائية عائقا أمام تطوير الإنتاج ورفع مردوديته. ويعتقد رئيس اللجنة الوطنية لتجار اللحوم التابعة للجمعية مروان الخير أن على السلطات الإسراع في إنشاء أسواق جملة لتجارة اللحوم وفقا للمعايير الدولية المتعارف عليها. ورغم وجود مشروع قيد الدراسة لإنشاء مثل هذه السوق على مستوى بلدية أولاد الشبل بدائرة بئر توتة التابعة للعاصمة بمساحة قدرها 6.7 هكتار، لكن الخير يرى أن ذلك جهد لا يكفي.
مشاركة :