الرهاب.. مرض وراثي يثير الخجل

  • 11/22/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا تندهش عندما يلبي صديقك دعوتك إلى العشاء، ثم يتردد في دخول المصعد إلى الطابق العاشر حيث تقع شقتك، وربما يهم بالهرب قبل دخول شقتك، تلازمه رجفة وزيغ بصر، يكاد يقبل يديك لتتركه يرحل، من دون الدخول إلى بيتك، فتلك الحالة يعرفها الأطباء كنوع من الفوبيا أو الرهاب، أي الخوف الزائد غير المبرر، وذلك الصديق مصاب برهاب الأماكن المرتفعة، لا يقبل المصابون به على التورط في الصعود إلى الطوابق العليا، وربما يتظاهرون بالشجاعة ويمنعهم الخجل من توضيح طبيعة مرضهم حتى لا يسمهم أحد بالجبن، إلا أن التغيرات الفسيولوجية لا تلبث أن تتضح ويتضح معها الموقف، وعلى الطرف الآخر وضع النظر إلى المريض بعين الاعتبار والتقدير لا السخرية والضحك، فالرهاب مرض كأي مرض يحتاج إلى تفهم أفراد المجتمع لأبعاده. تعرف علماء النفس منذ مدة طويلة إلى الرهاب أو الفوبيا كمرض نفسي يمكن علاجه والحد من أعراضه الاجتماعية المخجلة، وأكدت الأبحاث على علاقته بالجينات الوراثية، إذ أنه ينتقل من جيل لآخر بالوراثة، وكان عالم النفس النمساوي سيجموند فرويد أحد الذين تناولوه بالدراسة، وربط بينه وبين عقدة أوديب التي تصيب المراهق خلال مرحلة البلوغ، وأكد أن الرهاب يصيب الرجال عادة في تلك السن، فإن تجاوزوه لا يمكن أن يصيبهم في مراحل لاحقة. ويعرف الرهاب بأنه خوف مرضي تظهر أعراضه عند ظهور المثير، الذي يتنوع بين مكان أو حيوان أو موقف اجتماعي أو ظرف طبيعي، ويرافق ذلك أعراض بدنية مثل التعرق وارتفاع درجة الحرارة وزيادة نبضات القلب وارتفاع ضغط الدم والرغبة في التحرر من سبب الرهاب، أي الهرب من الموقع أو من المواجهة، ومن الممكن أن تظهر بعض الأعراض قبل التعرض للموقف أو مقابلة الحيوان مسبب الرهاب، فمثلاً يمكن أن يصاب الشخص بالقلق من الفحص الطبي قبل إجرائه بيوم أو أكثر، ويصبح النوم صعباً ويصاب بآلام وهمية في المعدة، حتى إذا واجه الطبيب وجهاً لوجه ارتفعت وتيرة خوفه إلى درجة يلحظها جميع المتواجدين في الموقع، حتى ولو ليسوا على علاقة بالمريض. وعلى الرغم من غياب إحصاءات موثقة تفيد بأعداد مرضى الرهاب على مستوى العالم، يقدر علماء النفس عدد المصابين بنحو 1% من سكان العالم، إلا أن ذلك المعدل النسبي يظل غير دقيق على اعتبار أن الرهاب من الأمراض الاجتماعية التي يسعى المريض إلى إخفاء طبيعتها عن المحيطين ويستطيع التعايش مع مرضه من خلال تجنب الأماكن أو المواقف أو الحيوانات التي تثير مخاوفه، ويجد دائماً الأعذار الكافية لتجنب المواجهة من دون إدراك المحيطين للأسباب الحقيقية لتهربه. والغريب في مرض الرهاب أن المريض يدرك تماماً أن مخاوفه ليست في محلها، وربما يبادر بمساعدة أصدقائه إلى إزالة أسباب المرض، ولكنه يتراجع عن موقفه في اللحظات الأخيرة ويؤثر السلامة والهرب من المواجهة، فمثلا إذا أصيب شخص ما برهاب الكلاب، وحاصره الخجل من ذلك الأمر، يستجيب إلى نصائح الأصدقاء بمواجهة كلب الجيران واللعب معه من دون خوف، وعند الاقتراب من منزل الجيران يبدأ التردد، وعند الباب يقرر التراجع بصرف النظر عن الثمن. ويحتاج مريض الرهاب إلى العلاج النفسي بمساعدة الطبيب المتخصص، إذ يلزمه مجموعة من جلسات العلاج تختلف في طريقة إدارتها وعددها باختلاف نوع الرهاب وتعاون المريض مع المعالج، وقام العلماء بتقسيم الرهاب إلى نوع يتسم بسمات اجتماعية وآخر بسمات شخصية، فالخوف من مقابلة أشخاص أو التحدث أمام جمهور يعتبر من النوع الأول، بينما الخوف من حيوان أليف أو من البقاء في مكان مغلق ينتمي إلى النوع الثاني الذي ينقسم بدوره إلى عدة أنواع تبعاً لسبب الرهاب، فهناك مثلا رهاب الحيوانات أو الظلام أو المرض أو المرتفعات أو الشيخوخة وغيرها. واعتبر علماء الطب النفسي رهاب الأماكن المفتوحة، والأماكن العامة المزدحمة، مثل المراكز التجارية أو القطارات أكثر الأنواع انتشاراً، حيث يصيب أكثر من نصف مرضى الرهاب، وتعتبر نظرات الناس في تلك الحالة مصدر المشكلة حيث لا يجد المريض منها مهرباً لوجوده ضمن مساحة مغلقة، وأغلب المصابين بذلك النوع من الرهاب لا يغادرون بيوتهم إلا لأسباب قوية ولا يستخدمون وسائل المواصلات العامة بل يفضلون السير على الأقدام. وتشير التجارب العملية إلى وجود عدد لا يحصى من أسباب الرهاب وعوامله لدى المصابين، تتعدد بين الحيوانات والبشر والأماكن والظروف، وتتضمن القائمة رهاب الألم أو الحيوانات المفترسة وربما الأليفة، أو فراء وجلود الحيوانات أو العناكب أو النحل أو القطط أو النحل المرتفعات أو الأماكن المفتوحة أو الفيضانات أو الطيران أو الميكروبات أو الضفادع أو الرعد أو النار أو الكيماويات أو الأماكن الضيقة أو الجن والشياطين أو الكهرباء أو الزحام أو الحشرات أو الشمس أو الدم أو العقاب أو الآلات المعقدة أو الموت أو الدمى أو الغرباء. ويعتمد علاج الرهاب على التعاون بين المريض والطبيب، وربما يستطيع أحد أفراد الأسرة تقديم المساعدة للمريض من دون اللجوء إلى الطبيب، فيكفي التقارب بين الزوجين أو الشقيقين ليصارح المريض الطرف الآخر بمخاوفه، ويستطيع المعالج إقناع المريض بعدم وجود مبررات قوية للخوف، ثم يدفعه تدريجياً لمواجهة العنصر المخيف وجهاً لوجه حتى يتأكد المريض من عدم وجود سبب منطقي وراء مخاوفه المرضية، ويتعود تدريجياً على التعرض للسبب سواء في وجود الشخص المشجع أو الطبيب، ولا يستغرق الأمر أكثر من بضعة أسابيع للوصول إلى الشفاء التام، كما يعتمد العلاج على الإرث الذي تركه المرض على صحة المصاب وعلى نشاطه المهني وعلاقاته الاجتماعية، ويختلف الأمر مثلاً بين مريض لا يغادر المنزل ولا يأكل ولا يشرب نتيجة تضخم مخاوفه، و آخر فقط ينتابه الرهاب عندما يخرج إلى الشارع ويرى الكلاب تنبح. ويستخدم بعض الأطباء أسلوب العلاج الجماعي، فيقومون بجمع كل مرضى الرهاب معا في جلسة علاجية واحدة، على أن يكون مثير الرهاب لديهم جميعاً واحداً، ثم يقدمون الإرشادات النفسية والسلوكية أمام الجميع، وأكد بعض الأطباء نجاعة ذلك الأسلوب في تحقيق إنجازات كبيرة خلال وقت قصير. يفضل بعض الأطباء استخدام العقاقير لعلاج مشكلة الرهاب، ولا تخرج تلك الأدوية عن مخففات التوتر وعلاجات القلق وربما مضادات الاكتئاب، إلا أن العلاج السلوكي يظل الطريق الأفضل للحصول على الشفاء من دون عقاقير طالما كانت الحالة في مرحلة الرهاب ولم تتطور إلى مضاعفات نفسية أخرى، علاوة على تدريبات الاسترخاء التي تساعد المريض على تجنب عوارض القلق النفسي والتوتر. ويلجأ الطبيب عادة إما إلى طريقة العلاج بالصدمة، أي مواجهة المريض بالعنصر المخيف الذي يسبب له الرهاب، فمثلا لو كان رهابه من القطط أحضر له قطة أليفة وشجعه على ملاطفتها، بصورة مفاجئة لا تدريجية، ومع تكرار الجلسات التي تعتمد على المواجهة والصدمة يتحسن أداء المريض ويدرك أن القطة حيوان غير مؤذ، وهناك طريقة العلاج بالمواجهة التدريجية وتعتمد على تقديم المثير الرهابي للمريض بصورة تدريجية، أي التحدث في أول الجلسات عن القط كحيوان أليف، ثم عرض صور بعض القطط ترعى صغارها في جلسة لاحقة، ومن ثم عرض فيلم فيديو قصير عن الصداقة بين القط وبني البشر، وأخيرا يحضر الطبيب القطة إلى العيادة ليتأكد المريض بنفسه من صحة المعلومات التي تلقاها سابقاً عنها، وهكذا. وأخيراً يلجأ بعض المعالجين إلى العلاج بالتخيل، أي يطلب من المريض تخيل ما يشعره بالرهاب فيعتريه القلق، ومع تكرار التجربة يستطيع التغلب على مخاوفه.

مشاركة :