المستأجرة آفة عابرة للأجيال

  • 12/6/2013
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قالت الأم: «رحل ابني وزملاؤه من مدرستهم إلى مدرسة أخرى تستقبلهم من الساعة الحادية عشرة صباحا إلى الساعة الرابعة عصرا بحجة إخلاء المدرسة (الأساسية) لإجراء أعمال الصيانة التي تستغرق مدة أقصاها فصل دراسي واحد. والفصل الواحد امتد الآن إلى ثلاث سنوات، وما زال ابني وزملاؤه يتلقون تعليمهم في هذه المدرسة متعددة الفترات، والتي يختل فيها تكوينهم البيولوجي للإدراك والاستيعاب، بسبب تأخر تقديم الخدمة التعليمية في وقتها الطبيعي من ساعات النهار». ما إن انتهت الطالبة الأم من طرحها حتى اندفعت بقية طالباتي للدراسات العليا التربوية، يسردن تجاربهن ومعلوماتهن عن آفة المباني المدرسية المستأجرة، واسترسلن قائلات (لقد تلطفت في إعادة صياغة عبارات طالباتي رفقا بقرائي): المدارس عبارة عن بيوت تنساب التشققات والتصدعات في بنيانها الخارجي والداخلي، والفصول عبارة عن حجرات ضيقة متلاصقة تختلط فيها الأصوات لعدم وجدود عوازل، كما أن المطابخ حولت إلى فصول أيضا أو إلى معامل مهجورة. يعتلي الطلبة ــ للطابور الصباحي ــ سطح المبنى لعدم توفر ساحة لهذا الغرض، ويتدافعون بجنون وخطر على الدرج الضيق عند الفسحة والانصراف، هذه المباني لا مساحة فيها لمزاولة أي نشاط ودهاليزها موحشة وممراتها مظلمة. أما دورات المياه فلا يدور فيها الماء في معظم أيام السنة وعددها محدود لما يكفي عائلة واحدة، وهي بيئة محفزة للفئران وانفجار المثانة مقدم على رائحتها.. أما وسائل السلامة ومخارج الطوارئ فهي ترف لا يحتمل ذكره في هذه المدارس. ثم طرحت الطالبات السؤال المعهود المسكوت عن إجابته: كيف يمكن أن يكون هذا حال مدارسنا في ظل الدعم المستمر من الدولة للتعليم؟ ما تقدم أعلاه كان مختصرا لنقاش متحمس دار في محاضرتي عن مشكلات التعليم العام في المملكة، حفز هذا النقاش تقريرا عرضته، في بداية المحاضرة، لوزارة التربية والتعليم السنوي للعام المالي 1432 ــ 1433 يوضح أن نسبة المباني المستأجرة بلغت 41 في المئة من المباني المدرسية في أنحاء المملكة، إذ بلغ عددها 5972 مدرسة للبنين والبنات، من إجمالي 14684 مبنى تعليميا، بواقع 3638 للبنات و2334 للبنين، وأن الوزارة تسعى إلى رفع نسبة المباني الحكومية المملوكة إلى 85 في المئة من إجمالي المباني التعليمية خلال عام التقرير. كما عرضت عليهن ما سمعته مباشرة من سمو وزير التعليم الأمير فيصل بن عبدالله في اثنينية الأستاذ عبدالمقصود خوجة حول المباني المدرسية وصيانتها، حيث قال إن «الوزارة ليس من عملها صيانة المباني؛ لأن جوهر العملية التربوية هو الأهم من الصيانة، وهو الهدف الأسمى للوزارة.. وهذا ما جعلنا ندعم شركة تطوير التعليم القابضة».. انتهى كلام سمو الوزير الذي بدوره دفعني للبحث عن ماهية هذه الشركة التي علمت أنها أنشئت كشركة استثمار استراتيجي في عام 2008 م، ومن أهدافها توفير خدمات الدعم الأساسية والخدمات التعليمية، والتنمية، وإنشاء وحيازة وتشغيل وصيانة المشاريع التربوية، وتنفيذ الأعمال والأنشطة ذات الصلة. وتتولى الشركة تنفيذ مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام وأية برامج تعليمية إضافية. تعتبر شركة تطوير التعليم القابضة شركة مساهمة، وهي مملوكة بالكامل من قبل صندوق الاستثمارات العامة. يمثل مجلس إدارة الشركة أعضاء من وزارة التربية والتعليم، ووزارة المالية، وعدد من ممثلي القطاع الخاص. ولشركة تطوير التعليم القابضة اتفاقية مع وزارة التربية والتعليم تقدم من خلالها كامل خدمات المباني المدرسية التابعة للوزارة، ويتم تنفيذ كافة الأعمال ذات الصلة من خلال المقاولين، حيث أن نطاق الشركة سيغطي كامل دورة المشروع: من تصميم، وإدارة مشاريع البناء، والمناقصات والإشراف والصيانة وتجهيز وإدارة المرافق، ويتطلب هذا تقييم الأنظمة القائمة كالتصاميم والإشراف والصيانة والإجراءات المالية والعقود وغيرها. ظهرت شركة تطوير التعليم القابضة متزامنة تقريبا مع الشركة الصينية التي سحبت منها الثقة لتعثرها في تنفيذ 200 مبنى تعليمي، حيث كان ينص العقد الذي وقعته وزارة التربية والتعليم مع الشركة عام 2009 بقيمة ملياري ريال، على إلزامها بتسليم جميع المباني خلال 14 شهرا من تاريخ توقيع العقد وتسلم أرض المشروع. إن كل ما ينشر في وسائل الإعلام من جهود لتطوير المباني المدرسية يؤكد جدية الوزارة في التخلص من المباني المستأجرة في أسرع وقت، وأن كل ما يطالب به أولياء الأمور يؤكد حق أبنائهم في أن يمارسوا نشاطهم التعليمي في بيئة تربوية داعمة لنموهم الروحي والعقلي والجسدي وفي مناخ محفز للحس الجمالي والابتكاري، وأن التصحيح يبدأ من الاعتراف بأن أزمة المدارس المستأجرة استفحلت وامتدت زمنيا لتتحول من ظاهرة إلى آفة عابرة للأجيال، تستشري في جسد التربية. Suhair_farahat@hotmail.com

مشاركة :