عقد في الرياض خلال المدة من 11 إلى 13 يناير 2022، مؤتمر التعدين، تحت رعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أطال الله في عمره بعنوان «مستقبل المعادن»، ولأهمية هذا المؤتمر سنتعرض بمقالين لأبرز متضمناته والنتائج التي تمخض عنها، وقبل ذلك لا بد من الإشارة إلى موقع قطاع التعدين في رؤية المملكة 2030، فقد أكدت الرؤية أهمية قطاع الصناعة والتعدين وضرورة تفعيله وتعظيم مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى (33%) عام 2030، وأوضحت وثيقة الرؤية أن من التزامات الحكومة تنمية قطاع التعدين وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني، لا سيما أن المملكة العربية السعودية تمتلك مخزونات معدنية كبيرة ومتنوعة كالألمنيوم والفوسفات والذهب والنحاس واليورانيوم وغيرها، وقد تم استثمار قسم منها خلال السنوات الماضية بالشكل الذي اسهم في الوفاء باحتياجات الصناعات والسوق الوطنية من الموارد المعدنية، غير أن الرؤية ترى أن مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لا تزال دون المأمول، لذلك تشدد على ضرورة تطوير هذا القطاع وزيادة الناتج المتحقق فيه. ولا تكتفي الرؤية بتحديد الهدف وإنما تضع الآليات الموصلة إلى ذلك الهدف، حيث نصت على «ولتحقيق ذلك، سنقوم بإجراء عدد من الإصلاحات الهيكلية في هذا القطاع وإطلاق مجموعة من المشروعات، بما في ذلك تكثيف الاستكشاف وتسهيل استثمار القطاع الخاص في هذا الميدان، ومراجعة إجراءات تراخيص الاستخراج، وبناء نظام بيانات متكامل حول مقدرات المملكة، والاستثمار في البنى التحتية وتطوير أساليب التمويل»، وهذا النص وحده يمثل إيجازا رائعا لخطة تنفيذية تشمل جوانب متعددة (اقتصادية ومالية وقانونية وإدارية وإحصائية). وبنت الرؤية آمالا واسعة على قدرته في توظيف المواطنين، وإعارة اهتماما كبيرا لتعظيم المحتوى المحلي للقطاع الصناعي، وتوفير التمويل المطلوب لمنشآته، وتطوير البنية التحتية والأراضي الصناعية، والتوسع في تطبيق إجراءات الرقمنة، وتوطين التقنيات الخاصة بالصناعة، وتبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وسعت إلى إعادة تنظيمه، فتم ضمّ قطاع الصناعة إلى الطاقة والثروة المعدنية، حيث صدر أمر ملكي بتعديل اسم وزارة البترول والثروة المعدنية لتصبح (وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية)، وكان عدد المصانع السعودية يصل إلى (7741 ) مصنعا عام 2016، فيما يقارب عدد العاملين في المصانع أكثر من مليون عامل، ثم أعيد هيكلة قطاع التعدين، فقد صدر أمر ملكي بإنشاء وزارة مستقلة باسم (وزارة الصناعة والثروة والمعدنية)، ليعكس مدى الاهتمام بتطوير الصناعة وتوطينها لتشكّل حجر الأساس في تنويع مصادر الدخل كما ورد في رؤية 2030، ومن ثمار ذلك تجاوز عدد المصانع في المملكة (10) آلاف مصنع عام 2021، وفي تصريح لنائب وزير الصناعة والثروة المعدنية، في مؤتمر التعدين الدولي، أكد أن الوزارة تعمل على أكثر من (38) مبادرة لتحقيق أهداف الرؤية وتعزيز قطاع التعدين لإيجاد الفرص الوظيفية، مبينًا أن المملكة شرعت العديد من القوانين والتشريعات لتحقيق التطوير المستدام والمستمر في المناطق التعدينية. وبين أن سياسات التعدين في المملكة تتبنى أفضل المعايير للحوكمة البيئية والاجتماعية، بما يحقق الأثر على المجتمعات، وإيجاد قيمة مضافة لقطاع التعدين لاقتصاد مزدهر وأعمال تجارية ناجحة. وفي الخامس عشر من شهر يوليو 2017 أقرّت لجنة الإدارة الاستراتيجية التابعة لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ميثاق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية بهدف تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية مع التركيز على منتجات الثورة الصناعية الرابعة، وبما يولّد المزيد من فرص العمل للمواطنين السعوديين، ويعزّز الميزان التجاري، ويعظم المحتوى المحلي. وقد هدف البرنامج إلى تطوير قطاع التعدين وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني. ويغطي البرنامج جميع مراحل سلسلة القيمة من الاستكشاف إلى التعدين والصناعات الوسيطة وخاصة أن المملكة تملك ثروات معدنية تقدر قيمتها أكثر من (1.3) ترليون دولار، تضم معادن الفوسفات والبوكسيت في الشمال الشرقي، والذهب والنحاس والرواسب الأرضية النادرة في الدرع العربي غرب المملكة، ونجحت وكالة التعدين بوزارة الصناعة والثروة المعدنية في اعتماد اللوائح التنفيذية لنظام الاستثمار التعديني وإطلاق «البرنامج العام للمسح الجيولوجي» الذي يعد أكبر دراسة جيولوجية إقليمية لتمكين الاستثمار في مجال الاستكشاف التعديني. كما تم اعتماد اللوائح التنفيذية لاشتراطات البيئة والصحة والسلامة في قطاع التعدين بما يعزز استدامة القطاع وتدشين القاعدة الوطنية للبيانات الجيولوجية بنسختها المحدثة والتي تحوي أكثر من (5500) موقع ومعلومات مسح واستكشاف جيولوجية تمتد إلى (80) عاما إضافة إلى (10) آلاف تقرير فني مما يسهل مشاركة البيانات الجيولوجية ويعزز جذب الاستثمارات للقطاع. في ظل هذه المعطيات والاهتمام منقطع النظير بقطاع التعدين انعقد مؤتمر مستقبل التعدين في الرياض، والذي شارك فيه (15) وزيراً من خارج المملكة وممثلي أكثر من (32) دولة في مختلف أنشطته. وقد شهد المؤتمر نقاشات ومداخلات ثرية شارك فيها أكثر من (100) من القيادات الحكومية وشركات التعدين العالمية من خلال (40) جلسة حوارية حول مستقبل قطاع التعدين، ومساهماته في تنمية المجتمعات، وتعزيز أنظمة الاستدامة والطاقة النظيفة، وجذب الاستثمارات المباشرة لقطاع التعدين في المنطقة، وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :