لم تكن الإعاقة بالضرورة مصدراً لانسحاب أصحابها من الحياة، فغالباً ما قدمت نماذج من الإصرار على البقاء، بل والتميز، نماذج رسخت في ذاكرة البشر، وأثبتت أن هذه الفئة لديها الكثير لتقوله وتفعله، أصحاب الهمم حققوا منجزات مذهلة في الكثير من دول العالم، سواء على مستوى تطور نظرة المجتمع لهم، أو على مستوى الخدمات التي انتزعوها بمشاركة المؤمنين بقضاياهم. وإضافة إلى أنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية التي تحتضنهم، أعيد تصميم الأماكن المحيطة بهم، بما يوحي بالاعتراف بوجودهم وبقبولهم على قدم المساواة، ففي الشوارع هناك مسارات خاصة بعرباتهم وسياراتهم ذات المواصفات الخاصة، وفي وسائط النقل تذكر عبارة «لذوي الاحتياجات فقط» رغم أن من حقهم أن يكونوا هناك، وفي تصاميم الأبنية هناك ما يلزم بمراعاة احتياجاتهم. «قد لا تبدو الصورة مشرقة» هذا ما يقوله أصحاب الهمم على الأقل، فهم ما زالوا ضحية نظرة متخلفة فعلاً، وشامتة أحياناً على المستوى المعنوي، أما على مستوى الخدمات، فليس هناك ما يدل على حصص مساوية لهم، تساعدهم على الحضور والتفاعل مع الإنسان والمكان، متى وكيف شاءوا. في قصة الفلسطيني بسام عبدالمعطي الذي دخل للتو عامه الأربعين، والتقته «البيان» في معرض للصناعات الحرفية والتقليدية في مدينة رام الله، حديث حميم عن «المعاق الإنسان» يعرج على العمل والإبداع، الذي كان لا بد منه، من أجل نظرة أفضل، وإنصاف لا بديل عنه، وبما تبقى له من بصر، حيث يعاني من إعاقة بصرية منذ الصغر، يعمل بسام في متجره بمدينة بيت لحم، في مهنة تقاوم الاندثار، فيمتهن صناعة كراسي القش التقليدية، منذ ما يزيد على 28 عاماً، مؤكداً أن النجاح يرتبط في كثير من الأحيان بمن يؤمنون بقدراتك، ويعطونك الثقة، وينقلون لك عدوى النجاح. ورغم إنهائه الثانوية العامة بنجاح، إلا أن بسام لم يشأ إكمال تعليمه الجامعي، فاختار لنفسه حرفة يعتاش من ورائها، وتغنيه عن سؤال الناس، وشاء القدر أن تعنى مهنته التي تعلمها في أحد مراكز التعليم المهني للمكفوفين، بالتراث الفلسطيني، ولذا فهو لم يغفل كذلك العمل في المنحوتات الخشبية التي يقبل عليها المحتفلون بالأعياد الدينية لدى الطوائف المسيحية في مدينته ذات التعايش الإسلامي المسيحي، وله زبائنه. بسام أصبح اليوم علامة بارزة، ونموذجاً ملهماً لذوي الهمم، بعد أن أخذ ينظر إلى نصف الكأس الممتلئ، ولم يلتفت لأي من العبارات التي من شأنها أن تجره إلى الأسفل، ولم يسمح للكلمات البشعة أن تتسلل إليه، بل إن إرادته الصلبة وثقته المطلقة بنفسه، حررتاه من أية مخاوف، وجعلتاه يحلق في فضاءات النجاح الرحبة. وفي حديثه لـ«البيان» يعتبر بسام أن الإنسان فيما لو اختار أن يكون أكبر من المصيبة، فإنه يستطيع ذلك، من خلال التسلح بالعزم والإرادة والإصرار، مشدداً: «علينا أن نبحث في داخلنا عن نقاط القوة، لأنها موجودة، وهي من تقودنا إلى تحقيق الأمنيات». ومن متجره في مهد السيد المسيح عليه السلام، مصحوباً بالمثابرة، وبما يملك من عصامية، يطير بسام يومياً عديد الرسائل السامية، وفي مقدمتها أن الإرادة الحقيقية تصنع المعجزات، فيما الإعاقة لا تعني الانكفاء في الأماكن المعتمة، كما أن أصحاب الهِمم يمكن لهم أن يقودوا الأصحاء! تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :