باريس - الدبلوماسية التي يقوم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأوكرانيا لم تسفر بعد عن نتائج ملموسة ولو أنه لا يمكن القول إنها فشلت. فبعد أكثر من خمس ساعات من محادثات مع سيد الكرملين وصفها بوتين مع ضيفه الفرنسي في موسكو بأنها "مفيدة وموضوعية وعملية" ولكنه لم يلتزم علنا بتخفيف التصعيد العسكري "ولو ان ماكرون قال للصحافيين الذين واكبوا زيارته في الطائرة من موسكو إلى كييف أن بوتين أكد أنه سيسحب قواته من بيلاروسيا بعد المناورات العسكرية دون القول متى سيقوم بذلك. علما ان الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية أوضح بعد ذلك "أن لم يسبق لأحد القول إن القوات الروسية ستبقى في بلاروسيا هذا لم يكن على جدول الأعمال". فرغم أن الدبلوماسية الفرنسية تتحرك لمنع غزو بوتين اوكرانيا هناك مخاوف كبرى من العقوبات الاقتصادية الاميريكية المحتملة على روسيا إذا حصل غزو أوكرانيا، فهي عقوبات ستكون سلبية ليس على أوروبا فحسب ولكن أيضا على العالم . أكد الرئيس الاميريكي جو بايدن بوضوح أنه سيمنع انطلاق الخط الغازي نوردستريم ٢ الجديد بين روسيا وألمانيا في حال غزو روسيا لأوكرانيا خلال لقائه المستشار الألماني أولاف شولتز في واشنطن. وتجدر الإشارة إلى أن شولتز سيزور بوتين في روسيا يوم ١٧ فبراير، فاحتمال غزو روسيا أوكرانيا ليس من مصلحة أوروبا ولا روسيا ولا دول "أوبك +" . حسب وزيرالمالية الفرنسي برونو لومير في حديث إلى إذاعة "فرانس انتير" صباح الثلاثاء أن" مشكلة فتح خط الغاز نوردستريم ٢ هي أحد المفاتيح الأساسية في المفاوضات للخروج من الازمة مع روسيا "، وتابع: "علينا ألا ننجر وراء الأمريكيين على موقف لن يكون مماثل للموقف الأوروبي فمصالحنا تختلف عن مصالحهم في الأزمة الأوكرانية لذا نفضل الحوار"، وقال إن الطلب على الغاز والنفط في الولايات المتحدة وأوروبا يزداد نظرا لعودة النمو الاقتصادي متوقعا في حال نشأت أزمة غاز بسبب ما يحدث أن يرتفع سعر الغاز من ٨٠ يورو للميغاوات الساعة إلى ٢٠٠ او ٢٥٠ يورو لميغاوات الساعة ."ورأى أن مشكلة سعر الطاقة ستكون في طليعة المشاكل للعائلات في فرنسا". أوروبا اليوم تعتمد بحوالي ٤٠ في المئة من طاقتها المستوردة على الغاز الروسي و٢١ في المئة من الكهرباء الأوروبية هي على الغاز والباقي على الطاقة النووية لـ٢٦ في المئة و١٣ في المئة على الفحم و١٣ في المئة على المياه و٢٦ في المئة على الطاقات المتجددة . فحتى الآن إدارة الرئيس بايدن لم تقدم بديل للغاز الروسي للشركاء الاوروبيين في حال حدوث غزو روسي على أوكرانيا. فصحيح أن الغاز القطري قد يمثل حلا ولكن الكميات الحالية ليست كافية لتزويد أوروبا فالزيادة المنتظرة للغاز القطري ستأتي في ٢٠٢٥ عندئذ يمكن لاوروبا ان تعتمد على جزء من الغاز القطري . في حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات على النفط الروسي قد يشكل ذلك معضلة للاقتصاد العالمي لأن أسعار النفط ستحلق بشكل مؤذ ليس فقط لروسيا بل للولايات المتحدة والعالم بأسره . أما إذا رأى بايدن أنه لن يفرض عقوبات على النفط بل على سلع أخرى من روسيا فوضع روسيا تحت عقوبات قد يحرج شركائها في أوبك + الذين يعملون منذ خمس سنوات معها من أجل استقرار أسعار النفط وقد نجحوا بشكل كبير في ٢٠٢١ بقيادة السعودية بعد اثر سلبي لجائحة كورونا الذي خفض الطلب على النفط ليصل سعر برميل البرنت إلى ٩٣ دولار للبرميل . وليس من مصلحة الدولتين السعودية وروسيا أن توقفا هذه الشراكة الناجحة ولو أن شريك السعودية ودول الخليج الاستراتيجي والتاريخي هو الولايات المتحدة. فمصلحة الجميع في العالم غربا وشرقا ألا تغزو روسيا أوكرانيا وأن تتقدم دبلوماسية ماكرون والمستشار الألماني. لقد استفاد جميع منتجي أوبك في ٢٠٢١ من تعافي أسعار النفط حسب وكالة الطاقة الدولية زادت روسيا انتاجها خلال سنة ٢٠٢١ بـ٢٦٠٠٠٠ برميلا في اليوم نسبة لما كان خلال ٢٠٢٠ أي أن مجموع انتاجها من نفط ومكثفات بلغ 9 إلى 10 مليون برميل في اليوم وأنها قد تزيد كميات الإنتاج في ٢٠٢٢. لا شك أنه إذا أراد بوتين غزو أوكرانيا قد تكون الكلفة مترفعة عليه أولا فلا أحد يعرف ماذا في ذهنه وإذا فعلا الحوار مع ماكرون قد يعطي نتيجة أو أن حلم روسيا باسترجاع دول كانت في الاتحاد السوفييتي اقوى من كل الاعتبارات .
مشاركة :