العمل مع بوتين.. لهزيمة «داعش» وإزاحة الأسد

  • 11/23/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لا توجد طريقة واضحة تستطيع الولايات المتحدة بها هزيمة تنظيم «داعش» في سوريا وإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة من دون عمل الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. فلا ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين التنسيق مع الزعيم الروسي لتنفيذ هجمات جوية ضد «داعش» فحسب، إنما تحتاج مساعدته أيضًا إلى التفاوض على خروج حتمي للأسد في سبيل إنهاء الحرب الأهلية الدائرة في سوريا. وفي حين من المفهوم أن بعض المراقبين الروس وأعضاء الكونغرس الأميركي يريدون ألا يكون للولايات المتحدة أية علاقة ببوتين، فقد وصلنا إلى نقطة يتجاوز فيها التصدي للتهديد الذي يفرضه «داعش» المخاطر. من الصحيح أنه قبل هجمات باريس، التي أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عنها، بدت فكرة العمل عن كثب مع بوتين بعيدة المنال. وخلال فترة حكم أوباما الثانية، ينظر الأميركيون بشكل متزايد إلى بوتين على أنه خصم أكثر من كونه صديقًا. ومن الإنصاف القول إن روسيا ساعدت في إحباط مساعي أوباما في عام 2013 لشن عمل عسكري في سوريا، وإن الإجراءات الأخيرة في منطقة أخرى - شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم - تتعارض مع المصالح الأميركية والأوروبية. فبدلاً من السماح للأوكرانيين بتجاوز صعاب انتفاضتهم السياسية عام 2014، قدم بوتين ملاذًا آمنًا لرئيسهم المخلوع، ودعم المتمردين المناهضين لكييف الذين يشنون حربًا في شرق البلاد منذ أكثر من عام ونصف العام، وضم شبه جزيرة القرم بالقوة، ولم يكن متعاونًا إلى حد كبير في تنفيذ اتفاق السلام المبرم في مينسك الذي يهدف إلى إنهاء الصراع في أوكرانيا. وقال أندرو فوكسال، مدير مركز الدراسات الروسية في جمعية هنري جاكسون الأميركية: «ينبغي ألا ينخدع السيد أوباما، لأن الوثوق ببوتين لوضع شروط للتعاون مخاطرة بتكرار أخطاء الماضي». وعن طريق عرقلة الجهود الأميركية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمواجهة الأسد، بحسب السيناتور روبرت مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأميركي، «يجذبنا بوتين بفعالية إلى هذه النقطة في المقام الأول». وعلى الرغم من أن سلوك بوتين مثير جدًا للقلق، فإن عواقب أفعاله في أوروبا تتضاءل بالمقارنة مع المخاطر في سوريا. وإذا أملنا حقًا في إسقاط الأسد، وهو شرط يسبق أي إنهاء حقيقي للحرب الأهلية في سوريا، وفي إجبار تنظيم داعش على الخروج من سوريا، وفي تشكيل حكومة انتقالية مستقرة مستعدة للتعاون مع الغرب، يجب علينا العمل مع بوتين. ويبدو أن بوتين يلتف حول وجهة النظر هذه، حيث قال مؤخرا: «إذا توصلنا إلى تفاهم أفضل مع روسيا بشأن عملية وضع حد للحرب الأهلية السورية، هذا يفتح بوضوح المزيد من الفرص للتنسيق فيما يتعلق بـ(داعش)». وخلال اجتماع استمر 30 دقيقة بين الزعيمين على هامش قمة مجموعة العشرين في أنطاليا بتركيا، أعرب الرئيس بوتين عن دعمه لعملية انتقالية بقيادة سوريا بعيدة عن نظام الأسد. كما أعلن أنه سيدعم أطراف المعارضة السورية بالضربات الجوية ضد «داعش». وإذا نفذ بوتين وعوده، قد يصبح ذلك تغييرًا في قواعد اللعبة. نحن لا نثق بدوافعه، لكن بوتين لديه حوافز يمكن اتباعها: أكدت روسيا أن «داعش» هي التي تسببت في إسقاط طائرة الركاب الروسية في سيناء المصرية. ولا يزال الحذر مفهومًا. فمنذ سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما بدأت روسيا في تنفيذ طلعات جوية في سوريا، أفادت تقارير بأن معظم غاراتها الجوية استهدفت المقاتلين السوريين المناهضين للأسد والمدعومين من قبل الولايات المتحدة، وليس تنظيم داعش. لكن بالنظر إلى الوضع الحالي، لا تعتبر الثقة ببوتين هي المسألة الوحيدة التي تتطلب النظر فيها. ينبغي على القادة الأوروبيين أن يتساءلوا عن ماهية النتيجة التي نريدها في سوريا، وإذا ما يمكن تحقيقها من دون بوتين أم لا. ومن المرجح أن الإجابة ستكون: لا. من الذي يمتلك أفضل وضع للتفاوض على خطة انتقالية لمغادرة الأسد دمشق؟ إنه بوتين، نظرًا لأنه راعي الأسد، ويمتلك تأثيرًا كبيرًا عليه. وفي حال رحيل الأسد، مَن يجب علينا التفاوض معه لضمان الانتقال السلمي للسلطة؟ حيث يريد بوتين الحفاظ على القاعدة البحرية الروسية في طرطوس بسوريا، وعلى نطاق أوسع، يريد الحفاظ على ركيزة له في الشرق الأوسط. ولن يسحب بوتين بسهولة قواته من سوريا، بعد التوسط في صفقة لرحيل الأسد إن لم يكن خليفة الأسد مطيعًا للمصالح الروسية، وهذا يتنافى مع غرض بوتين للعمل مع القوى الغربية في المقام الأول. من الذي يمتلك جيشه أفضل وضع لخوض معركة المرحلة الأخيرة ضد تنظيم داعش؟ إنه بوتين. فتعتبر روسيا القوة الكبيرة الوحيدة التي تمتلك عددًا كافيًا من القوات البرية على الأرض في سوريا. ولم يظهر أوباما اهتمامًا كبيرًا لاستبدال الوضع الروسي بقوات أميركية. وفي السيناريو الحالي، المصالح تتوافق. وتفضل الدول الأوروبية أيضًا - مثل الولايات المتحدة - إسقاط الأسد، مع تشكيل حكومة جديدة تكون على الأقل أكثر دفئًا - إن لم تكن حميمة في الواقع - مع الغرب. كما أنها تريد وقف موجة اللاجئين الذين يدخلون إلى القارة الأوروبية للهروب من الحرب الأهلية في سوريا، التي أجبرت 4.2 مليون شخص على طلب اللجوء، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة. وحتى الآن، تقدم 681713 منهم بطلب اللجوء في أوروبا في الفترة بين عام 2011 وأكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي. وتقاوم الكثير من البلدان - وبخاصة تلك الواقعة في شرق أوروبا - القبول بهم، لكن يمكنها عكس هذا التيار إذا عملت بشكل وثيق مع بوتين. ومن المعقول الاعتقاد أن الأوروبيين سوف يجرشون أسنانهم ويتعاونون مع روسيا لتحقيق هذه الغاية. أما بالنسبة للمرشحين الذين يسعون لخلافة أوباما، فقد ردد معظمهم مشاعر السيناتور الجمهوري ماركو روبيو من ولاية فلوريدا، الذي وصف بوتين ذات مرة بأنه «رجل عصابة» لتأكيد نقطة أن أوباما سمح في الماضي للرئيس الروسي بأخذ أفضلية. وقد يكون بوتين رجل عصابة جيدًا، لكننا لا نطالب رؤساء الدول باجتياز اختبار أخلاق قبل العمل معهم، وبخاصة إذا كانت العلاقة تفيد مصالحنا الوطنية. تمتلك أوزبكستان واحدًا من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم، لكن هذا لم يمنع الإدارات الأميركية المتعاقبة من العمل مع الرئيس إسلام كريموف، نظرًا لأن واشنطن تعتقد أن مساعدته حاسمة في مقاتلة تنظيم القاعدة في أفغانستان. وفي تركمانستان تحت رئاسة قربان قولي بردي محمدوف، يُحرم الشعب من حقوقه الأساسية، لكن خلال الصراع في أفغانستان، شغّل الجيش الأميركي قواعده الجوية في تركمانستان، واستخدم مجالها الجوي لتحليق الطائرات. لكن التعاون مع هؤلاء القادة كان حاسمًا للسياسة الخارجية الأميركية. وينطبق هذا الوضع الآن على بوتين: لا يجب علينا الإعجاب به - أو أي زعيم روسي آخر - من أجل العمل معه. فإذا كان الأمر كذلك، لم يكن الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت ليتحالف مع الاتحاد السوفياتي لمقاتلة ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، رغم تاريخ جوزيف ستالين من الانتهاكات ضد شعبه. وينظر التاريخ الآن إلى جون كينيدي بأنه حكيم لموافقته على سحب منشآت الصواريخ الأميركية من تركيا من أجل حل أزمة الصواريخ الكوبية. وبنى رونالد ريغان إرثًا سياسيًا يبرز «الخلافات الكبيرة» بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، لكنه عمل مع ميخائيل غورباتشوف لإبرام معاهدة خفض الترسانة النووية لكلا البلدين. الأمر ببساطة: لا يمكن لأميركا التوقف عن التعامل مع زعماء العالم، حتى لو كنا نعتبرهم خصومًا. وإذا أردنا الإطاحة بالأسد وإخراج تنظيم داعش من سوريا، يتعين على أوباما العمل مع بوتين، بالطريقة نفسها التي انخرط فيها أسلافه مع نظرائهم الروس.

مشاركة :