مع اقتراب موعد التخلص من الجماعات الإرهابية إلى حين بعد أن تحقق المطلوب المرحلي من تحريكها في مناطق مقصودة بالفوضى (الخلاقة)، التي بدأ تنفيذها بشن الحرب على العراق، بادرت الجماعات الإرهابية باستنفار خلاياها النائمة استعدادا للانتقام. فمن الواضح أن التدخل الروسي المباشر في سوريا قد استوجب إعادة صياغة خطة اللعب على الأرض العربية في العراق والشام، فأصبح بقاء تلك الجماعات الإرهابية في الزمان يرتد سلبًا، بشكل أو بآخر، على مصالح الجهات التي أيقظت فيها التوحش بتيسير انفلاتها، في تلك الأماكن المقدر لها أن تبقى في جحيم الفوضى (الخلاقة) إذا كانت نارها ستظل مستعرة فيها فقط. بدأت تلك الجماعات، وفي مقدمتها داعش على وجه التحديد، في الرد على من قلبوا لها ظهر المجن بتكثيف ضغطها المدمر على حالة النفس الإنسانية، في عملياتها التفجيرية المرعبة الهادفة إلى تفجير مشاعر الغضب عند الناس، فتثور الفتن بين العرب والمسلمين وضدهم، لتصل بهم إلى الاقتتال مذهبياً باستهداف منطقة برج البراجنة وعربياً بإعلان جنسية الانتحاريين لأول مرة بعد تفجيراتها الأخيرة في لبنان، ثم دينياً وعرقياً بتفجيراتها الانتقامية المتعددة المتزامنة في ذات الوقت التي أفزعت القلوب في ليل أمان باريس، فألهبت روح الحقد والكراهية مرة أخرى على مستوى الدول الأوروبية ودول غيرها في العالم فارتفعت أصوات الطائفيين والعنصريين مطالبة بتحميل وزر فئة مارقة قليلة كل من يشتركون معها في الدين أو القومية، بغض النظر عن مواقفهم من تلك العمليات الإرهابية، انتقاما لضحايا تلك التفجيرات الذين سقط بينهم عرب ومسلمون أيضًا. أي روح شيطانية التفتت إلى تلك النصوص، التي لم نكن قد سمعنا بها أيام كنا نسير على هدي الآباء والأجداد الذين لم يكفر بعضهم بعضا كمسلمين ولم يعاملوا أصحاب الديانات الأخرى إلا بكل حب وتقدير، فتأسينا بهم وبالسلف الصالح من الأجيال التي سبقتهم، مسترشدين بقول الله تعالى (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين). لقد استند أولئك المنظرون للجماعات الإرهابية إلى مدارس فقهية لم تعترف بها المرجعيات الإسلامية التي تمثل ديننا الحنيف، فاستخرجوا تلك النصوص التي لا يجمع العلماء على صحتها والاستشهاد بها، لإصابة الإسلام والمسلمين بآفات لا مثيل في التاريخ حسب علمي. لقد اختطفوا الإسلام بشعار لا إله إلا الله محمد رسول الله، فراحوا يرهبون العالم بعقلية إدارة التوحش في كل ما يقومون به من تدمير وتمزيق للكيانات التي تقع تحت سطوتهم، وقطع للرؤوس وحرق وتشريد لكل من لا يسير من المسلمين في ركابهم، ومستهدفين بكل تلك الأفعال الشنيعة دون وجه حق أتباع العقائد والديانات السماوية الأخرى، متعمدين تبرير بطشهم المستنكر إسلاميا بأحاديث إما غير صحيحة أو مشكوك في صحتها او ضعيفة، وهي من وجهة نظري في جميع هذه الاحتمالات لا يجوز الإستناد إليها. أما إذا عدنا إلى القرآن الكريم في قول الله تعالى (من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) والسنة في الحديث الشريف (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده)، فإن تلك الأحاديث التي يبررون بها التدمير وإراقة دماء الناس لا يجوز الاعتماد عليها لتناقضها مع تلك الآية الكريمة وذلك الحديث الشريف، حيث إن الآية الكريمة لم تفرق بين النفس المسلمة وغيرها كما أن الحديث الشريف لم يفرق بين الناس من المسلمين وغيرهم. أتمنى على علمائنا الأفاضل أن يكون لهم موقف واضح ودائم إزاء الفكر المتطرف الذي تمثله الجماعات الإرهابية، وليس ضد الفعل الإرهابي فقط مكتفين بالبيانات التي تصدرهها المؤسسات الدينية التي ينتمون إليها، كرد على الأعمال الإرهابية التي تحدث هنا أو هناك. أتمنى عليهم أن يلاحقوا تلك الفتاوى التي تبرر الأعمال الإرهابية استنادًا إلى الأحاديث الضعيفة لدحضها، وأن لا يصدر عنهم ما يمكن اعتباره متناقضاً في الرأي أو الموقف مع ما يصدر عن المرجعيات الدينية الرسمية ضد الإرهابيين.
مشاركة :