علي الحازمي لـ المدينة : الشعر غير معني بتغيير العالم

  • 2/11/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

رؤاه الشعرية تشبه قصيدته، بها قدر كبير من المغايرة والاختلاف، لا يحمل طاقة الشعر أكثر مما تحتمل، ويعكف على ذاته الشاعرة ليصقلها دوما.. وهو يؤمن أن الشعر ليس معنيا بتغيير العالم.. وهو يرى أن مهمة الشاعر الشاقة أن يكتب بهدوء وسط هذا الهباء، وأن يسمح للحظته الراهنة بتحرير قصيدته من أعباء الشكل التقليدي وأساليبه المكرورة، وهو يسجل دهشته الكبرى للشعراء الذين يكتبون خارج الزمن، مؤكدا أن أساليب الشعرتغيرت في الوصول للمتلقي، ومؤكدا أيضا أن العالم في شوق لقراءة الشعر. إنه الشاعر «على الحازمي»، صاحب الدواوين التي استوعبتها لغات عالمية أربعة هي: العربية والفرنسة والإسبانية والتركية، وصاحب المشاركات في مهرجانات شعرية عالمية متعددة.. «المدينة» التقته في حوار شعري خاص أخرج لنا فيه مكنونات نفسه الشعرية وأماط اللثام عن قضايا الشعر والشعراء.. إثقال كاهل النص ** في رحلة البحث عن قصيدة إنسانية تتجاوز حدود لغة من يكتبها، يجد الشاعر نفسه في مواجهة مع تراثه الشعري ولغته ببلاغتها ومجازاتها، كيف يبدع الشاعر نصا يتجاوز جغرافيته دون قطيعة مع تراثه الشعري..؟ - بكل تأكيد هذه هي المعادلة التي يسعى الشاعر من خلال تجربته الشعرية إلى تحقيقها بوجه عام، ومع ذلك فهو معني في المقام الأول بإرضاء روحه الشاعرة، وبكل ما تشعر به تجاه هذا العالم، إن الكتابة تحت طائلة ضغوط مشابهة سوف تثقل كاهل النص الشعري، وتفضي به إلى الدوران في حلقة مفرغة، يدرك الشاعر مع مرور الوقت والتقدم في التجربة أنه سوف يواصل بحثه عن أناه الخاصة والمستقلة، منطلقا من كونه وفيا للحظته الشعرية وراهنه الزمني، لذلك تظل مهمة الشاعر شاقة لأنه يحاول أن يكتب بهدوء وسط كل هذا الهباء. أجواء مضطربة شعريا **فرضت قصيدة النثر وجودها على المشهد الشعري، بعد مجابهات مع مناوئيها التقليديين، فهل كانت المهمة على شاعر قصيدة النثر هنا أثقل من غيره، ربما لسطوة الأشكال الشعرية القديمة..؟ - متى ما انطلق الشاعر من ثوابت وقناعات داخلية بمسؤوليته تجاه ما يكتب فلن يشعر بثقل ما أو بخيبات مصاحبة، وهذا ما يحدث مع الشاعر الذي يكتب قصيدته الحديثة بالكثير من الثبات والثقة وسط هذه الأجواء المضطربة شعرياً، والحقيقة أنك تشعر بالكثير من الدهشة وأنت ترى أسماء في عصرنا الحاضر تكرس كل سنوات تجربتها الشعرية لتكتب قصائد كلاسيكية عفا عليها الزمن، وتتجاهل أن تتماهى مع لحظتها ويومياتها، الشعر يتطور وتتغير أساليب وصوله للمتلقي، لذلك علينا أن لا نكون بمنأى عن واقع الحياة وراهن حداثتها المعاش، على الشاعر أن يسمح للحظته الراهنة بتحرير قصيدته من أعباء الشكل التقليدي وأساليبه المكرورة، لأن اللغة بطبيعة الحال قادرة على التماهي مع حداثة العصر والشعر كذلك. حفاوة نقدية ** حظيب تجربتك بعناية النقاد، وتم ترجمة قصائدك إلى العديد من اللغات، وحصلت على جوائز شعرية كبرى، ما تأثير هذا الحضور والتفاعل الإيجابي على منجزك الشعري، خصوصا وأنه يندر أن ينال شاعر عربي ما يستحق من حفاوة..؟ - هذا صحيح، يشعر الشاعر بالبهجة عندما تحصل قصائده أو تجربته على جائزة ما، وهذا أمر إيجابي يمد الشاعر بالكثير من الطاقة، لأن طريق الشعر طويل، كما أن بهجة الجائزة يفترض أن تكون قصيرة ومؤقتة لأن أمام الشاعر الكثير من العمل والتحديات، إن كل نجاح يضاعف بالضرورة من مسؤوليتنا أمام ما نكتب. العالم كما تعلم أصبح قرية كونية صغيرة والشعر يمتلك في مقوماته الكثير من الخفة والرشاقة ما يجعله قابلاً للتحليق والوصول السريع لكل جهات الأرض، إضافة إلى أن العالم في تعطش وتوق دائم لقراءة الشعر العربي . وصفة سحرية ** كيف يمكن للشاعر أن يرفد قصيدته ويخصبها بتجارب متجددة، فلا يقع في شرك الاجترار للحظات قديمة، وهل يمنح إيقاع الحياة المتسارع فرصة للشاعر لكي تلتقط قصيدته أنفاسها..؟ - لعلي لا أمتلك «وصفة سحرية» شافية لعلاج هذه المعضلة، لكن الحل برأيي يظل بيد الشاعر نفسه، قد تكون القراءة المتنوعة وتفادي قراءة الشعر إحدى السبل الممكنة للنجاة من مغبة التكرار واجترار الصوت الشعري، أيضا الابتعاد والتوقف عن كتابة الشعر وقراءته لفترة من الزمن تساعد على تنقية الأجواء بين الشاعر وقصيدته، هناك حلول ووصفات متنوعة، لكل شاعر طريقته المختلفة لاستدراج ظبي قصيدته لفخاخ الكتابة . في المقابل أشعر بدهشة غامرة عندما أسمع بأن هناك شعراء منذ سنوات وهم يكتبون الشعر بشكل يومي، هؤلاء أيضا أجدهم بحاجة إلى وصفات سحرية مختلفة تساعدهم على التوقف عن الشعر، كي يظل الشعر ثمينا ولافتا ومهيبا. الترجمة جسور الشعوب ** صار الآخر قريبا، فهل تصنع الترجمة ذلك الجسر الواصل بين الثقافات المختلفة، وما تقييمك للمنجز من ترجمات الشعر العربي الحديث إلى اللغات الأخرى، وهل تقدم هذه الترجمات المشهد الشعري الفعلي بأمانة؟ - بكل تأكيد تسعى الترجمة لمد جسور بين الشعوب من خلال نقلها للآداب والفنون المختلفة، وعندما نتحدث عن الشعر تحديدا نشعر بأن الشعر العربي لم يصل للآخر بالصورة المأمولة، لأن أشكال وصوله تظل محدودة وبجهود شخصية متواضعة، فأغلب من ترجمت أعمالهم كانت أمامهم فرص للذهاب لمهرجانات الشعر في العالم والالتقاء بشعراء ونقاد ومترجمين من بلدان مختلفة، مما ساهم بالتعريف بأصواتهم الشعرية وفتح المجال أمامهم لتلقي عروض لترجمة أعمالهم إلى لغات مختلفة، لذلك ستظل الترجمة غائبة عن الأسماء الأخرى -الأسماء التي لم تحظ بفرص مشابهة- ما لم تقم المؤسسة الثقافية الرسمية المحلية بدورها الحقيقي تجاه ترجمة الشعر المحلي والأدب عموماً. المعادلة الإبداعية ** هل لا يزال للقارئ وجود في المعادلة الإبداعية، وهل للفن عموما درجة من درجات الخلود والتأثير، بمعنى آخر هل الشعر قادر على إحداث أي نوع من التغيير في الواقع، أم أن وظائفه جمالية لا أكثر ولا أقل..؟ - لا يستطيع المبدع بأي شكل من الأشكال تجاهل وجود القارئ في المعادلة الإبداعية، لكن حضوره هذا القارئ يفترض ألا يكون طاغيا لدى الشاعر، هو حاضر بالفعل لكن الشاعر لا يراه أثناء كتابته للقصيدة على أقل تقدير، وبالنسبة للشق الثاني من سؤالك المتعلق بمدى مقدرة الشعر على إحداث تأثير في الواقع أقول بأن علينا دائماً أن لا نحمل الشعر أكثر مما يحتمل، وألا ننتظر منه الكثير في هذا الاتجاه، إن آلامنا وخيباتنا وهزائمنا مصدرها الإنسان بجبروته وشروره المستمرة، دائما ما كنت أرى أن الشعر غير معني بالدرجة الأولى بإحداث التغيير على أرض الواقع، لأنه هذا لا يتعلق بمهمته وبالأثر الذي ينتظر أن يتركه، لكنه ظل وسيظل رافدا مهما للروح وللحياة في أقسى لحظاتها، إنه شريانها المتدفق بالأمل والحب والجمال. حراك وتجارب ** ما تفسيرك لتنوع وثراء التجارب الشعرية الجديدة، وهل سيكون للحراك الاجتماعي الكبير في الوقت الراهن مردود ما على الشعر؛ كأن تزداد مساحة الحضور لتيار شعرى ما وتنحسر مساحات تيارات أخرى..؟ - لدينا العديد من التجارب الشعرية المتنوعة في الوطن العربي وهذا بطبيعة الحال أمر جيد، كما أن للحراك الاجتماعي الحالي مردودا بطريقة أو بأخرى على الشعر وسائر الفنون الأخرى، الشعر تحديدا يزدهر في كل العصور لأنه مرتبط بالإنسان وأحلامه وقلقه المستمر، كل ما نأمله بالنسبة للمؤسسة الرسمية الثقافية في البلدان العربية هو أن لا تظل بمنأى عن هذا الحراك، بل يجب عليها استثماره من خلال قيامها بدورها الحقيقي والهام في هذه اللحظة الراهنة بحداثتها وانفتاحها على العالم وذلك من خلال تبنيها لمشاريع شعرية كبرى تقدم الشعر العربي في أبهى صوره الممكنة. 8 دواوين بأربع لغات عالمية ضيفنا علي «الحازمي» أصدر العديد من الدواوين منها:»بوابة للجسد»، و»خُسران»، و»الغزالة تشرب صورتها»، و»مطمئنا على الحافة»، و»الآن في الماضي»، و»شجر الغياب» مختارات شعرية صدرت باللغة الفرنسية، و»حياة تتشظى» مختارات شعرية صدرت باللغة التركية، كما ترجمت مجموعته الشعرية «مطمئنا على الحافة» إلى اللغة الإسبانية والفرنسية. وشارك في العديد من الملتقيات والمهرجانات الشعرية العالمية من بينها: مهرجان الشعر العالمي الثاني عشر بكوستاريكا 2013م، ومهرجان الشعر العالمي «أصوات حية» طليطلة - إسبانيا 2014م، ومهرجان الشعر العالمي الرابع عشر بالأورجواي 2015م.

مشاركة :