بعث المكون العسكري بإشارات عديدة للأمم المتحدة توحي برفضه للعملية السياسية التي أطلقها مبعوثها الخاص في السودان والمتوقع إعلان نتائجها مع القوى السياسية السبت، بعد أن قامت السلطات الأمنية باعتقال قياديين بارزين في تحالف قوى الحرية والتغيير عقب مشاركتهما ضمن وفد القوى المدنية الذي التقى الممثل الخاص للأمم المتحدة فولكر بيرتيس. وألقت قوات الأمن السودانية الأربعاء القبض على وزير شؤون مجلس الوزراء السابق خالد عمر يوسف، ومقرر لجنة قوى الحرية والتغيير وجدي صالح، والقيادي باللجنة ذاتها الصالح الطيب، في خطوة قد تؤثر سلبا على مبادرة الأمم المتحدة لحل الأزمة السياسية في السودان. وانتهى فولكر الخميس من المشاورات التي عقدها مع أحزاب سياسية وحركات مسلحة وقوى في المجتمع المدني والجيش بهدف استخلاص نقاط التوافق والخلاف، لكنه لم يلتق الأطراف المؤثرة في حراك الشارع وعلى رأسها لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين اللذين اعتبرا أن المبادرة تضفي المزيد من الشرعية على العسكريين. وراجت معلومات الخميس أن البعثة الأممية ستنشر وثيقة موجزة لنتائج المشاورات قريبا وأن المحادثات قد تؤدي إلى جولات جديدة من المحادثات لتسوية الأزمة، من دون التأكيد على أن القوى المدنية والمكون العسكري توصلا لنقاط تفاهم يمكن أن توازن بين رغبة قادة الجيش عبدالفتاح البرهان في الاستمرار في السلطة لحين إجراء الانتخابات أو تدشين مرحلة انتقالية جديدة يترأسها المكون المدني. الواثق البرير: الجيش يرفض طريقة إدارة الأمم المتحدة للعملية السياسية وقال الأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير إن حملات الاعتقال الأخيرة كشفت عن غياب من يدير الدولة برشادة وعدم قدرة أي طرف على بسط سيطرته على مجمل القرارات، وهو ما انعكس على المنظومة الأمنية التي تعاني من التفكك وعدم توحد القرار داخلها، ومن المحتمل أن تكون هناك مجموعات رافضة لتحقيق تقدم على مستوى الجهد الأممي، مقابل وجود آخرين لديهم توجهات مؤيدة للحل. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن غياب الإرادة السياسية لإيجاد مخرج آمن للبلاد وعدم وجود قبول من جانب المكون العسكري للطريقة التي يدير بها مبعوث الأمم المتحدة العملية السياسية تعد كافية لتفسير التصعيد الأخير. ويحاول مجلس السيادة بشتى الطرق تفكيك الحصار الخارجي المفروض عليه من جانب أطراف عدة من دون أن يقدم تنازلات يترتب عليها تسليم السلطة للمدنيين حاليا، ويلعب هذا الفريق على التناقضات بين القوى المدنية ما يجعل الاعتقال أحد الخيارات التي تسهم في المزيد من التشظي داخل الأحزاب السياسية. ويفتقر المكون العسكري للإرادة السياسية لدعم نجاح المبادرة الأممية، وترحيبه بها السابق مع إطلاقها في العاشر من يناير الماضي كان بمثابة مناورة لإدراكه صعوبة توافق القوى المدنية على رؤية واحدة، وليتمكن من كسب الوقت، واستطاع أن يشكل حكومة لتسيير الأعمال بلا ضغوط عليه. وأكد نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قبل أيام أن موافقة مجلس السيادة على مبادرة الأمم المتحدة لحل الأزمة بالبلاد جاءت مشروطة بأن يكون مبعوثها فولكر بيرتس “مسهلا بين الأطراف وليس وسيطا”. وطالب قادة الجيش السوداني في مشاوراتهم مع رئيس البعثة الأممية إشراك الاتحاد الأفريقي لإسناد مبادرته، وهو ما اعتبره مراقبون رفضا سياسيا مبطنا للمبادرة. ورددت المظاهرات التي نظمها أنصار الجيش أخيرا على مقربة من مقر البعثة الأممية في الخرطوم شعارات تنادي بتفويض الجيش للاستمرار في السلطة خلال الفترة الانتقالية وارتفعت هتافات مناوئة لوجود البعثة الأممية في البلاد دون أن تتعرض لها قوات الأمن، في إشارة جديدة إلى رفض دور البعثة السياسي. وذكر مستشار رئيس مجلس السيادة الانتقالي العميد الطاهر أبوهاجة الخميس أن ما تم في مواجهة بعض قيادات لجنة إزالة التمكين المجمدة “أمر قبض وفقا لبلاغات وليس اعتقالا وصدر من الأجهزة العدلية (النيابة أو القضاء)”. مجلس السيادة يحاول بشتى الطرق تفكيك الحصار الخارجي المفروض عليه من جانب أطراف عدة من دون أن يقدم تنازلات يترتب عليها تسليم السلطة للمدنيين حاليا ووجهت دوائر سياسية انتقادات للمبادرة الأممية بسبب تعدد الأطراف التي التقاها المبعوث الأممي وتوسيع قاعدة مشاوراته من دون تركيز على الفاعلين في المشهد السياسي بما يقود إلى إمكانية الوصول لحل مناسب، كما أن عدم تحديد أفق زمني كان بوابة للهجوم عليها، لأن الوضع القائم بحاجة لحلول حاسمة وليست طويلة المدى. وأوضح القيادي بقوى الحرية والتغيير البشرى الصائم أن العلاقة بين مبعوث الأمم المتحدة والقوى المدنية لا تسير على هوى المكون العسكري الذي يخشى من انحياز مبعوث المنظمة الأممية إلى المكون المدني، بجانب أن المذكرة التي تقدمت بها القوى المدنية قدمت العديد من أوجه الحل التي سبق وأن رفضها قاد الجيش، في ظل رغبتهم الوصول إلى حل سياسي شامل ترضى عنه جميع الأطراف أو الاتجاه مباشرة إلى خيار إجراء الانتخابات المبكرة. وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن رئيس مجلس السيادة الفريق أول البرهان أرسل من قبل إشارات غير مباشرة إلى الأمم المتحدة باعتراضه على وساطتها عبر خطابه الذي ألقاه في مدينة الفاشر (ِشمال دارفور) الأسبوع الماضي في معرض حديثه عن عدم تسليم الجيش للسلطة إلا عبر الانتخابات أو بتوافق سياسي. وقد تكون الاعتقالات الأخيرة لها انعكاساتها السلبية على جهود الأمم المتحدة، لكن دون أن يؤدي ذلك إلى سحب المذكرة التي تقدمت بها القوى المدنية باعتبار أن الاعتقال قضية شخصية ليس لها ارتباط مباشر بالقضية الوطنية الأكبر. وكشف الصائم أن القوى المدنية لديها قناعات بأن الاعتقالات ليست لها صلة بالجرائم الجنائية لأي من المقبوض عليهم، فليست هناك تهم فساد جرى ضبطها ضد أي من أعضاء لجنة إزالة التمكين، واعتقال خالد عمر جاء بعد تأكيده قرب الوصول لقاعدة مدنية عريضة لإدارة الحراك الثوري في الشارع فضلا عن حديثه حول طبيعة الدور الذي يجب أن يقوم به الجيش في المرحلة الانتقالية المقبلة.
مشاركة :