كل شيء في حياة العراقيين أصبح سياسة، ويا ليتها سياسة مجدية تنفع الشعب وتقدم له ما يسعفه وينقذه من ظلام التخبط والفشل المكرر، وعندما يتصدي التربوي لمحاولة النهوض بالمعترك الذي يعمل به، فغالبا ما يجد نفسه أمام جدار صلب اسمه السياسة الضيقة والتوجهات المتجاوزة على الدستور، حتى وإن تحدث أصحابها بها، فيضطر إلى التراجع عن طموحه لأنه لا يجيد مواجهة عقبة السياسة، وهذا ينطبق على الأكاديمي والاقتصادي والأمني والزراعي والصناعي والتجاري، فالسياسة شكلت عقبة بوجه الكل ضد التطور والنهوض. وعندما ننظر إلى المشهد السياسي الحالي في العراق فكأنه عبارة عن موجات من السموم والغبار والبرد والثلوج المؤذية لنفسية الإنسان، وأما الأصوات فإنها كالصقيع والرعد المرعبة التي تضع الإنسان المتلقي فاقدا للطمأنينة، يا ليت أن الثقافة الاجتماعية العراقية تختار طريقا بعيدا تماما عن السياسة الحالية المتبعة بمفهومها الفرعي، والتي تؤسس فقط لمصالح ضيقة، يبرز فيها التنافس اللاشرعي بين الجميع، وكأننا أمام منظر تنافس وتدافع مزعج لمجموعة بشرية متصارعة، ينافس أفرادها بعضهم بعضا للحصول على كمية من رغيف خبز، جاءت مقسمة على عددهم. فالعقلية العراقية ومن شدة الضغط الذي تواجهه بشكل متواصل عبر تصريحات سياسية وإعلامية، وعبر منصات التواصل الاجتماعي، انتقلت إلى ذهنية قاصرة وصفت بأنها ضحية، لكونها تتقبل الآراء عندما تكون بمفهوم سياسي، بل إن كثيرا من الناس أصبحوا مستسلمين سلبيا ضمن قوقعة السياسة الهدامة، التي تجعلهم ينظرون إلى الأمور والحياة العراقية، من زاوية ضيقة تتجسد ببعد مناطقي، أو جهوي أو مكوناتي، منحرفة تماما عن البعد الوطني العراقي الذي يركن للوعي ويمثل مصلحة الجميع بعدالة ومساواة. قطعا لا أمل للعراق بالعودة إلى حياة طبيعية بعيدة عن حالة الشلل التي يعاني وطأتها الشعب، إلا بالخلاص من السياسة المنحازة، فهناك فرق شاسع بين المهنية التي تحقق النهوض والتطور والاستقرار لحياة الشعوب وبناء مجتمع مستقر، وبين السياسة التي تجعل الشعوب شتات بعناوين وألوان وهويات شتى، مبنية على مبدأ النفعية القاصرة وهضم حقوق المجتمع، وهذه الثقافة السياسية، جعلت الأجيال تنظر إلى القدوة على أنها ذلك السياسي الذي يرتدي بدلة جميلة، ويحصل على شهادة دراسية لا بالجد والجهد والتعب، بل بالطرق اللاشرعية ومن دون أدنى جهد في الدراسة والبحث والمتابعة، بل صارت البدلة وربطة العنق والسيارة الفارهة، هي الشهادة العليا والامتياز لمن يمتلكها. فحديث الباحث والعالم والمهني في مختلف القطاعات العلمية لم يعد بنظر الشباب حديث قدوة، طالما لا يمتلك السيارة الفارهة، ولا طاقم الحماية والبيت الكبير، لذا خسرنا حقيقة القدوة التي تنهض بالأجيال والمجتمع، وتجعلهم يواكبون الطموح المشروع في حياة مليئة بالأمل والمسيرة الإبداعية. إنها العبثية السياسية التي لا تخضع لمنهجية علمية صحيحة، فعندما يهمل العراقيون بكل فئاتهم السياسة، ويبتعدون عن صناعها ويستبدلونها بالمهنية، فإنهم عندئذ سوف ينهضون ببلادهم في أرض السواد، في كل القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية والتنموية، فالسياسة في كثير من الحالات تتحول إلى معول هدم، بينما في الغالب فإن النزعة المهنية هي سبيل تطور البلدان ورفاهية شعوبها واستقرارها. فهل ستتبدل قواعد اللعبة السياسية في العراق، وتخرج من مستنقعها إلى منتج للوعي المجتمعي؟!. { كاتب وأكاديمي عراقي Faidel.albadrani@gmail.com
مشاركة :