لا يوجد من يرغب في حبس الحرية عن أحد، هذا أمر إنساني محض لا تكلف فيه. في السعودية، أتاحت الحكومة مساحة من التعبير عن الرأي، كان يمكن أن تودي بالبلد، بحسب بعض الآراء التي نادت بتضييق القبضة -رأفة بالوطن- على فريق ما يسمى «الدعاة»، الذين صالوا وجالوا إبان الثورات العربية، منتكسين على أعقابهم، منسلخين من ثناءاتهم السابقة على الحكومات ورؤساء الدول، في شكل معيب، لا يعبأ بانكشاف تزييفهم! يقول روبرت غرين في كتابه، الذي ينتزع الآدمية انتزاعاً، «كيف تمسك بزمام القوة»: «استغل حاجة الناس إلى الإيمان، كي تصنع أتباعاً طقوسيين»، ربما حدث شيء من ذلك القبيل، عندما تم تجنيد الإسلام لمصلحة أهداف محددة، لا تتوانى عن قطف ثمار التربع على عرش القلوب. ولأن الحلم ينتهي بالاستفاقة من النوم، والطمع يورث صاحبه المهالك، فقد توارت الطموحات خلف سياج الحساب، الذي تأخر كثيراً، حتى ظن الجميع، بمن فيهم الدعويون، أنه لن يأتي. مخطئ من ظن أن السلطات في السعودية حديثة عهد باكتشاف النيات المبطنة التي سبق التحذير من مغبة السير في دهاليزها، من دون جدوى، إذ يبدو أن الرهان على عامل الوقت كان خياراً استراتيجياً! الاسلامويون ومن في حكمهم، استوعبوا صراحة أنهم يعيشون المراحل الأخيرة، لتأتي مقاطعة قطر لتشكل قاصمة الظهر التي أربكت مخططاتهم، ودفعتهم دفعاً إلى رفع شعار «نكون أو لا نكون»، فمموّل الدمار الذي توسّلهم لتنفيذ مخططات التشرذم في العالم العربي، لم يعد قادراً على المراوغة كما في السابق، ممارساته مرصودة، والرياح تجري بما لا تشتهي سفنهم جميعاً. إن الانتكاسات المتعاقبة التي مرت بها حركات ما يعرف بالإسلام الراديكالي منذ ولوغ فكرها المتطرف في سباق السياسة، مردها الجنوح نحو حصد أكبر عدد من المكاسب لدى قياداتها، حين نصبوا أنفسهم ممثلين للإسلام، وبالتالي محلاً للولاء والبراء، الذي أصبح محوره ذات التنظيم واسمه فقط، بحسب أبجدياتهم الديكتاتورية، ما أورثهم نظرة غير صادقة إلى حجمهم ومكانتهم، الأمر الذي أفقدهم القدرة على التمييز في الغالب، حتى إنه أصبح من السهل معرفة الخاسر في المعارك السياسية بالنظر إلى هوى تلك المجاميع، التي دائماً ما تصطف في المكان الخطأ! إلى السعودية أيضاً، ظلت انتهازية المنتمين إلى التيارات المتأسلمة هاجساً يؤرق مساعي الدولة، سواء أكانت تنموية أو سياسية، فالضرب تحت حزام الوطن بالتشكيك أضحى السمة الغالبة في نقاشات الحركيين للشأنين العام والسياسي، مكمن المشكلة في قوة أصواتهم وعلوها على ما سواها، نظراً إلى الإقصاء التعسفي «الممنهج» باسم الدين، الذي مارسوه على مخالفيهم من المثقفين وأصحاب الرأي في غفلة منهم، عندما صنفوهم بين كفار ليبيراليين وعلمانيين، وجامية يزينون للدولة ممارســـاتها ويفعلون ما يؤمرون! ساعدهم ذلك كثيراً في التسرّب إلى العقول، وحشوها بالقول الواحد الذي يخدم أجنداتهم، ضارباً وحدة الصف في أساسها، مفرغاً إياها من معاني الاختلاف، الذي لا يفسد للود قضية. لقد كادوا للبلاد والعباد، ولذلك كان لزاماً على الدولة أن تكيد لهم كيداً يعاجل أمانيهم، يحفظ السلم والأمن، ويضع حداً للدسائس حتى يفهم من يهمه الأمر، أن «قواعد اللعبة» قد تبدلت بالفعل. * كاتب سعودي.
مشاركة :