أدباء ومثقفون: أسئلة الفيصل كشفت الأزمة واستنهضت الهمم

  • 12/7/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كما كان متوقعًا، أبدت الساحة الثقافية العربية تفاعلًا واضحًا مع الأسئلة التي طرحها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي في مقدمة كلمته التي افتتح بها مؤتمر الفكر العربي (فكر 12) الذي اختتمت فعالياته يوم أمس الأول بدبي، حيث طرح الأمير خالد الفيصل خمسة أسئلة رئيسة، حاول فيها أن يستحث عقول المفكرين العرب المشاركين في مؤتمر فكر 12، وهو يسائله: هل تجاوزنا أسوار الجهل؟ هل أنخنا ركاب الفكر في واحة الحضارة؟ هل بنينا قصور عروبة المعرفة واحتضنا إسلام المبادئ والقيم؟ هل أعملنا العقل في الإبداع والابتكار والمبادرات؟ هل اكتفينا بالنقل والتقليد والاستعارات ولبسنا ثيابا غير ثيابنا؟ رسالة في أسئلة «المدينة» رصدت صدى هذه الأسئلة في الساحة الثقافية، ورؤى الإجابة عنها في خاطر عدد من المثقفين البارزين محليًا وعربيًا، حيث استهل الحديث الروائي خالد المرضي بقوله: أعتقد أن الجهل هو الأساس في أي مجتمع وأن الرقي والحضارة هي الاستثناء، أي أنه لا مجتمع يولد متحضرًا، بل ان الحضارة تبني والجهل يهدم، والأسئلة المطروحة تحاول أن تستثير أهل الفكر للتأمل، كما أنها ترسل رسالة تنقد فيها الواقع وتحاول أن تستثير الفكر للبحث عن حلول، كما أن الأسئلة تشير إلى معضلة، فالمتأمل لمجتمعاتنا العربية يجد أن التفكير العلمي لا يزال غائبًا عن ثقافتها المجتمعية وعن مؤسساتها الرسمية لأسباب عدة منها السياسية والاقتصادية ونمط التفكير الأيديولوجي المهيمن، فالمجتمعات لا تزال هي الملقن الأكبر للثقافة، وهي التي تصوغ وتقولب شخصية الفرد، ولذلك كانت كوكبة من مفكري عصر الأنوار في أوروبا هي من قامت بتحرير المجتمعات من أوهامها وقامت بوضع أصول التفكير العلمي من أمثال فرنسيس بيكون وديكارت وكانط وفولتير وغيرهم، بفضل تلك العقول أمكن صياغة وتوجيه مجتمعاتها نحو تفكير جديد يتبلور فيه النقد والمشاركة ورفض التبعية العمياء. ويختم المرضي حديثه قائلًا: إذن يمكن القول إن الأسئلة المطروحة تستنهض مفكري الأمة للقيام بدورهم التنويري لخلق مجتمعات قادرة على خلق حضارتها، بالتأكيد لن يكون الطريق سهلًا، فحالة الركود والخوف من التغيير تحيطها قوى تحاول دومًا أن تدافع عنها بشراسة، فحتى الأنبياء الذين كانوا يحملون مصباح المعرفة والأخلاق جوبهوا بعنت شديد، إلا أنهم قدموا دروسًا في الصبر والإصرار على تبليغ رسالاتهم رغم ضراوة من يرغبون في أن تظل الأمور كما عهدوا وعهد آباؤهم من قبل!. أزمة فكرية مستعصية رؤية الدكتور زيد الفضيل حول الأسئلة المطروحة عبر عنها بقوله: تشخص أسئلة أمير الفكر والثقافة خالد الفيصل واقع اﻷمة العربية المرير وتفتح بافاقها المجال لبناء أسئلة أخرى وواقع الحال، فقبل أن أدلف في تعليقي وقراءتي لدﻻﻻت أسئلته العميقة أشير إلى سياق طرحها وتأسيسه لمنهج عملي جديد في أسلوب كلمات اﻻفتتاح الرسمية، وذكر في حديثه، حيث اعتاد المشاهد العربي اﻻستماع لكلمات افتتاحية مطولة، يدبج فيها قائلها الكثير من الجمل البراقة، لكن في هذه المرة اﻷمر مختلف، إذ ﻻ سجع فيها وﻻ إقواء كما يقول أهل اللغة بل تراه يعمد إلى اﻻختصار اﻻيجابي فيسمع بكلمات محدودة ما يريد أن يعلنه للأمة ويصل بجزالة لغوية عبر استفهامات دقيقة لما يريد أن يثير النقاش حوله بين طبقة النخبة التي تجتمع تحت مظلة مؤسسة الفكر العربي، ولعمري فتلك هي البداية العملية لخط النهضة المراد بلوغه وأجزم أن خطابه الدقيق المختصر قد مثل علامة فارقة في ذهن كل المشاركين على مختلف شرائحهم. ويتابع الفضيل حديثه مضيفًا: على أني أيضا أتصور أن الفيصل قد أراد بخطابه المتفرد تأسيس منهج فكري عربي مستقبلي يبتعد عن اﻻطناب والحشو الذي ﻻ فائدة منه، ومن هنا عبرت أسئلته عن كنه أزمتنا الثقافية وشخصت واقع محنتنا الحضارية. وكأني به يستحضر أحد أساطين الثقافة المعاصرة وهو الراحل الصادق النيهوم حين بث آهاته في كتابه محنة ثقافة مزورة وهو من إصدارات رياض الريس، هكذا يتبدى لي اﻷمر مع أول استفهام طرحه وهو أهم استفهام وأكثرها دﻻلة لما يحمله سؤاله من عمق معرفي، إذ حين يتجاوز المرء أسوار الجهل يكون قد وضع قدمه على أول سلم الصعود واﻻرتقاء لكن ما هي أسوار الجهل التي قصدها اﻷمير خالد الفيصل وسأل عن مدى تجاوزنا لها وفي تصوري أن التفكير باﻻجابة عن ذلك سيفتح لنا بابًا ﻷسئلة أخرى مفادها كامن في تحديد معنى ومفهوم الجهل الذي عناه الفيصل ونشد تجاوزه. هل هو الجهل المعرفي؟ أم الجهل القيمي؟ أم شيء ثالث نحتاج إلى تديره والتمعن فيه مليا، على أن مساحة التأمل ﻻ تتوقف عند حيثيات التساؤل اﻷول، حيث إننا نجد قريحته الفكرية المتأملة تترى بسيل من اﻻستفهامات العميقة، كتساؤله حول ما إذا كنا كعرب قد أنخنا ركاب الفكر في واحة الحضارة؟ بما تعنيه الحضارة من معنى ودﻻلة. وكأنه بذلك يومئ إلى أن جزءا كبيرا من إشكالنا اليوم راجع إلى إناختنا لركابنا في واحات أخرى ليس بينها وبين الحضارة أي قاسم مشترك، ولهذا نعيش اليوم في سياقات متخلفة مقارنة بغيرنا من الدول الناهضة والمتقدمة بطبيعة الحال ويتعزز ذلك في استفهامه المباشر بالسؤال حول مدى مقدرتنا على بناء واحتضان مبادئ ديننا الإسلامي وفق منظوره القيمي ومبادئه السامية. ويختم الفضيل بقوله: الجميل في اﻷمر أن استفهامته الفكرية الدقيقة قد وردت في سياق منهجي محكم يصل من خلاله المتأمل إلى نتيجة عملية واحدة وهي أننا كأمة ﻻ نزال نعيش أزمة ثقافية مستعصية، وهو ما تؤكده خاتمة استفهاماته المتميزة حين قوله: هل اكتفينا بالنقل والتقليد واﻻستعارات ولبسنا ثيابا غير ثيابنا؟ إنها الحقيقة المؤلمة التي أراد اﻷمير خالد أن يسلط الضوء على مفاصلها ليعمل الباحثون على التفكر في محتواها وتدبر وضع الحلول اﻹجرائية والتنظيمية بالصورة التي تسهم في بناء لبنات المنظومة الفكرية لمجتمعنا بكل سلاسة ويسر. جهل ثقافي وديني الدكتور شاكر عبدالحميد وزير الثقافة المصري الأسبق اشاد بهذه المناسبة الفكرية العربية السنوية الكبرى التي تعزز التلاقي بين المثقفين والمفكرين والمبدعين العرب والتواصل بينهم وتبادل الرأي حول أهم ما يشغل اهتمام الشارع العربي من قضايا جوهرية وأساسية، وأضاف: ليس غريبا على الأمير خالد الفيصل طرح هذه الأسئلة الثقافية والمجتمعية المهمة والتي تمس جوهر الثقافة والإبداع والمجتمع العربي، وأكد عبدالحميد على تلك التساؤلات وأنها ما زالت مطروحة ولم تجد الصدى الكافي لمناقشتها بكل جدية وأننا ما زالنا نعاني كثيرا من الجهل الثقافي والديني الذي يطرحه البعض وأنه حتى الآن لم نحدد ما نريد من ذلك وأننا لم نعمل العقل بل نسير وراء الخرافات والشائعات وغيرها من الأمور التي تسيطر على المجتمع بشكل كبير، وقال ان تساؤلات الامير خالد الفيصل ليست فقط لتكرار الشكوى من الواقع وانما في حقيقتها دعوة للانطلاق والكف عن الآهات والبحث عن مخرج امتنا العربية والاسلامية احوج ما تكون له اليوم. وقال ان الاجابة عن هذه التساؤلات يأتي من خلال التحرر من الموروثات التي تعيق حرية الفكر والإبداع ومن خلال التواصل على مجمل النتاج الحضاري العالمي فنحن لا نعيش بمعزل عن العالم ونحن جزء منه ولابد ان ندرك حقيقة مهمة وهي ان الحضارة الانسانية ممتدة ومتواصلة وليست منعزلة ولا سبيل لنا إلى التقدم والنهضة الحضارية إلا بالتواصل مع الآخر والاستفادة من نتاجه الحضاري. خرافات كثيرة أما المفكر الإسلامي الدكتور طه جابر العلواني رئيس جامعة قرطبة الإسلامية بأمريكا يقول: إن أسئلة الأمير خالد الفيصل تحتاج لوقفه وأننا نحتاج لفكر عربي مستنير وأننا المسلمون ما زالنا نعمل دون منهجية لا فئات ولا شعوب فلا يزالون يعتمدون على ردود الأفعال ليس على منهج ومخطط وهدف معين وبالتالي فلم يرد بعد الفكر المنهجي الذي يجعل الإنسان العربي المسلم ان يهتم بامور حياته وفق منهجية سليمة فما زلنا نعيش عصر الخرافات والخرافة ممتدة من خرافة ثقافية وسياسية والخرافة المذهبية وأحيانًا دينية زائفة إلى آخر فاذا لم يتغير طريق التفكير وأسلوبه وان تكون لدينا أهداف وعندنا قدرة على أن نربط بين المقدمة والنتيجة وكيف ننهض عن طريق الوعي ونتخلي عن التفكير من تفكير ساذج عفوي بسيط الي تفكير ممنهج له قواعده وله أسسه التي تولد في النهاية نوعا من التفكير الابداعى ربما هذا ما يقصده الامير خالد الفيصل ان يستنهض الهمم بتساؤلاته ويضع المفكرين والمبدعين امام مسؤولياتهم. مقلودون وسطحيون وكسابقيه أشاد المفكر الدكتور جابر عصفور بنهج الأمير خالد الفيصل في طرح الأفكار الجريئة ومبادراته في قضايا التنمية والفكر والثقافة في العالم العربي، ماضيًا إلى القول: في الحقيقة نحن لن نفهم حتى أنفسنا فإذا أردنا أن نكون صرحاء فنحن أولًا نجهل أنفسنا، من نحن حتى الآن؟ لم نحدد ذلك، إذ ليس عندنا شيء لتحديد هويتنا، فمرة نقول نحن عرب، ومرة مسلمون ومرة مصريون وعراقيون وفينيقيون وفراعنة وبابليون.. نحن حتى الآن لم نعرف أنفسنا ولم نتفق على تحديد هويتنا فكيف يتوقع ممن لا يعرف نفسه بعد ولم يحدد هويته بدقة أن يعرف الآخرين ويحدد هويتهم؟. ويتابع عصفور بقوله: نحن لا تشغلنا إلا المظاهر السطحية، فليس لدينا صبر على التفكير، خلاف الإنسان الغربي الذي لديه شركات تحول جامعات ومراكز بحوث من أجل أحيانا دراسة حشرة نملة أو نوع من الجراد أو نوع من الحشرات أو نوع من الأشجار وقد تنفق بعثات علمية أكثر من جيل في دراسة حشرة واحدة، ونحن لا صبر لنا على هذا وبالتالي نحن لا نعرف إلا التقليد ونعيش على التقليد وعندما نأخذه على شكله الشرعي والفقهي نقول إن التقليد خطأ والحقيقة أن مقلدين في كل أنواع حياتنا سياستنا اقتصادنا اجتماعنا تعليمنا سلوكنا في الحياة كل ذلك قائم على التقليد. وأضاف عصفور: إن الحضارة الغربية حين تقدمت فقد نقلت كثيرا من حضارتنا الاسلامية التي كانت متقدمة في السابق وبنفس المنظور لأن يتحقق النمو العربي الاسلامي إلا اذا غطسنا في قلب الحضارة الغربية للاستفادة منها إلى منهاجها العلمية والبحثية وفي التواصل معها عبر التراجم والانفتاح العلمي عليها خاصة في منهجيتها الفكرية والبحثية. تغيير العقول أما الأديب السوداني طارق الطيب فيري أن أسئلة الأمير جاءت في وقتها وتحتاج لعمل وجهد جاد للإجابة عنها والخروج بنتائج ولابد من تبني ذلك من الحكومات والمؤسسات الثقافية العربية وأنه لا يحبذ أبدا موضوع تحسين الصورة الذي برز قبل أعوام وأصبح على الكاتب العربي أن يخصص وقته وجهده في كل مكان مثل «أبوكاتو» أدب تحسين وتجميل، ويسير بشنطة «مصلّحاتي» حول العالم، هذه في الحقيقة ليست مهمة الأدب ولا الأديب، فمهمة الأديب أن يكتب أدبا جيدا والأدب الجيد يمكنه أن يرد أفضل رد بشكل غير مباشر وطويل الأمد على الكثير من الدعاوى المغلوطة والآراء المسبقة، ويري الطيب أن العالم العربي بحاجة إلى ثورة ليست لتغير انظمة الحكم فيه، ولكن لتغير العقول من داخلها لتفكر بعقل جديد ومنهجية تخرج عن المألوف حتى يتولد المبدعون ومنهم يتولد الإبداع.

مشاركة :