أكثر من 93 % من السعوديين لا يتعاطفون مع داعش. هذا بحسب الدراسة اللذيذة المنشورة على أولى "الوطن" قبل أيام. ومشكلة الأبحاث العلمية والاستطلاعات أنها تخدعنا بوهم النسبة الطاغية، ولكن أحدا مع هذه "اليوفوريا" لن يلتفت لحجم النسبة المئوية الضئيلة في الجانب المقابل. سأشرح جملتي السابقة بالأمثلة: دراسة سابقة تقول في العنوان الرئيس إن "... أقل من 6 % من المنتسبين لمركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة قد عادوا وانتكسوا من بين ما يقرب من ثمانية آلاف شخص دخلوا في برنامج المناصحة". هذا يعني أن خراج النسبة الضئيلة جداً تحت أي دراسة إحصائية قد يبلغون 540 شخصاً بحسب العنوان، وهو رقم كاف لتشكيل خمسين خلية مكتملة. وخذ للمقاربة ولو في مثال بعيد أن دراسة طبية تقول إن مجرد 3 % من مرضى "كورونا" يلقون حتفهم من بين عشرة آلاف حالة إصابة مسجلة. هذا يعني في النسبة الضئيلة المضللة وفاة 300 فرد وهو رقم كاف لملء مقبرة. خذ مثلاً، أن ثلاثة آلاف مصل للجمعة الماضية في أحد أكبر مساجد الرياض قد اصطفوا كأغلبية طاغية ساحقة ولكن خلف الإمام الذي امتلك الميكروفون ليترك "سبح والغاشية" ثم يقرأ عليهم في الركعة الأولى قوله تعالى "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم... الآية". ثم يعيدها لثلاث مرات. آلاف المصلين قد لا يعرفون أن كتب التفسير تتحدث عن الآية "كأمر مقيد" محصور مخصوص للنبي المصطفى بوصفه القائد وولي الأمر، ولم تترك أمر الجهاد للدهماء وللعامة وإنما جعلته لقرار النبي، ولي الأمر، الذي يمتلك قرار الحرب والسلام. خذ في المثال الأخير خدعة الأرقام وأوهام النسبة: تقول الأرقام إن ما يقرب من 9 ملايين حساب تويتري تعمل ناشطة في هذا البلد لكن ذات الأرقام تذكر الحقيقة التالية: مجرد بضعة أفراد من "هيئة كبار علماء تويتر"، وأقل من أصابع اليدين، يمتلكون من الأتباع 27 مليون متابع وهو رقم يتفوق على كل الطيف الكاسح من الملايين التسعة التويترية. وفي مثل هذا المناخ تحصل تغريدة شهيرة مثل تلك التي تتحدث عن "تسارع المنافقين لإرضاء أعداء الأمة والملة" بعد إرهاب باريس على سبعة ملايين ضغطة رتويت، بحسب الإحصاء، لمجرد أن بضعة أشخاص من هيئة كبار علماء تويتر أعادوا إرسالها بلمسة إلكترونية. والخلاصة أن 99.99 من مجتمعنا السعودي مسلم مسالم عطوف رحوم ولكنه ضحية للصوت الطاغي. مجتمع بريء ولكنه صامت أمام من يمتلك المنبر والميكروفون ومن يسيطر على فضاءات "السايبر" الإلكتروني بلغة نهائية: مجتمع أخضعه التعليم للغة الإملاء لا لحصة التعبير.
مشاركة :