الغريب أننا في في الوقت الذي نحن بحاجة لأعمال تسجل للأبطال من رجال الوطن على مدى تاريخه الحربي الطويل منذ التأسيس حتى اليوم ونحن نخوض الحرب ضد من يعتدي علينا في اليمن نفاجأ بعمل يقدم تاريخ رجل خارج على القانون (رشاش)، ورغم بروز الجانب الأمني في العمل إلا أن الغلبة الفنية في العمل نفسه والأثر الذي تركه كان في سجل المارق!.. ليس بالضرورة أن يكون له نصيب من اسمه الذي اشتهر به فهو أحمد منسي. ولكنه لم يُنس ولا أظن أنه سينسى فقد خُلد في الذاكرة المصرية كأحد أبطالها الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن من أي اعتداء؛ خلدته أولاً أغنية النصر "قالوا إيه" التي غنتها الكتيبة 103 من الصاعقة المصرية، من تأليف الرائد محمد الوديع وهي تحمل اسم (منسي) وأسماء مجموعة من الشهداء الذين شاركوه مهمة القضاء على مجموعة من المارقين الإرهابيين في شمال سيناء واستشهدوا في عام 2017م: قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه؟ منسي بقى اسمه الأسطورة من أسوان للمعمورة وقالوا إيه؟ شبرواي وحسنيين عرسان قالوا نموت ولا يدخل مصر خسيس وجبان وبعدها في رمضان 2020 عُرض مسلسل الاختيار عن قصة هذه البطولة التي جعلت أحمد منسي ورفاقه علامة من علامات التاريخ المصري الحديث ضد الإرهاب وجماعات الشرور التي تحركه. شاهدت المسلسل قبل فترة وجيزة فقط وقد ترك أثراً بالغاً في نفسي تجاه ذاك البطل وغيره من الأبطال الذين غابوا وغابت أسماؤهم عن صفحات التاريخ وعن كلمات الأغاني التي تضخ في الأرواح رائحة تراب الوطن وماذا تعني وقيمة المحافظة عليه وحمايته من كل (خسيس وجبان) من المعتدين أو المنشقين الذين مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية وهم (يحسبون أنهم يحسنون صنعا). وقد عانت بلادنا منهم كثيراً فأوكارهم ودسائسهم ومؤامراتهم وخططهم في الداخل حين زرعوا الإرهاب بين البيوت وفي المساجد طمعاً في إشعال فتائل خبثهم وأطماعهم وأوهامهم وما زلنا نعاني في الحدود الجنوبية من شرور الحوثي ومن سلّطه وأمده بالسلاح والرجال ضمن محاولاتهم البائسة للمساس بأرضنا، وكل تلك المحاولات الداخلية والخارجية باءت بالفشل، ففي الداخل قضي على شرورهم تماماً بفضل الله ثم بفضل شجاعة القيادة والعسكريين بكل رتبهم ولن تفلح الشرور الخارجية أبداً بإذن الله فلهذه الأرض رب يحميها ورجال يذودون عنها بكل ما أوتوا من قوة عسكرية متكاملة الأركان فالوطن يستحق. ولكن تلك الأعمال البشعة خلفت ضحايا وتركت بصمة للحزن في قلوب ذوي الشهداء من العسكريين والمدنيين وكلنا نعلم ما قدمته الدولة وما زالت تقدم لشهداء الواجب وأسرهم، ولكن السؤال ماذا قدم لهم الإعلام والفن؟ يبدو لي بأن التقصير واضح رغم أننا حتى اللحظه نعرف ما يكابده جنودنا في الجنوب في الوقت الذي نعيش نحن فيه بأمان تام فلا نسمع شيئاً ولا نرى شيئاً سوى ما يعرفه الجميع من نشرات الأخبار، لقد كنت في يوم ما من القلة المحظوظين الذين نالوا شرف الوقوف على الحد الجنوبي ضمن وفد إعلامي منذ بضع سنوات لرؤية الوضع هناك عن قرب في نجران، ولا أنسى تلك اللحظة قبل الانطلاق من الفندق عندما طلبوا منا أن نوقع على موافقتنا ونترك رقم أحد الأقارب للاتصال فيما لو حدث ما قد يطرأ على الجبهات الحدودية قد تكون لحظة تبث الخوف في النفوس وخاصة لمن لم يعتد عليها مثلي ورفاق ذاك اليوم، ولكنها لم تفعل فقد ازددنا حماساً ورغبة في رؤية الوضع هناك، ويا لها من رهبة وطنية تنفض الروح لتقول أرضي وأهلي يستحقون وأجزم أن هذا ما يقوله كل من يقف خلف تلك المتاريس التي وضعت على قمم الجبال، ويا له من منظر لأولئك الجنود العظماء وأنت لا تفرق بينهم وبين صخور المنطقة إلا عندما ينهض من مكانه على صوت قائده. تذكرتهم وأنا أشاهد المسلسل وسألت الله لكل شهيد افتدانا الدرجة العليا في جنة النعيم ولكل من عاد إلى أرض الوطن بيد أو ساق مبتورة أن يكون عوض الله له خيراً من كل ما يتوقعه منا نحن البشر، ومع هذا أقول: إنه لا بد من أن يكون للفن بكل أنواعه دوره في تخليد عظماء استرخصوا دماءهم من أجل الوطن، لا يحتاجونها هم بقدر حاجتنا نحن لأعمال نشاهدها ونترنم بها ليزداد تقديرنا وعرفاننا لهم. هل لاحظتم انتشار أغنية (أبويا وصاني) على كثير من برامج التواصل عبر مقاطع فيديو قصيرة في الآونة الأخيرة؟ إنها أغنية مصرية رددها الناس في الستينات في حين أنها مرتبطة برجال المقاومة الشعبية في الإسماعيلية أثناء مقاومة الاحتلال الإنجليزي وبعد الجلاء. أعادوا ذكراهم وذكراها في الفترة الأخيرة مع مطرب حديث فملأت القلوب بالحماس من أجل الأوطان: يا دنيا سمعاني سمعاني أبويا وصاني ما أخلي جنس دخيل يخش أوطاني الأرض دي أرضي أفديها أنا وولدي أفديها بالأرواح وتعيشي يا بلدي والغريب أننا في في الوقت الذي نحن بحاجة لأعمال تسجل للأبطال من رجال الوطن على مدى تاريخه الحربي الطويل منذ التأسيس حتى اليوم ونحن نخوض الحرب ضد من يعتدي علينا في اليمن نفاجأ بعمل يقدم تاريخ رجل خارج على القانون (رشاش)، ورغم بروز الجانب الأمني في العمل إلا أن الغلبة الفنية في العمل نفسه والأثر الذي تركه كان في سجل المارق! وهذا واضح فيما ذاع من مقتطفات وعبارات رددتها الألسن من بعد ذاك العمل! آمل أن يكون احتفال الوطن هذا الشهر بذكرى التأسيس مولداً لأفكار تصنع مجداً فنياً لمن يستحقون في الأعوام القادمة.
مشاركة :