استهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع على مكاسب قياسية جديدة عند أعلى مستوى في سبعة أعوام بفعل أنباء اقتراب وقوع هجوم عسكري روسي على أوكرانيا وفرض عقوبات أمريكية وأوروبية على روسيا تعطل الصادرات النفطية. وارتفعت المخاطر الجيوسياسية في العالم إلى مستويات قياسية في ظل ذروة أزمة أوكرانيا خاصة بعدما تعهد قادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتطبيق عقوبات سريعة وعميقة ضد روسيا في حالة حدوث أي تصعيد إضافي في أوكرانيا. ويتعين على شركات الطاقة الكبرى التي لديها أصول موجودة في روسيا مراجعة استثماراتها المستقبلية في قطاع النفط والغاز الروسي وسط مخاطر العقوبات المتزايدة. وقال لـ"الاقتصادية" محللون نفطيون، إن صعود الأسعار يحدث بسبب المخاطر المرتفعة وليس نتيجة أساسيات السوق أو تحركات العرض والطلب، لافتين إلى أن الزيادات في إنتاج أوبك + وفي الاحتياطيات الاستراتيجية المفرج عنها في الولايات المتحدة وعدة دول آسيوية غير قادرة على كبح جماح الأسعار في هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها السوق حاليا. ولفتوا إلى أن الإدارة الأمريكية تبذل قصارى جهدها لاحتواء تداعيات الأزمة الراهنة وقد طلبت من الموردين زيادة الإنتاج من أجل المساعدة على خفض أسعار الطاقة التي تسهم في تحقيق أعلى معدل تضخم منذ عقود وذلك في أعقاب ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ 2014. وأشاروا إلى إعلان اثنتين من أكبر شركات النفط الأمريكية أنهما ستزيدان الإنتاج بأرقام مضاعفة في حوض بيرميان وهي المنطقة النفطية الأكثر إنتاجا في الولايات المتحدة. وتوقع محللون أن تظهر ضغوط الأسعار الهبوطية في منتصف العام حيث إن نمو إنتاج النفط من أوبك + والولايات المتحدة ودول أخرى من خارج أوبك سيزداد تدريجيا ليقترب من نمو الاستهلاك أو يتفوق عليه. وفي هذا الإطار، قال لـ"الاقتصادية" روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، إن التصعيد المستمر في الأزمة الأوكرانية ليس في مصلحة الاقتصاد العالمي ولا لأي طرف من الأطراف، وسيؤدى إلى وصول الأزمات التضخمية إلى مستويات غير مسبوقة علاوة على شح إمدادات الطاقة، معربا عن أمله في أن يعمل الجانبان المتصارعان على حل التوترات وتجنب فرض عقوبات جديدة على روسيا. وأشار إلى أن الجميع سيتضرر من تداعيات الصراع وبالنسبة لأوروبا تحديدا ستكون الأزمة خطيرة ومكلفة للغاية، لأن أي عقوبات على إمدادات الطاقة من روسيا سيكون لها تأثير واسع وعميق في أسعار النفط والغاز وستقود إلى صعوبات ضخمة يصعب علاجها على المدى القصير. من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية" ردولف هوبر الباحث في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المتخصصة، أن ارتفاع الأسعار سيستمر وسط حالة من عدم اليقين الجيوسياسي الذي يحيط بمستقبل أوكرانيا وروسيا. ورجح أن تتسبب العقوبات المفروضة على صادرات النفط الروسية في تجاوز الأسعار مستوى 100 دولار للبرميل وتعطل سلاسل التوريد العالمية، لافتا إلى أنه يجرى حاليا تداول أسعار النفط بالقرب من أعلى مستوياتها في سبعة أعوام مع ارتفاع الطلب وتراجع مخزونات النفط. بدوره، ذكر لـ"الاقتصادية" أندريه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة، أنه لا توجد مؤشرات على عودة وتيرة هدوء الأسعار في الظروف الراهنة، ورغم أن العقوبات الجديدة المحتملة ضد روسيا مشروطة بتصعيد التوترات مع أوكرانيا إلا أن بعض التوقعات الدولية ترى أن القيود الجديدة محتملة للغاية مع أو من دون صراع عسكري حقيقي، لافتة إلى عدم استبعاد توقيع عقوبات جديدة على روسيا حتى مع خفض التصعيد. ورجح عدم خروج الشركات الغربية الكبرى من المشاريع الروسية رغم الأزمة الراهنة المتصاعدة ولكن قد تؤثر تلك الأزمة في قرارات الاستثمار المستقبلية وفي استعداد شركات الطاقة الدولية على العمل في قطاع الطاقة الروسي. من ناحيتها، قالت لـ"الاقتصادية" نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية، إن الأزمة الحالية تنذر بقفزات سعرية حادة ومتجددة، لافتة إلى تأكيد محللين دوليين أنه حتى لو أدى الحل الدبلوماسي إلى حل الأزمة الحالية في أوكرانيا فإن عدم اليقين المستمر قد يؤثر في قرارات الاستثمار المستقبلية للشركات الغربية. ونوهت إلى أنه رغم مخاوف شح الإمدادات حاليا نجد أن التقديرات المستقبلية أفضل، حيث سينمو إنتاج النفط في الولايات المتحدة أكثر مما توقعته الحكومة سابقا حيث يدفع ارتفاع الأسعار الحاد المنتجين إلى تعزيز الحفر، وسيبلغ متوسط إنتاج النفط 12.6 مليون برميل يوميا في 2023 بزيادة على تقديراتها السابقة البالغة 12.41 مليون - وذلك وفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة. من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، استقرت أسعار النفط أمس في تعاملات متقلبة بعد أن سجلت أعلى مستوياتها منذ أكثر من سبعة أعوام بفعل مخاوف من أن يؤدي غزو روسي محتمل لأوكرانيا إلى عقوبات أمريكية وأوروبية من شأنها أن تعطل الصادرات من أحد أكبر المنتجين في العالم. وتراجع خام برنت 11 سنتا أو 0.1 في المائة إلى 94.33 دولار للبرميل بحلول الساعة 09:10 بتوقيت جرينتش بعد أن وصل إلى ذروة بلغت 96.16 دولار في وقت سابق في أعلى مستوى له منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2014. وصعد خام تكساس الأمريكي سنتا واحدا أو أقل من 0.1 في المائة إلى 93.11 دولار للبرميل، ليحوم قرب أعلى مستوياته خلال الجلسة عند 94.94 دولار، وهو الأفضل كذلك منذ أيلول (سبتمبر) 2014. وأشاعت التصريحات الواردة من الولايات المتحدة بشأن هجوم وشيك من روسيا على أوكرانيا التوترات في أسواق المال العالمية. وقالت واشنطن الأحد إن روسيا قد تغزو أوكرانيا في أي وقت وقد تختلق ذريعة لشن هجوم. وتأتي حالة التوتر في الوقت الذي تواجه فيه منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" وحلفاؤها وهي مجموعة تعرف باسم أوبك+ صعوبات لزيادة الإنتاج رغم التعهدات التي تصدر شهريا بزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا حتى آذار (مارس). من جانب آخر، تراجعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 92.85 دولار للبرميل الجمعة مقابل 92.87 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول"أوبك"، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء بالمنظمة حقق أول تراجع عقب ارتفاع سابق وإن السلة استقرت تقريبا عند اليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 92.84 دولار للبرميل.
مشاركة :