في الـ15 من فبراير عام 1945، احتفى الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، بولادة ابن جديد هو "تركي"، الأمير الذي يقترن اسمه على محركات البحث بالتصريحات القوية، واليوم يحتفي أخبار 24 بالأمير تركي الفيصل باعتباره رمزًا وقامة تستحق أن تكون بجدارة شخصية الأسبوع وكل أسبوع. نشأ الأمير تركي الفيصل، في مدينة الطائف بمكة المكرمة، وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط، بمدرسة الأمراء بقصر والده الملك فيصل بن عبد العزيز، ثم نال حظًا أوسع من الخبرة والترحال أثرت عليه فيما بعد لتجعله جديرًا بالدبلوماسية، فالتحق بمدرسة لورنسفيل بولاية نيوجيرسي الأمريكية، ليتخرج فيها من المرحلة الثانوية في عام 1963. زمالة من طراز رفيع وفي فترة كان العالم العربي على صفيح ساخن فيها منذ عام 1963 إلى عام 1968، كان الأمير تركي الفيصل أيضًا يصارع كي يكشف عن نفسه، ويدرك مواهبه، فلجأ أولًا إلى جامعة جورج تاون ليدرس الهندسة، في العاصمة الأمريكية واشنطن، ثم قرر تغيير هذا الحقل من الدراسة، ليجد نفسه في دراسة الآداب، والتي تخرج فيها عام 1968، وهي الفترة نفسها التي شهدت زمالة مع شخص سيصبح فيما بعد أشهر رؤوساء الولايات المتحدة الأمريكية، وهو بيل كلينتون. الأمير رئيسًا للاستخبارات كان أول المناصب التي تولاها الأمير تركي الفيصل، هو تعيينه مستشارًا في الديوان الملكي، عام 1973، أي بعد تخرجه بـ 5 سنوات فقط، وبعد ذلك بـ 4 سنوات عين رئيسًا للاستخبارات العامة السعودية، بمرتبة وزير، وهو المنصب الذي قضى فيه الوقت الأطول بين مناصبه، فشغله من 1977 وحتى عام 2001. في هذه الفترة، عرف الأمير كيف يحقق نجاحات على الأرض بالتقارب مع من كانوا بالأمس زملاء دراسة، فأقام علاقات وثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA. دبلوماسية تركي الفيصل في عام 2002، وبعدما ترك عمله كرئيس للاستخبارات السعودية، اختارت المملكة الأمير تركي الفيصل ليكون سفيرًا لها في المملكة المتحدة وأيرلندا، لـ 3 أعوام متتالية، عين بعدها سفيرًا للملكة في البلد التي شهدت دراسته وعرفها كما يعرف الرجل راحة يديه، منذ 2005 إلى 2007، وهو عام تقاعده الدبلوماسي. مسيرة موازية حافلة رغم كون عام 2007، هو عام تقاعد رسمي دبلوماسي، في حياة الأمير، إلا أنه كان ومن قبله أعوام أخرى مؤسسًا لمسيرة ضخمة يعرفها القاصي والداني في العالم أجمع، بنشاط ثقافي واجتماعي واسع، شهدت هذه المسيرة تأليف الكتب ومتابعة مؤسسته الخيرية ومركزه البحثي وغيرها. فهو أحد مؤسسي "مؤسسة الملك فيصل الخيرية"، وهو أيضًا رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وعالميًا فهو رئيس مجلس إدارة مركز الأمير تشارلز للفنون الإسلامية والتقليدية، ورئيسًا مشاركًا منذ عام 2003، في مجموعة سي 100 التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي. ومن بعض مناصبه، كونه رئيسًا فخريًا للحوار الألماني العربي الخليجي، وأستاذًا زائرًا في جامعة جورج تاون، وأستاذًا فخريًا في جامعة روما تور فيرغاتا، وعضو مجلس أمناء مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، وعضو مجلس أمناء مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون، وعضو مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، وعضو مجلس إدارة معهد بيروت، وعضو مجلس أمناء مجلس العلاقات العربية والدولية، ورئيس مجلس إدارة صندوق ووقفية القدس، وعضو المجلس الاستشاري لمؤتمر ميونيخ الأمني، وعضو مجلس أمناء جمعية آسيا. ولا يخفى كون الأمير عضوًا في المجلس الاستشاري لمجموعة الفكر العشرين (T20) السعودية، إحدى المجموعات المشاركة لمجموعة العشرين (G20) التي تقدم توصيات السياسات العامة لقادة دول مجموعة العشرين، وكونه مشاركًا فاعلًا في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، والندوة العالمية للاقتصاد، والاجتماع السنوي لمبادرة كلينتون العالمية. وكان سموه مفوضاً للجنة الدولية لعدم الانتشار النووي ونزع السلاح، وهي مبادرة مشتركة بين أستراليا واليابان. رؤية خاصة عادة ما يتصدر الأمير فيصل محركات البحث بتصريحاته القوية، والتي عادة ما تحرك مياهًا راكدة أو تقيم وضعًا قائمًا، أو تعلق على ما اندلع من أحداث، إضافة إلى كونه مؤلفًا في مجال السياسة والعلاقات الدولية، ولعل أبرز مؤلفاته في هذا المجال هو "الملف الأفغاني"، الذي بدأه حين كان سفيرًا للمملكة في لندن، ويتضمن الكتاب ملامح من معايشته الشعب الأفغاني، والعلاقات السعودية الأفغانية، وردًا على شائعات ارتبطت بالمساعدات السعودية إلى الشعب الأفغاني. وتمددت رؤيته للملف الأفغاني بشكل عام فيما بعد الكتاب، إلى رؤيته للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فهو القائل "لم أكن متفاجئا مما حدث في أفغانستان فأمريكا كانت قد اختارت طالبان لتخلف الحكومة حين عقد ترمب صفقة مع الحركة التي هي عدو الحكومة لكن طريقة تنفيذ الانسحاب هي التي فاجأتني. لا أعرف أي كلمة أستخدم، عدم الكفاءة، الإهمال أم الإدارة السيئة". مؤكدًا على أن الفشل الغربي في أفغانستان يؤشر على تحولات كبرى في موازين القوى العالمية، ومطالبًا في كلمته خلال المؤتمر السنوي الأول الذي يعقده مركز "تريندز" للبحوث في إطار استراتيجيته العالمية ورؤيته الاستشرافية لأمن الشرق الأوسط في عالم متغير، الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة النظر في سياستها الخارجية في ضوء الواقع الجيوسياسي الجديد. أقليات في بلادنا بين التصريحات التي أثارت جدلًا واستشرفت المستقبل أيضًا تصريحه وتحذيره من الخلل السكاني الذي تعاني منه دول الخليج العربية، مضيفًا أنه مع استمرار السياسات الخليجية الماضية، سيكون الخليج عرضة للخطر، منوهًا بضرورة ارتباط التنمية الاقتصادية بالتركيبة السكانية، وإلا سيصبح سكان الخليج العربي مستقبلًا أقليات في بلادهم. القنبلة النووية السعودية؟ "قلت بصورة علنية سابقا أنه يجب علينا القيام بكل ما هو ضروري بما في ذلك المعرفة لتطوير قنبلة في سبيل الدفاع عن أنفسنا ضد احتمال إيران مسلحة نوويا.."، هكذا رد الأمير على سؤال خلال حوار مع قناة سي إن بي سي العالمية، حول ما إذا كانت المملكة ستطور قنبلة نووية إذا ما ظنت أن إيران تتحرك صوب ذلك. الجوائز حصل الأمير على عدة أوسمة وجوائز ودرجات فخرية بينها وسام غازي مير باشا خان في عام 2019، والمواطنة الفخرية لمدينة سيول الكورية الجنوبية عام 2016، وجائرة البحر المتوسط الدبلوماسية من إيطاليا عام 2015. كما حصل على الدكتوراة الفخرية في القانون عام 2010 من إيرلندا، والدرجة العلمية نفسها في السياسة الدولية عام 2011 في كوريا الجنوبية، وكذلك الدكتوراة الفخرية من جامعة شنغهاي الصينية عام 2015، والدرجة العلمية نفسها من جمهورية كازاخستان عام 2017. وعبر مسيرة الفيصل الطويلة والعامرة هذه نستخلص حقيقة مفادها، أن السياسي ولو رغب عن السياسة فإن له مسيرة ورأيًا ورؤية لا تنتهي بانتهاء تقلده المناصب، هكذا كان تركي الفيصل وهكذا سيكون.
مشاركة :