كان توحيد المملكة العربية السعودية، شبه الجزيرة المترامية الأطراف، وبسط الأمن والاستقرار والرخاء فيها، ضربا من الخيال، إلا أنه تحول إلى حقيقة ساطعة بعد أن أتمّ الله سبحانه وتعالى للملك الموحد المغفور له بإذن الله عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه، قبل واحد وتسعين عاما، نعمة ونصر توحيد المملكة العربية السعودية، ونال باستحقاق بيعة الشعب وولاءه وإخلاصه، وعرفانه بالقدرات الفذة والمميزات الرفيعة التي اتسمت بها شخصية القائد الملك الموحد، الذي أرسى قواعد العدل والأمن والاستقرار والأمان في ربوع الجزيرة العربية، وشرع ومن بعده أبناؤه البررة ملوك المملكة العربية السعودية الأكارم في اعتماد سياسات تنموية نقلت المجتمع العربي السعودي من واقع تهيمن عليه البداوة إلى مجتمع مدني يسعى إلى تحقيق التنمية والنهضة والتطور والازدهار، وفي مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية، وتعاظم ذلك بعد اكتشاف النفط وإنتاجه وتصديره، فتحولت موارده إلى خير وازدهار ونعم، لم تقتصر على سكان البلاد فحسب بل امتدت إلى عون الدول والشعوب الإسلامية والصديقة، وحينما تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أطال الله في عمره مقاليد الحكم بعد وفاة أخيه المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم عام 2015. بشر بانتقال المملكة إلى مرحلة جديدة من التطوير والإصلاح والتجديد، وإعادة بناء هيكل الدولة وتشريعاتها ونظمها والحزم في مواجهة الفساد المالي والإداري والإرهاب والتطرف، فاعتمدت المملكة سياسة الردع لمصادر الإرهاب وخلاياه في الداخل والخارج معززة ذلك بتوفير مقومات القوة العسكرية المادية من ترسانات عسكرية وأسلحة وأعتدة حديثة وتطوير الموارد البشرية المقاتلة عبر التدريب والتأهيل النوعي، فضلا عن توطين الصناعات العسكرية وإيجاد أنشطة صناعية وخدمات مساندة لها، كالمعدات الصناعية والاتصالات وتقنية المعلومات ما يسهم في جاهزية البلاد في مواجهة التحديات العسكرية والأمنية، وبما يوطد أمن الوطن والمواطنين فكريا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا، وتعزيز موقع المملكة الريادي إقليميا وعالميا، والإصرار على مسابقة الزمن نحو آفاق جديدة من النهضة والتطور والنماء بأفق غير مسبوق وباعتماد قيادات وطنية شابة مؤهلة ومتحفزة للبذل والعطاء والتطوير بدءا من تعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للدفاع، فضلا عن إصدار رؤية المملكة 2030 التي كان الأمير محمد بن سلمان مهندسها وقائدها التنفيذي، لتمثل الخطة الاستراتيجية التي تقود المملكة إلى النهضة والتنويع والتمكين. وفي بيان مبررات الرؤية قال خادم الحرمين الشريفين في كلمته في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى 1438 – 1439 «ولقد تبوأت المملكة العربية السعودية -ولله الحمد- مكانة اقتصادية عالية بين دول العالم، وسجلت حضورًا قويًا على الساحة الدولية الاقتصادية فأصبحت ضمن مجموعة العشرين التي تضم أكبر عشرين دولة اقتصادية، وتشهد المملكة -بفضل الله-ـ نهضة اقتصادية واجتماعية هي نتاج للخطط التنموية الطموحة التي استطاعت أن تحقق أهدافًا كثيرة، ومكتسبات عديدة، والتوجه الآن يسير نحو التحول إلى تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد كلية على النفط، سعيا إلى رسم مستقبل واعد للوطن، وذلك من أجل استمرار وتسريع وتيرة النهضة التنموية الشاملة في جميع القطاعات بالاستفادة من المقومات الاقتصادية والفرص الاستثمارية الواعدة في المملكة، ومن أجل ذلك تبنينا رؤية المملكة 2030. التي تعكس قوة ومتانة الاقتصاد السعودي وفق رؤية إصلاحية جديدة من شأنها الانتقال بالمملكة إلى آفاق أوسع وأشمل لتكون قادرة -بإذن الله تعالى- على مواجهة التحديات وتعزيز موقعها في الاقتصاد العالمي، وذلك من خلال تنويع مصادر الدخل واستغلال الطاقات والثروات المتوافرة، والإمكانات المختلفة المتاحة لتوفير الحياة الكريمة للمواطنين». وخلال خمس سنوات من الإنجازات المتواصلة في ظل ظروف عالمية وإقليمية، سياسية واقتصادية، وأمنية غاية في التعقيد والدقة، حققت الرؤية العديد من أهدافها لدرجة أصبح من السهل التمييز بين مرحلتين في التاريخ المعاصر للمملكة، مرحلة ما قبل الرؤية، ومرحلة ما بعد إطلاق الرؤية. ومما ينبغي الإشارة إليه وحينما أعلن تفاصيل الرؤية عام 2016 وتحدث سمو الأمير محمد بن سلمان عن متضمناتها، نظر إليها الكثيرون على أنها أحلام وردية لن تجد طريقها إلى التنفيذ لما يعترض طريقها من صعاب وتحديات، فأصبحت بعد خمس سنوات رغم صعوبة الظروف حقيقة واقعة تنبئ بمملكة عربية سعودية عظمى بكل معنى الكلمة، وعلى الرغم من كل العراقيل والتحديات متعددة المصادر والأساليب والاتجاهات التي لم ولن تتوقف مادام مسيرة النهضة والبناء والتنمية المستدامة مستمرة ومتصاعدة، ومن دون اعتماد حد التبعية على أية قوة، غير قوة الله جل في علاه أولا، والثقة المطلقة بإمكانات الشعب السعودي ثانيا. ومما أود ذكره هنا أن الباحث قدم محاضرة في عام 2016 في مستهل ندوة أقامها المركز الثقافي لجمعية تجمع الوحدة الوطنية، أوضح فيها عوامل النجاح التي تحملها رؤية المملكة العربية السعودية 2030. وأشار إلى أن المقالات والتصريحات التي صدرت في الغرب وتشكك في إمكانية نجاحها دليل مضاف على أهميتها وقدرتها على إطلاق المارد العربي السعودي ليعيد للأمة العربية والإسلامية هيبتها ومكانتها، إذ أنها بحق رؤية سعودية عربية إسلامية تستلهم وتنمي وتطلق خصوصيتها لترسي قاعدة الإصلاح الاقتصادي المستقل ولتقدم للعالم نموذجا تنمويا جديدا هادفا إلى نقل المملكة العربية السعودية من خانة الدول النامية إلى موقع رفيع في مجموعة العشرين الأكثر تقدما في العالم، ولتشهد تحولات تنموية متسارعة مواكبة للثورة الصناعية الرابعة، ومستشرفة وموفرة متطلبات المستقبل الوضاء، وساعية إلى بناء عوامل القوة والتفوق بمختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والصناعية والاجتماعية، والأخذ بوسائل وتقنيات التقدم والرقي والعصرنة، وتحقيق الرفاهية لشعبها وللمقيمين في ربوعها، محولة الإيرادات النفطية التي حباها الله جل في علاه بها، إلى أصول إنتاجية متجددة، ورأسمال بشري مؤهل وفعال، ونهضة متواصلة، ومشاريع تنموية نوعية تلامس أحدث المستجدات الحضارية وترسي قواعد علمية رصينة في مجال مواكبة التطور الحضاري والتكنولوجي الذي يشهده العالم، فأوجدت المقدمات الضرورية للانتقال إلى نمط اقتصاديات المستقبل بدءا من تعزيز المدن الذكية، ودعم واحتضان الإبداع والابتكار والتقنية المعاصرة، وتنمية الأفكار الخلاقة للشباب، والحرص على اعتماد تقنيات أكثر ديناميكية في مجالات عديدة تتناسب مع مؤهلات واحتياجات الأجيال القادمة. وللموضوع بقية في مقالات قادمة. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :