أدركت قيادة المملكة العربية السعودية الرشيدة أن نجاح رؤية المملكة في تحقيق أهدافها لا يمكن الوصول إليه، إلا إذا كانت، المؤسسات التي يوكل إليها الإشراف على صياغة وتنفيذ برامجها في الإصلاح الاقتصادي تتميز بالفاعلية والديناميكية، وأن تعتمد الشفافية والوضوح في مختلف القرارات التي تتخذها. وأن تكون مواردها البشرية مؤمنة أشد التأمين ومقتنعة تمام الاقتناع بمبادئ وسياسات الإصلاح الاقتصادي التي تقودها، ومؤهلة ومستعدة للدفاع عنها، وقادرة على مواجهة القوى المشككة بضرورة الإصلاح وفاعلية سياساته. لذا فقد حرصت المملكة على تحقيق هذه المبادئ في بناء تلكم المؤسسات واختيار قياداتها التنفيذية ومواردها البشرية ممن تنطبق عليهم هذه المواصفات، خاصة وأن الإصلاح الاقتصادي لا يمكن أن يحقق أهدافه إن لم يسبقه ويرافقه إصلاح إداري شامل ومناسب، وقد أكدت رؤية المملكة 2030 على ذلك، وعملت الحكومة على تطوير الجهاز الإداري للدولة بحيث يشمل جميع المؤسسات والخدمات والسياسات الحكومية، ما يسهم في الارتقاء بالقدرات التنافسية للاقتصاد الوطني، والارتقاء بجودة الخدمات ورفع كفاءتها، ليكون التميز في الأداء هو أساس تقويم مستوى كفاءة الأجهزة الحكومية. فتم إعادة هيكلة عدد من الوزارات والأجهزة والمؤسسات والهيئات العامة بما يتوافق مع متطلبات إنفاذ الرؤية، ويحقق تطلعاتها في ممارسة أجهزة الدولة لمهامها واختصاصاتها على أكمل وجه، وبما يرتقي بمستوى الخدمات المقدمة للمواطن والمقيم وصولاً إلى مستقبل زاهر وتنمية مستدامة. كما سعت وبكل قوة إلى الربط المحكم بين الإصلاح الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والرفاهية. حيث إن الإصلاح مهما بلغت درجة كفاءة سياساته في المجال الاقتصادي سيفشل إن لم يحقق التوازن بين النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والرفاهية لجميع الفئات والمكونات الاجتماعية، إذ إن حصر النمو والتقدم بشريحة اجتماعية من دون أخرى، يؤدي إلى نشوء قوى مضادة له، ويقود إلى أزمة شاملة قد تعم المجتمع وتطيح بإنجازاته. وفي ذلك يؤكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه قائلا: «لقد انطلقت رؤية المملكة 2030 من أجل وطن مزدهر يتحقق فيه ضمان مستقبل أبنائنا وبناتنا، بتسخير منظومة متكاملة من البرامج؛ لرفع مستوى الخدمات من تعليم وصحة وإسكان وبنية تحتية، وإيجاد مجالات وافرة من فرص العمل، وتنويع الاقتصاد ليتمتع بالصلابة والمتانة في مواجهة المتغيرات عالميا، لتحتل المملكة مكانتها اللائقة إقليميا وعالميا». وفي ذات الاتجاه يوضح الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس الوزراء السعودي تطلعات الشعب السعودي للإصلاح والتي جاءت الرؤية ملبية لها بالقول: «نحن نريد - كما يريد الشعب السعودي - استثمار الأيام المقبلة، والتركيز على تطوير مجتمعنا، وتطوير أنفسنا أفرادا وأسرا، وفي الوقت نفسه الحفاظ على ديننا وتقاليدنا، نحن لا نريد أن نستمر في العيش في حقبة مضت، لقد ولى زمان تلك الحقبة، والآن نحن نستشرف مستقبلا جديدا مليئا بالأمل والعمل والخيرات». وحيث إن الإصلاح لا يمكن أن يحققه الا المصلحون، ولا يستقيم في ظل إطلاق أيدي المفسدين، وأن تكون الإدارات الموكل إليها عملية الإصلاح مثالا حيا ونموذجا يشار إليه بالبنان في النزاهة والعفاف المالي والإداري والسلوكي. فقد حرصت المملكة على ذلك، وحققت نجاحات متتالية في مكافحة الفساد، وهو نهج أضحى استراتيجية أساسية فيها، عبر تكريس مبدأ الشفافية والمساءلة، وتتبع ومراقبة الأداء الحكومي وفاعليته. وفي ذلك قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى 1439 - 1440 «إن الفساد بكل أنواعه وأشكاله آفة خطيرة تقوض المجتمعات وتحول دون نهضتها وتنميتها، وقد عزمنا بحول الله وقوته على مواجهته بعدل وحزم لتنعم بلادنا بإذن الله بالنهضة والتنمية التي يرجوها كل مواطن، وفي هذا السياق جاء أمرنا بتشكيل لجنة عليا لقضايا الفساد العام برئاسة سمو ولي العهد ونحمد الله أن هؤلاء قلة قليلة». وتم تأسيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد «نزاهة» للكشف عن الفساد المالي والإداري، ومكافحته، وهي تعمل ضمن اتجاهين رئيسين: الأول وقائي وعلاجي، إذ يقوم الجانب الوقائي بسد الثغرات النظامية المؤدية إلى وقوع الفساد، ومتابعة إقرارات الذمة المالية، ورصد مؤشرات الفساد، وإجراء الدراسات والبحوث في مجال اختصاصات الهيئة والتوعية والتثقيف، إضافة إلى إعداد مركز الرقابة الإلكترونية، الذي يقوم بتطبيق برنامج الرقابة الإلكترونية وتقييم المخاطر ومعالجة البيانات الضخمة، وتفعيل المنصة الإلكترونية لوحدات المراجعة لتعزيز الرقابة الداخلية في مختلف الجهات الحكومية، وكشف مكامن الخلل. والثاني: الجانب العلاجي ويقوم على أربع مهام رئيسية هي (التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في العقود المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين، تلقي بلاغات المواطنين عن المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية المنطوية على فساد، متابعة مجريات التحقيق وسير الإجراءات في قضايا الفساد، متابعة مدى قيام الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة بما يجب عليها إزاء تطبيق الأنظمة المجرِّمة للفساد المالي والإداري، بالإضافة إلى متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين)، إضافة إلى ذلك قامت الحكومة بفتح حساب بنكي خاص للراغبين في إعادة الأموال التي مصدرها أعمال الفساد المالي والإداري تحت مسمى «حساب إبراء الذمة» سواء كان ذلك تعبيرا عن ندمهم وتوبتهم، من دون تعرضهم للتحقيق أو أي شكل من أشكال المساءلة، ليتم استخدام الأموال المودعة في الحساب في العمل الخيري. كما أطلقت المملكة في 3/ يونيو/2021 «مبادرة الرياض» لتأسيس شبكة عمليات عالمية لتبادل المعلومات بين أجهزة مكافحة الفساد حول العالم التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الاستثنائية الأولى لعام 2021. تأكيدًا للدور الريادي للمملكة على الصعيد العالمي في تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الفساد وتضييق الخناق عليه. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :