قبل نحو ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات النيابية المحددة في 15 مايو (أيار) المقبل، لا يزال بعض الأفرقاء اللبنانيين متخوفين من إمكانية إقدام بعض الأطراف على الإطاحة بها أو تأجيلها وهو ما يبدو واضحا من خلال ما يشبه «اللوبي» الذي يقوم به كل من حزب «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي بالتنسيق مع البطريرك الماروني بشارة الراعي عبر المواقف والتحذيرات المستمرة من أي محاولات في هذا الإطار. وفيما ينفي «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» نيتهما العمل على تأجيل الانتخابات، عاد وأكد رئيس البرلمان نبيه بري هذا الأمر، وقال «إن لبنان متمسك بإجراء الانتخابات وإنجازها بكل شفافية بعيدا من أي ضغوط ويرفض رفضاً مطلقا أي محاولة لتأجيلها». وفي حين يرى حزب «القوات» و«الاشتراكي» أن مواقفهما نجحت حتى الساعة في إسقاط محاولات التأجيل، التي كانت ستتجسد عبر اقتراح قانون يقدمه «التيار الوطني الحر» حول انتخابات المغتربين والمطالبة بأن يقترعوا في الدائرة 16 (التي كانت مخصصة للمغتربين) أو عبر التحجج بفتح اعتمادات للانتخابات، لا يزال الفريقان يؤكدان المضي قدما في «مواجهة أي سعي لتأجيل الاستحقاق الذي يعمل له العهد وحلفاؤه في السر» بحسب ما سبق أن أكد النائب في «الاشتراكي» وائل أبو فاعور. ويعتبرون أن خوف «التيار» من الانتخابات بشكل عام ومن اقتراع المغتربين لـ128 نائبا بشكل خاص سببه أن أصوات هؤلاء ستنعكس سلبا على نتائج «الوطني الحر» ورئيسه النائب جبران باسيل لا سيما أن أكبر نسبة من المغتربين المسجلين للتصويت في الخارج هي في دائرة الشمال الثالثة التي تتضمن منطقة البترون حيث سيترشح باسيل. وهذا الأمر يؤكد عليه النائب في «الاشتراكي» هادي أبو الحسن لـ«الشرق الأوسط»، ويذكر أن «التيار الوطني الحر» ومنذ إصدار المجلس الدستوري قراره حول اقتراع المغتربين بعد الطعن الذي سبق أن قدمه «التيار»، مبقيا على مشاركتهم في الانتخابات في الدوائر التي هم مسجلون فيها، وهو يحاول الالتفاف بطرق عدة لإعادة البحث في الموضوع حتى أن «تكتل لبنان القوي» كان سيقدم اقتراح قانون في هذا الإطار وتراجع عنه بعدما كان الرئيس ميشال عون مرره في جدول أعمال الدورة الاستثنائية للبرلمان، موضحا «حتى الآن لم يرد اقتراح قانون من لبنان القوي إلى هيئة مكتب المجلس حول انتخابات المغتربين وكنا قد اتفقنا أنه وبعد الإعلان عن جدول أعمال الجلسة التي ستنعقد يوم الاثنين لم نقبل أي اقتراح جديد». وفيما يلفت أبو الحسن إلى تنسيق بين «الاشتراكي» و«القوات» والبطريرك الماروني بشارة الراعي للتصدي لأي محاولات للتأجيل يقول «بعدما سقطت ذريعتا انتخابات المغتربين ومشكلة فتح اعتمادات للانتخابات، أعاد أمس رئيس الجمهورية ميشال عون طرح «الميغاسنتر» (مراكز الاقتراع المحلية) ويبقى الخوف أيضاً من افتعال أحداث أمنية»، مؤكدا «سنتصدى لكل هذه المحاولات ولن نسمح بتأجيل الانتخابات». ويعزو أبو الحسن محاولة «التيار الوطني الحر» تأجيل الانتخابات إلى النتائج المتوقعة ولا سيما في انتخابات المغتربين، قائلا «هناك 260 ألف ناخب النسبة الأكبر منهم لن تكون لصالح عون وباسيل»، مضيفا: جميعنا نعرف أن المغتربين لا يستسيغون الأحزاب لكن مصرون على إجراء الانتخابات». ويتفق «القوات» مع «الاشتراكي» في التعبير عن مخاوفه من تأجيل الانتخابات وهو ما يظهر أيضاً من مواقف نوابه والمسؤولين فيه، في حين تقدمت «كتلة القوات» باقتراح قانون لتسهيل انتخابات المغتربين أدرجت على جدول أعمال جلسة البرلمان يوم الاثنين، وتقول مصادرها لـ«الشرق الأوسط» «الاقتراح الذي قدمناه هو من أجل المزيد من تسهيل اقتراع المغتربين بعيدا عن العوائق التي حالت دون حصولهم على وثائق رسمية في ظل جائحة كورونا». لكن في المقابل ومع تأكيد المصادر أن الانتخابات لا بد أن تحصل في موعدها تقول في الوقت عينه «لا شك أن المخاوف لا تزال قائمة لأن هذا الفريق لن يتوانى عن محاولات الإطاحة بالانتخابات العامة كحد أقصى أو على الأقل انتخابات المغتربين التي يدرك «الوطني الحر» أنها لن تكون في صالحه بحيث إن أصواتهم موزعة بين من غادروا لبنان منذ سنوات طويلة ويدعمون الخط السيادي وبالتالي لا يؤيدون سلاح «حزب الله» وحلفائه، وبين من هاجروا في السنوات القليلة الماضية ويعتبرون أن العهد وسياسته أوصلت لبنان إلى ما هو عليه ودفعتهم إلى هجرة بلدهم». ورغم أن بعض الخبراء الانتخابيين يحسمون أن نتائج الانتخابات، لا سيما إذا اتحدت مجموعات المجتمع المدني، ستشهد تغيرات ضد الأحزاب وتحديدا «التيار الوطني الحر»، يرفض الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين الحسم في هذا الإطار. ويقول لـ«الشرق الأوسط» لا شك أن عدد المغتربين هذا العام كان مرتفعا مقارنة مع العام 2018 ووصل إلى 26 ألفا في دائرة الشمال الثالثة فقط، لكن المعطيات المتوفرة حتى الساعة وتحديدا انقسام مجموعات المجتمع المدني التي لم تحسم مرشحيها حتى الساعة، تشير إلى أن النتائج لن تتغير كثيرا عما كانت في السابق. ويقول «الخارج هو انعكاس للداخل وخيارات المغتربين ليست محسومة حتى الآن خاصةً أن الأحزاب نفسها التي تحذر من تأجيل الانتخابات تبذل جهودا كبيرة وحملات انتخابية في الخارج». وكان سجل 244 ألفا و244 ناخبا من المغتربين أسماءهم في السفارات والقنصليات اللبنانية في الخارج قبل أن ينخفض العدد إلى 225 ألفاً و114 ناخباً بعد تنقيح اللوائح، وأظهرت النتائج الأولوية لتوزيع هؤلاء أن النسبة الأكبر منهم هي في منطقة الشمال وتحديدا في الدائرة الثالثة التي تضم زغرتا وبشري والكورة والبترون، وهي ما باتت تعرف في لبنان بـ«الدائرة الرئاسية» انطلاقا من أنها تجمع المرشحين للرئاسة النائب جبران باسيل ورئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع.
مشاركة :