يربط خبراء علم الاجتماع بين الانقطاع المدرسي وظاهرة عمالة الأطفال في تونس، ويعتبرون أن ظروف مزاولتهم للتعليم وتزايد حالات التسرب والانقطاع المدرسي من بين الأسباب المباشرة في تنامي الظاهرة. ويشيرون إلى تنوع المجالات والقطاعات ذات التشغيلية الكبيرة للأطفال وتفاوتها حسب المناطق في البلاد. وتعد الدراسة الاستقصائية العنقودية متعددة المؤشرات التي أعدتها اليونيسف بالتعاون مع المعهد الوطني للإحصاء من أهم الدراسات التي تناولت تشخيص وضعية الطفولة في تونس، وضبط المؤشرات الواجب اعتمادها لتحقيق أهداف الألفية من أجل التنمية. وتؤكد الدراسة على العلاقة المباشرة بين عمالة الأطفال وظروف مزاولتهم للتعليم وتزايد احتمالية وقوع ذلك في حالات التسرب والانقطاع المدرسي مما ينبئ بخطورة المسألة، اعتبارا للحجم السنوي للانقطاع المدرسي في السنوات الأخيرة والذي تجاوز بحسب إحصائيات وزارة التربية 100 ألف تلميذ، أغلبهم مهددون باللجوء إلى سوق العمل بعد ابتعادهم الاختياري أو القسري عن مقاعد الدراسة. وأطلقت الكشافة التونسية بولاية صفاقس (جنوب) الأحد مشروعا جديدا يهدف إلى مكافحة عمالة الأطفال والحدّ من الانقطاع المبكر عن الدراسة شعاره “فرصة جديدة.. أمل جديد”، ويرمي إلى تأطير الأطفال وخلق فرص جديدة لهم وتنفيذ نماذج إعادة الإدماج التربوي وبدائل أخرى في حوالي 20 مجتمعا محليا في الولاية المذكورة على امتداد 7 أشهر، وفق ما ذكره مدير المشروع القائد سليم الحديجي. 100 ألف تلميذ أغلبهم مهددون باللجوء إلى سوق العمل بعد ابتعادهم عن مقاعد الدراسة وأوضح الحديجي خلال ندوة صحافية خصصت لتسليط الضوء على مكونات هذا المشروع وأهدافه والمشاركين فيه، أن آخر الإحصائيات مفزعة وكشفت أن ولاية صفاقس مصنفة ثانية بعد ولاية جندوبة (شمال غرب) من حيث عدد الأطفال المنقطعين عن الدراسة والمتعاطين لأنشطة اقتصادية هشة بمقابل زهيد، ليصبح من الضروري التفكير وإيجاد الحلول وآليات الدعم الكفيلة بالحد من ظاهرة عمالة الأطفال. وبيّن أن أنشطة هذا المشروع الذي ينفّذ بالشراكة مع مشروع “بروتاكت” التابع لمنظمة العمل الدولية، سوف ترتكز على ثلاثة محاور أساسية، وهي بعث خلايا الأمل لأفواج كشفية داخل المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية لرصد حالات المنقطعين عن التعليم، وتركيز أفواج كشفية بمناطق صفاقس لرصد حالات الأطفال المنقطعين عن الدراسة وإقناعهم بالالتحاق بمراكز التكوين، وإعداد برنامج لفائدة عدد من الأمهات من أجل تكوينهن في حرف سريعة. وأبرز أن البرنامج المخصّص للأمهات يهدف إلى تطوير قدراتهن ومساعدتهن على بعث مشاريع تضمن لهن ولعائلاتهن العيش الكريم، مشيرا إلى أنه سيتم في إطار ذات البرنامج بعث سوق افتراضية تضمّ ما بين 6 و10 آلاف قائد وكشاف يعنون بتكوين الأمهات محدودات الدخل. هذا وتمحور النقاش خلال هذا اللقاء الإعلامي الذي خصص للإعلان عن إطلاق مشروع “فرصة جديدة.. أمل جديد” حول استدامة المشروع في ظل ثقافة العمل السائدة في أوساط عائلات جهة صفاقس، والتفكير في تنظيم حلقات تدريبية لفائدة الكوادر التربوية حول التحسيس بخطورة الانقطاع المبكر عن التعليم للأطفال، والسعي لرصد هذه الحالات وتأطيرها، فضلا عن التفكير في التمديد في فترة هذا المشروع. وفي تفسيره للظاهرة قال المختص في علم الاجتماع عبدالستار السحباني إنه يجب التفريق أولا بين أطفال الشوارع والأطفال في الشارع، مشيرا إلى أن الأطفال في الشارع هم الشريحة المعنية بعمالة الأطفال. وأضاف السحباني في تصريح سابق لـ”العرب” أن المشهد تغيّر الآن في تونس عمّا كان عليه من قبل لمّا كان الأطفال ينتظرون عطلة الصيف ليظفروا بعمل بسيط من أجل أن يحصلوا على مصروفهم اليومي. وأشار السحباني إلى وجود شبكات مختصة في عمالة الأطفال يمكن أن تسوقهم إلى دوامة المتاجرة بأشياء ممنوعة دون علمهم أو أن تستوعبهم الأسواق الموازية. ولفت السحباني إلى تدهور المنظومة التعليمية التي أصبحت تقتصر على التعليم دون التربية، حيث لم تعد المدرسة ذلك الفضاء الذي يجد فيه الطفل المتعة، مؤكدا على أن أعدادا كبيرة من الطلاب أصبحوا منخرطين في العمل الموسمي مثل جني الزيتون وجمع الحلفاء مقابل التغيّب عن الدراسة وبموافقة الوالدين. ظاهرة تنامت وتشير تقارير عدد من الجمعيات والمنظمات الدولية والمحلية إلى تصاعد مقلق في معدلات استغلال الأطفال في سوق العمل في تونس بشكل غير قانوني خلال السنوات الأخيرة، وذلك في ظل غياب الرقابة وعدم تطبيق القانون بسبب الأوضاع غير المستقرة التي شهدتها البلاد بعد الثورة. وسعت الحكومة التونسية لمكافحة ظاهرة عمالة الأطفال من خلال خطة امتدت على ثلاث سنوات، عملت على تعزيز آليات الرقابة ووسائل تطبيق القانون، وذلك بهدف الحد من استفحال الظاهرة التي تزايدت بشكل خاص في السنوات الأخيرة. وتشير وزارة التربية في تونس إلى أن قرابة 100 ألف تلميذ يغادرون سنويا مقاعد الدراسة دون تحديد وجهاتهم، بما يعرضهم لمختلف أشكال الانتهاك وخاصة استغلالهم في سوق العمل. وكانت وزارة التربية قد أطلقت خلال سنة 2016 مبادرة “المدرسة تستعيد أبناءها”، والتي تهدف إلى إعادة ما لا يقل عن 10 آلاف تلميذ منقطع سنويا إلى مقاعد الدراسة، وبالتالي الحد من مشكلة خروج الأطفال إلى العمل في سن مبكرة. وبحسب الخبراء الاجتماعيين فإن أعلى نسب الانقطاع عن التعليم وإجبار الأطفال على العمل تسجل في المناطق الريفية وتحديدا بمناطق الشمال الغربي والجنوب الشرقي للبلاد خاصة في ولايتي سيدي بوزيد والقصرين. ويفسر الخبراء سبب انتشار تلك الظاهرة في هذه المناطق بارتفاع مشاكل الفقر وضعف البنية التعليمية وغياب المتابعة الإدارية والنفسية للأطفال خاصة خلال فترة المراهقة. الحكومة التونسية سعت لمكافحة ظاهرة عمالة الأطفال من خلال خطة امتدت على ثلاث سنوات، عملت على تعزيز آليات الرقابة ووسائل تطبيق القانون وتدفع الأوضاع المادية والظروف الاجتماعية السيئة العائلات في تلك المناطق إلى وقف أبنائهم عن الدراسة وإدماجهم في مهن مختلفة سواء منها الفلاحة أو الحرف المختلفة. ويمثل تشغيل الفتيات القاصرات ضمن الخدمة المنزلية أحد أبرز ملامح هذه الظاهرة، حيث تشير بعض المصادر غير الرسمية إلى الآلاف من الحالات لفتيات دون السن القانونية اللواتي يتعرضن للاستغلال والانتهاك والعمل في ظروف غير لائقة في المنازل. وقال محمد الطرابلسي وزير الشؤون الاجتماعية السابق “ينبغي صياغة سياسات مناسبة لضمان متابعة الأطفال للدراسة حتى السادسة عشرة على الأقل، بحسب ما ينص عليه القانون التونسي”. وأضاف الطرابلسي أن المخطط سيعمل على حماية هؤلاء الأطفال من الشارع أولا، وكذلك من أي محاولة للاستغلال بما في ذلك الأفكار المتطرفة. وكانت وزيرة شؤون المرأة والأسرة والطفولة السابقة نزيهة العبيدي أكدت أن مندوبي الطفولة يتلقون سنويا قرابة 9500 إشعار تتعلق بالطفولة بما فيها عمل الأطفال أو الاعتداءات المختلفة عليهم، ما يؤكد الحاجة إلى اعتماد سياسة متكاملة أساسها المصلحة العليا للطفل ورعايته وتنشئته بطريقة متوازنة. وقالت المنسقة المحلية للمشروع في منظمة العمل الدولية نعيمة الزغدودي “اليوم لا يمكننا أن نؤكد وجود ظاهرة عمالة الأطفال في تونس بسبب نقص فعلي في البيانات والأرقام”. وبيّنت الزغدودي أن المعطيات المتوفرة تكشف أن “القطاعات التي تستقطب الأطفال في تونس هي الزراعة، خاصة على مستوى المزارع العائلية والنجارة الصغيرة وورش الميكانيك، إضافة إلى محلات الحلاقة والخدمة المنزلية للفتيات”.
مشاركة :