تحقيق إخباري: سكان غزة يلجأون للعلاج بالموسيقى أملا في التخلص من ضغوطهم النفسية

  • 2/27/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

داخل غرفة ذات ألوان زاهية في مركز "كيان الثقافي" في قطاع غزة، تجلس الفلسطينية جوليا أحمد، لمدة 45 دقيقة على أريكة تستمع لترانيم موسيقية مختلطة مع أصوات أمواج البحر في محاولة للتخلص من ضغوطها النفسية. ولسنوات عديدة كانت الشابة أحمد البالغة من العمر (32 عاما)، وهي أم لطفل وحيد، قد عانت من مشاكل وأزمات أوصلتها إلى حالة من الاكتئاب ورفض الواقع الذي تعيشه، ما دفعها إلى التوجه لعالم الموسيقى. وتقول أحمد، التي مرت بتجربة زواج فاشلة تعرضت خلالها لأنواع مختلفة من العنف، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "الاستماع إلى الموسيقى يساعدها على عزل نفسها عن واقعها المحزن، الذي يؤثر سلبا على حالتها النفسية". وفي حينها عملت الشابة، وهي من مدينة غزة، على طلب الطلاق من زوجها لتتحرر من تجربتها الصعبة، لكن مهمتها لم تكن سهلة خاصة وأن عائلتها رفضت خطوتها في ذلك الوقت، ما جعلها تبدو وحيدة في تلك المعركة، بحسب حديثها. وتوضح أحمد "شعرت بالوحدة ولا أحد يهتم بي في تلك المواجهة ورغم ذلك استطعت أخذ حريتي والحصول على الطلاق بعد عامين من الذهاب إلى المحكمة"، مشيرة إلى أن عائلتها لم تقبل "وجودها بينهم لأنها مطلقة خوفا من نظرة المجتمع السلبية". وتتابع الشابة بنبرة صوت حزينة "أصبح عالمي مظلمًا بلا أمل أو تفاؤل أو رغبة في البقاء، وهو السبب الذي دفعني للانتحار ثلاث مرات لإنهاء حياتي ومعاناتي لكن جميع المحاولات باءت بالفشل". ورغم أن "الموت لم يقبل بها قررت أحمد الاستمرار في حياتها بشكل أقوى من خلال خوض تجربة العلاج النفسي حتى تستعيد قوتها الداخلية ونفسيتها السليمة وتوازنها العاطفي، الذي يؤهلها للعيش بطريقة صحيحة". وقبل شهرين ذهبت الشابة إلى طبيب نفسي لمساعدتها على التخلص من حالتها السيئة من خلال العلاج بالموسيقى. وتتلقى أحمد ثلاث جلسات أسبوعيا، ما أكسبها تحسنا بشخصيتها وحالة هدوء تام انعكست إيجابيا على تنمية قدراتها النفسية والعملية. وأوضحت أن أي موقف يزعجها تعزل نفسها بالموسيقى للتغلب عليه، وهذا بداية الطريق نحو مستقبل مزدهر، بحسب قولها. ولم يختلف حال الشاب محمود عليان البالغ من العمر (23 عاما) أكثر عن سابقته، حيث لجأ إلى العلاج بالموسيقى بعد عدة محاولات فاشلة للتخلص من الاكتئاب الذي كان يعاني منها منذ أكثر من ثلاث سنوات. ويقول عليان ل(شينخوا) إن "حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي يعاني منها القطاع كانت سببا في فشلي بتحقيق أي من أحلامه بعد تخرجي من الجامعة، مما دفعني للدخول في حالة من الاكتئاب". ويتابع عليان "كرهت كل شيء في حياتي، نفسي وعائلتي وأصدقائي، وعزلت نفسي تماما عن العالم وتوجهت إلى الإدمان على المواد المخدرة في محاولة للتخلص من حالة الاكتئاب الدائم، ما أدى لتفاقم أزمتي". ونتيجة لذلك أصبح الشاب "عدوانيًا" مع أسرته، حسب قوله. ويضيف "لسوء الحظ بسبب الاكتئاب والمخدرات، لم أعد أؤمن بالحياة ولم أكن متفائلاً بشأن أي شيء (..) كنت أتمنى أن أموت يومياً". لكن هذا الشعور بعدم التمسك بالحياة تغير بعد دخوله في علاقة للزواج، إذ تساءل عما إذا كانت خطيبته ستقبل به كونه ليس مؤهلاً لبناء أسرة وبدء حياة جديدة. لذلك قرر عليان الخضوع للعلاج النفسي، تزامنا مع عزوفة التام عن تناول المخدرات، ويقول "عندما بدأت أول جلسة علاج بالموسيقى شعرت براحة كبيرة وشعور جميل بالتفاؤل لم أشعر به منذ سنوات". وحتى الآن تلقى عليان أربع جلسات للتخلص من الطاقة والمواقف السلبية. ويقول الشاب، الذي بدأ يمتلك إرادة وعزيمة "أشعر باختلاف تدريجي في وضعي نحو الأفضل، خاصة بعد جلسات الاسترخاء التي خضعت لها". ويأمل الشاب العشريني أن يستعيد حياته من جديد ويؤسس مشروعه الخاص بعد أن أصبح متقبلاً لنفسه وحياته ومحيطه، قائلاً: "الحياة ليست سهلة لكن يمكننا أن نواجه صعوباتها بقوتنا وإرادتنا الداخلية". وأحمد وعليان من بين عشرات الأشخاص الذين يتلقون العلاج بالموسيقى في مركز "كيان الثقافي"، الذي أنشأته الطبيبة النفسية تغريد السقا، منذ حوالي عامين لمساعدة سكان القطاع على التخلص من الضغط النفسي الذي يعانون منه بسبب الظروف الصعبة. وتقول السقا الحاصلة على درجة الدكتوراه في علم النفس ل(شينخوا) إن جلسات العلاج تعتمد على مزيج من "علم النفس والثقافة من خلال استخدام الموسيقى أثناء علاج المرضى الذين يعانون من اضطرابات عقلية". وأضافت السقا البالغة من العمر (40 عاما) وهي أم لثلاثة أطفال، أن "العلاج بالموسيقى قديم في العالم، لكنه حديث لدى سكان القطاع فهو علاج صحي يعتمد على التفاعل مع الموسيقى من أجل تحقيق أهداف معينة في المجتمع". وفي الواقع، يساعد المعالجون بالموسيقى المرضى على تحسين الصحة في مجالات مثل العمل المعرفي والمهارات الحركية والعاطفية والاجتماعية ونوعية الحياة من خلال استخدام المجالات الموسيقية مثل حرية الارتجال أو الغناء أو الاستماع لتحقيق أهداف العلاج. ويعيش سكان القطاع ظروفا سياسية واقتصادية معقدة أثرت سلباً على الحالة النفسية لغالبية السكان بفعل فرض إسرائيل حصارا مشددا عقب سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عليه في العام 2007. وإضافة إلى ذلك، شنت إسرائيل عدة عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد القطاع آخرها استمرت 11 يومًا في مايو الماضي، وأسفرت عن مقتل أكثر من 250 فلسطينيًا و 13 شخصا في إسرائيل. ونتيجة لهذه الظروف يحتاج أكثر من ثلث سكان قطاع البالغ أكثر من مليوني نسمة إلى تدخل نفسي، غالبيتهم من النساء والأطفال، بحسب مدير برنامج غزة للصحة النفسية ياسر أبو جامع. وتقول السقا إن "نسبة الأشخاص الذين يطلبون المساعدة النفسية منها ارتفعت إلى 70 بالمائة مقارنة بالسنوات السابقة، حيث تشكل النساء حوالي 60 بالمائة من المرضى".

مشاركة :