فور بدء الإجازة المدرسية الصيفية يسارع الأطفال في بلدة "بيت لاهيا" شمال قطاع غزة إلى الالتحاق بملعب عام مقام في وسط البلدة لممارسة رياضتهم المفضلة "سكيت بورد". وكان الطفل أحمد البالغ من العمر (15 عاما) من بين الأطفال الملتحقين لممارسة تلك الرياضة أملا في مساعدته للتخلص من الضغوط النفسية المتراكمة جراء التوترات العسكرية بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية المسلحة. وشنت إسرائيل عدة عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد القطاع منذ عام 2012، كان آخرها في مايو من العام الماضي استمرت 11 يوما وأدت لمقتل أكثر من 250 فلسطينيا و13 شخصا في إسرائيل. ويقول أحمد لوكالة أنباء ((شينخوا))، بينما يتجهز مع مجموعة من رفاقه للتزلج عبر منحدر عميق في الملعب إن "الغارات الإسرائيلية العنيفة خلال العمليات العسكرية تسببت لي بحالة خوف شديد وجعلتني أشعر بالموت في أي لحظة". وعاني أحمد كثيرا من مشاكل وضغوط نفسية بفعل التوترات العسكرية، خاصة الأخيرة في مايو من العام الماضي، إذ جعلته "عصبيا وإنطوائيا ويميل نحو العنف وعدم تقبل أي فعل قد لا يعجبه". ويوضح أحمد أن "الحرب العسكرية تنتهي، ولكن ذكرياتها لا تنتهي فهي تبقى محفوظة في ذاكرتنا وتحرمنا من العيش بأمان أو حتى الشعور بالأمل بأن المستقبل سيكون أفضل يوما ما". لكن الطفل وجد ضالته بالتخلص من تلك الضغوط النفسية التي تزعجه طوال الوقت، بعدما بدأ ممارسة رياضة "سكيت بورد"، وهو في الثامنة من عمره بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية في عام 2014. ويستذكر أحمد تلك اللحظات قائلا: "بعد انتهاء تلك الأحداث، قدماي كانتا ترتجفان بينما أقف فوق لوح التزلج قبل أن أقوده (...) ولكن بعد التدريب تمكنت من استخدامها والتنقل بها من مكان إلى مكان". ويضيف "شعرت بطعم الحرية لأول مرة في حياتي عندما أصبحت محترفا في هذه الرياضة قبل ثلاثة أعوام (...) هنا فقط (داخل الملعب) أنسى مخاوفي وضغوطي النفسية بفعل الأوضاع الصعبة في غزة". ولا يختلف الحال بالنسبة للطفل أحمد الشرافي، الذي انضم إلى ممارسة الرياضة قبل عامين. ويقول الطفل ذو الشعر الأشقر، ل(شينخوا) "بدأت أمارس هذه الرياضة بعدما شجعني والدي للانضمام إليها كنوع من الترفيه عن نفسي، خاصة في أوقات الإجازة". ويضيف "لاحظت بأنني أصبحت أحب اللعب مع رفاقي بدلا من الانطوائية وقضاء أوقات طويلة باستخدم الهاتف النقال"، لافتا إلى أنه أصبح يرى "صورة أخرى لغزة تختلف عن كونها منطقة صراع وحروب وموت". وينتظر الشرافي الإجازة المدرسية الأسبوعية أو الصيفية لممارسة هوايته، قائلا "نحن نقضي هنا أفضل أوقاتنا ونبقى سعداء طوال الوقت". وأحمد والشرافي كانا من بين عشرات الأطفال الذين دربهم رجب الريفي (26 عاما) لشهور طويلة حتى وصلوا إلى مرحلة الاحترافية والإبداع في ممارسة تلك الرياضة. ويقول الريفي ل(شينخوا) إن رياضة "سكيت بورد" بدأت فعليا في القطاع عام 2014 بعد تلقيه تدريبات من فريق رياضي إيطالي كان قد حضر إلى غزة. وبالنسبة للريفي لم يكن الأمر سهلا أن ينشر ثقافة رياضة السكيت بورد بين أطفال القطاع، نظرا لخطورتها في حال لم يكن اللاعب متمكنا منها. ولكن مع مرور الوقت بدأت بالانتشار شيئا فشيئا من خلال نشره لمقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"انستغرام"، على حد قوله. ويضيف "كنا سبعة أشخاص نمارس هذه الرياضة فقط، ولكن اليوم أصبحنا أكثر من 200 لاعب محترف"، معربا عن أمله في أن يشارك في مسابقات دولية لتمثيل فلسطين في تلك الرياضة. وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن أكثر من 70 في المائة من سكان غزة يعانون من الاكتئاب والضغوط النفسية بسبب التدهور في مختلف جوانب الحياة الناتجة عن عدم الاستقرار الذي يسيطر على المنطقة. وأعرب الخبير النفسي درداح الشاعر، عن أسفه لعدم تلقي سكان القطاع جلسات علاج نفسي مناسبة تساعدهم في التخلص من الضغوط النفسية الصعبة التي يعيشونها جراء موجات التوتر العسكري أو الأوضاع الاقتصادية الصعبة. ويقول الشاعر ل(شينخوا) إن الأطفال والفتية في القطاع يلجأون بين الفينة والأخرى إلى ممارسة أنواع مختلفة من الهوايات من بينها الرياضة في محاولة للتخلص من ضغوطهم النفسية.
مشاركة :