إلى أين يقودنا الصراع الروسي التركي؟

  • 11/27/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

قيام تركيا بإسقاط السوخوي الروسية يدل على حراجة ودقة الأوضاع الإقليمية والدولية التي نعيشها. إنه ليس بالحادث المعزول بل له مقدماته وتبعاته. ففي أعقابه ذكر الأتراك الرأي العام الدولي بأنه سبق لسوريا أن أسقطت طائرة تركية من قبل. وفي أعقابه وعد الزعماء الروس أقرانهم الأتراك بأنهم سوف يردون على التحية بأحسن منها. ومن الضروري أن يحمل المرء هذا الوعيد على محمل الجد لأن فلاديمير بوتين يحظى بتأييد كبير في روسيا باعتباره الزعيم القوي الذي أعاد إلى روسيا قسطاً كبيراً من مكانتها الدولية الضائعة. وإذا لم يتمكن بوتين من الرد على إسقاط السوخوي، فإن صورته ستتأثر سلباً لدى الرأي العام. إذاً، أو بالأحرى عندما يرد بوتين على حادث إسقاط الطائرة فإن أردوغان لن يستطيع السكوت على ذلك الرد أو الإجابة عنه برد ضعيف. ذلك أن أردوغان هو مثل بوتين، يحظى بتأييد قسم كبير من الأتراك لأنه يمثل الزعامة القومية القوية التي تذكرهم بمصطفى كمال أتاتورك، رغم الفارق الإيديولوجي الكبير بين أردوغان الإسلامي وأتاتورك العلماني. إذا تجنب أردوغان الرد بقوة على بوتين فإنه سوف يخسر جانباً لا بأس به من شعبيته. في هذا الصراع المشؤوم لا يملك بوتين أن يكون صورة باهتة للقيصر، كما أن أردوغان لن يقبل بأن يكون صورة مهزوزة للسلطان. فإلى أين تقودنا هذه المبارزة؟ إلى حرب قرم جديدة تخسرها روسيا ولا تربحها تركيا؟ ربما. ولكن حرب القرم كانت في حد ذاتها فصلاً من فصول التاريخ حتى بعد أن انضمت إليها دول أوروبية ناصرت الدولة العثمانية الإسلامية ضد الدولة الروسية الأرثودكسية. إذا تصاعد الصراع اليوم بين تركيا وروسيا، فإنه لن ينحصر بين الدولتين لأنه سوف يبدأ في الأساس كمشهد جانبي من مشاهد الحرب المستعرة حول المسألة السورية. أو بالأحرى حول المسألة العربية. في هذه الحرب لن تقبل الدول الأخرى سواء وقفت إلى جانب الرئيس السوري أو إلى جانب المعارضة السورية أن تضطلع بدور ثانوي، أو حتى بدور السائق الذي يجلس في مقعد خلفي، وأن تترك لروسيا وتركيا أن تقودا الصراع حول المنطقة. يخشى البعض أن تتحول هذه الحرب إلى حرب عالمية ثالثة. في هذه الحالة فإنه من المقدر أن تكون حرباً قصيرة العمر وأن تنتهي لحظة بدايتها. ففي العالم اليوم من القنابل الذرية ووسائل إسقاطها على رؤوس البشر ما يكفي لتدمير المعمورة مراراً وتكراراً وفي لحظات قصيرة. هذا ما يقوله بعض الذين تابعوا بشغف مأساة هيروشيما وناغازاكي، فرصدوا دقائقها وتعلموا من دروسها وخرجوا منها بما مكنهم من الارتقاء بأسلحة الفتك الذري وتعميم آثارها على أوسع نطاق ممكن وتخفيض كلفة إنتاجها واستخدامها. وبصرف النظر عما يحدث عقب بدء هذه الحرب، فإن ما يحدث اليوم يوحي إلى أصحاب النبوءات المتشائمة بأن الحرب العالمية الثالثة ليست خياراً متداولاً ولكنها ليست من المستحيلات. يرجع هؤلاء إلى الحرب العالمية الأولى فيجدون أن مقدماتها تشبه مقدمات المعارك الدائرة في الأراضي العربية. بل يقول أصحاب النبوءات المتشائمة إن مقدمات الحرب الأولى أو الكبرى كانت أقل دموية وفتكاً وتدميراً مما يجري في منطقتنا. كان الصراع بين ألمانيا وفرنسا على استعمار المغرب واحداً من المقدمات إياها، ولكنه صراع لم يحسم بالحرب والمعارك، كما هو الصراع الدائر في سوريا والعراق واليمن وليبيا وأجزاء أخرى من الوطن العربي، بل حسم بالدبلوماسية وبمؤتمر الجزيرة الخضراء الدولي. هذا النوع من الصراعات والمجابهات تكرر في مناطق مختلفة من الإمبراطورية العثمانية ومن الولايات العربية فيها بصورة خاصة. ولكن هذه المبارزات لم تصل إلى ما نشهده اليوم من عنف ودموية. بتعبير آخر، فإن مقدمات الحرب الكبرى متوفرة في واقعنا اليوم أكثر مما كانت متوافرة قبل أن تنفجر الحرب عام 1914. يقول أصحاب النظرات المتشائمة أيضاً، في معرض التحذير من الشر الأعظم، أي من شر الانتحار الجماعي عبر حرب عالمية ثالثة، إن الذين يقللون من هذه الاحتمالات ينطلقون من نظرة متفائلة قد تكون في غير محلها. فهم يبنون كافة فرضياتهم على أساس أن الإنسان مخلوق عاقل. هذا الإنسان قد يدخل المغامرات بقصد المنفعة المادية أو المعنوية، ولكنه في مطلق الحالات لا يحبذ ولا يرى أية فائدة في الانتحار ولا يندفع على طريقه، أي طريق الحرب العالمية الثالثة. لقد ضحى الملايين بحياتهم في الحرب الكبرى، ولكنهم لم يقصدوا التضحية بالبشرية وإنما على العكس كانوا يعتقدون أنهم يفعلون ذلك من أجل الأكثرية الساحقة من البشر، أو الناس الذين لم يشتركوا بالقتال، بل كانوا يترقبون نتائجها ويأملون أن تعود عليهم بالخير والسلام. وبالمقارنة مع الحال التي واجهها هؤلاء، فإن الذين يواجهون خيار حرب عالمية جديدة يدركون أنها لن تبقي أحداً، ولذلك وبما أنهم عاقلون فسوف يعارضون ذلك الخيار، ولن تقتصر هذه المعارضة على فريق من الناس فحسب، بل على الجميع دون استثناء. ذلك هو معنى توازن الرعب الذي شاع بعد أن امتلكت القوتان العظيمتان القنبلة الذرية، وبعد أن تحول إلى أساس لحركات سلام اجتذبت مئات الألوف من النشطاء خاصة في الدول التي تمكنت من امتلاك القنبلة الذرية. ولكن بقدر ما أسهم مفهوم توازن الرعب في تعميق وعي الناس لشرور القنبلة الذرية ولشرور التوازن النووي، فإنه كان سبباً أيضاً في تراخي الحركات التي نشأت لمقاومة التسلح النووي. لقد ترسخ هذا المفهوم في النفوس إلى درجة أنه بات ينظر إليه وكأنه من الحتميات غير القابلة للاختراق. وفي ظل هذا الشعور انتشر نوع من التخدر والاطمئنان الكاذب والمضلل حول نهاية الخيار الذري في العالم وحول انتفاء احتمال حرب عالمية جديدة. إن ما نشهده اليوم يدلنا على أنه ليس من الصواب الركون إلى فكرة الإنسان العاقل. فالإنسان العاقل هو نفسه الذي يرتكب أخطاء فادحة تضعه على طريق الانتحار الجماعي. والإنسان العاقل هو الذي انتخب جورج بوش رئيساً للجمهورية وتوني بلير زعيماً لحزب العمال ورئيساً للحكومة البريطانية. والإنسان العاقل هو الذي انتخب من قبلهم هتلر لكي يقود العالم إلى المجازر والحرب الكبرى. أما الإنسان العاقل حقاً فهو الذي يضع في حسابه إمكانات الخطأ ولا يترك المجال مفتوحاً أمام ارتكاب أخطاء قد تضع مصير الجنس البشري على المحك. الترجمة العربية للإنسان العاقل تتمثل اليوم في قيام حركة نشيطة وحية من أجل تحقيق السلام وترسيخه في المنطقة العربية ولوضع حد للتدمير الذاتي وللانتحار الجماعي. raghidelsolh@yahoo.com

مشاركة :