إميل أمين يكتب: الصراع الروسي – الغربي.. إلى أين؟  

  • 11/26/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تبدو الأفاق السياسية  والعسكرية  ما بين روسيا الاتحادية والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، أقرب ما تكون إلى المواجهة  الشاملة الكاملة، وتكاد المخاوف التي تجاوزها العالم قبل ثلاثة عقود، أي في زمن الحرب الباردة، تعود لتحلق من جديد فوق رؤوس العالم. ليس سرا أن التساؤل الذي يعود من جديد، هو لمن الغلبة  في الصراع الدائر بين الجانبين، مع الأخذ في عين الاعتبار أنه يختلف كثيرا  عما  جرى في النصف الثاني من القرن المنصرم، سواء من حيث البنى  العسكرية للأطراف المتصارعة، أو من جهة التحالفات السياسية والعسكرية القائمة والقادمة. في الأشهر القليلة  الماضية  بدا واضحا أن نهجا مثيرا تتبعه الولايات المتحدة الأمريكية يتمحور حول إعادة تشكيل أحلاف عسكرية من جهة  وسياسية من جهة ثانية. خذ إليك على سبيل المثال تحالف، أوكوس، بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا الحليف الأقرب والشريك الأكبر لأمريكا تاريخيا، وبالتعاون مع أستراليا، القارة التي جعلت منها الطبيعة المرشح اللوجيستي الأهم في المواجهة القائمة والقادمة  مع روسيا  من جهة، والصين من جهة ثانية . وجاءت صفقة الغواصات النووية الأمريكية، فيرجينيا، لتشكل خطرا متزايدا على الصين، حيث يمكن أن تطال صواريخها حواضر صينية مهمة،  ما دعا  الصينيين للقلق، فيما  كان الروس الأكثر قلقا منهم، غير أن ما لديهم من أسلحة فرط صوتية حديثة تجعلهم لا يقلقون ليقينهم، بأن الذي معهم أقوى  من الذي عليهم. تاليا.. سعت  واشنطن في طريق محاصرة  روسيا والصين بتحالف له صبغة سياسية، كواد، حيث اليابان والهند، والقرب الجغرافي من روسيا  يمكن أن يفعل فعله ويتسبب في مشاكل واضحة لموسكو . لماذا  القلق من روسيا  أمريكيا أكثر من الصين؟ في الآونة الأخيرة ارتفعت أصوات عديدة في الداخل الأمريكي من كبار الباحثين في مراكز دراسات لها أهميتها، تطالب بأنه لا يجب أن تنشغل إدارة الرئيس بايدن بالصراع مع  الصين وتهمل روسيا القادرة على سحق ومحق الولايات المتحدة الأمريكية بصواريخها المجنحة النووية، وبغواصاتها الكهرومائية من طراز بوسيدون الفتاك وبغيرها مما لا نعلم . هنا ربما تتحتم علينا العودة  مرة أخرى إلى التساؤل الذي ضمنه أحد كبار علماء السياسة والعلاقات الدولية في روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، إلكسندر رار ، الألماني الجنسية.. كتابه المعنون ..” روسيا والغرب لمن الغلبة؟ ويعتبر كتاب رار مصدرا مهما  يرصد ما دار خلف كواليس السياسة خلال العقدين ونصف بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إذ يعيد الكتاب القارئ إلى السنوات التي اضطرت فيها روسيا إلى بناء مؤسسة الدولة من جديد فيما رفض الغرب تقديم العون لها. ولعل حركة الحياة وجدلية التاريخ تؤكدان على أن تغيرات الجغرافيا قد فعلت فعلها، وأصبح حجم المخاطر التي تتهدد العالم أعلى  من أي وقت  مضى،  وأمام التحديات العولمية  المشتركة التي أضعفت  قدرات أوروبا أصبح لزاما على روسيا  والغرب البحث عن أشكال جديدة وغير تقليدية للتعاون، لكن التساؤل الجوهري من يتعاون مع من؟ هل يتوجب على  أوربا  أن تتعاون مع روسيا ، بهدف تحقيق الحلم الأوراسي،  أم أن أوربا  عليها تعزيز علاقاتها  مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعرضت لضربات قاسية لا سيما في أربع  سنوات رئاسة  ترامب؟ على أن النقطة الجوهرية في الصراع باتت تتمثل من غير تهوين أو تهويل في السعي لجواب عن تساؤل.. كيف يمكن إيقاف  صراع القيم بين روسيا والغرب؟ يبدو التساؤل قراءة في المعكوس، فما جرى  ولا يزال يجري تاريخيا، هو أن الغرب من يسعى لتأجيج الصراع مع  الشرق الروسي والأسيوي وليس العكس. والشاهد أنه  طوال عقود الحرب الباردة،  كان الشغل الشاغل الأكبر للناتو هو إسقاط الاتحاد السوفيتي ومن يدور في فلكه من دول حلف وارسو، وقد نجح الناتو في ذلك من غير أن يطلق رصاصة واحدة على  جندي روسي. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد باشر  الأمريكيون نوعا  من أنواع الإذلال الأدبي والمعنوي معا  ضد روسيا ومن تبقى معها، ما أعتبره فلاديمير بوتين، أكبر خطيئة أدبية أرتكبت في القرن المنصرم ضد روسيا. مضت أحلام أمريكا للسيطرة على العالم ، وبنوع خاص في نهايات تسعينات القرن الماضي ومن خلال مشروع القرن الأمريكي للمحافظين الجدد بنوع خاص. وبعد انتهاء الحرب الباردة نشر مستشار الأمن القومي، وحكيم أمريكا الأشهر، زيجينو بريجنسكي، كتابه المعنون ” رقعة الشطرنج الكبرى “،  وقد وصف في كتابه  ما يجب على أمريكا فعله كي تبقى  القطب الأوحد المهيمن على العالم. والثابت أنه منذ صدور هذا الكتاب  وحتى اليوم تغير النظام العالمي بشكل دراماتيكي وتحول من الأحادية القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب. وهو تحول لا يروق للغرب فيما ترحب الصين وروسيا به. وتبقى  روسيا  بنوع خاص العقبة الأولى  في طريق الهيمنة الأمريكية المطلقة على العالم ،  وهناك في واقع الأمر إفتراق ما بين واشنطن  وبروكسيل حول أفضل آلية للتعاطي مع روسيا ، وهل هي العزل والإقصاء ، أم الإدماج والإحتواء ؟ واقع الحال يشير إلى أنه يوجد مؤيدون ومعارضون لفكرة التقارب مع روسيا، فالكثيرون في الغرب ينظرون إلى التعاون  مع روسيا ليس فقط من وجهة  نظر براجماتية  واقتصادية  بل بوصفه السبيل الى نشر القيم الليبرالية  على  المجتمع  الروسي . هذا  التيار تتزعمه ألمانيا  بنوع  خاص ، الأمر الذي يزعج العم سام أيما إزعاج ويحاول جاهدا وضع  العصا في دواليب العلاقات الألمانية – الروسية ، كما الحال مع مشروع السيل الشمالي 2. قبل بضعة أيام تحدث وزير الدفاع الروسي ، سيرغي شويغو ، عن قيام طائرات أمريكية بالتدرب على  قصف أهداف روسية  بالأسلحة النووية ..هل يشئ  هذا التصريح بمآلات المشهد الأممي القادمة ، وهل يمكن أن يحدث المحظور ؟ التساؤل والإجابة عليه ، لا ينبغي أن تشغل بال الروس والأمريكيين والأوربيين فقط ، أنه تساؤل كوسمولجي، لا سيما  وأن من سيدفع  الثمن بقية شعوب المسكونة ..فانظر ماذا  ترى؟

مشاركة :