سيفتح القرار الصادر عن مكتب حقوق الطباعة والنشر بالولايات المتحدة القاضي برفض منح حقوق الملكية الفكرية للوحة تم رسمها من قبل الذكاء الاصطناعي بابا لجدل قد لا ينتهي. وستحال القضية إلى المحكمة الفيدرالية حيث يخطط مالك برنامج الذكاء الاصطناعي الذي قام برسم اللوحة، ستيفن ثالر مؤسس شركة “إيماجنيشن إنجن”، لتقديم استئناف، وفقا لمحامي الشركة ريان أبوت. اللوحة مثار الجدل هي “آخر مدخل إلى الجنة”، وهي عمل تم إنجازه بشكل مستقل بواسطة خوارزمية دون أي تدخل من قبل البشر. وأدرج ثالر البرنامج باعتباره مؤلف العمل الفني وسعى للحصول على حقوق طبع ونشر بصفته مالكا للجهاز. حقوق التأليف والنشر ستيفن ثالر أثار جدلا لن ينهيه قرار مكتب حقوق الطباعة والنشر بالولايات المتحدة ستيفن ثالر أثار جدلا لن ينهيه قرار مكتب حقوق الطباعة والنشر بالولايات المتحدة يمكن لأجهزة الكمبيوتر الآن كتابة القصائد ورسم الصور وإنتاج الموسيقى بشكل أفضل من العديد من البشر. ويشهد سوق الأعمال الفنية رواجا كبيرا لأعمال منجزة من قبل الذكاء الاصطناعي، وقد تم بيع عمل بعنوان “صورة إدموند دي بيلامي” مقابل 432.500 دولار في صالة كريستي عام 2018. اللوحة تم إنشاؤها من قبل آلة تقلد الذكاء البشري، دربتها مجموعة “أوبي فيد” الفرنسية باستخدام أكثر من 15 ألف لوحة مرسومة بين العصور الوسطى والقرن الماضي. ولم يكن رواج إنتاج الذكاء الاصطناعي الفني كافيا لإقناع مجلس مراجعة حقوق الطبع والنشر الأميركي الذي رفض بعد مداولات مطولة منح حقوق طبع ونشر اللوحة للذكاء الاصطناعي. وتجادل اللجنة بأن هذا من شأنه أن ينتهك المبادئ الأساسية للقوانين التي تنص على أن جميع الإبداعات يجب أن تكون نتاج عقل بشري. وتعيد القضية فتح النقاش حول دور الذكاء الاصطناعي في الإبداع الفني. حيث يتيح التعلم العميق للآلات التعلم من تلقاء نفسها دون تدخل البشر، اعتمادا على كمية هائلة من البيانات لإنشاء إبداعات جديدة. وهي تقنية تترك بعض العلماء يتساءلون إن كانت مفتاحا يزود الآلات بخيال يعادل في خصبه خصوبة الخيال البشري. ويود الباحثون في جامعة جنوب كاليفورنيا أن يصدقوا ذلك، بعد أن أمضوا سنوات في تطوير خوارزمية قادرة على تصميم كائنات جديدة بسمات مختلفة، واستخدموا مفهوم “فك التشابك” (الفرز) للسماح للآلة بتوليد صور جديدة من بين العديد من النماذج البصرية. ويقوم الذكاء الاصطناعي مستعينا بالسمات والملامح التي التقطها من الصور المختلفة التي تم تحليلها بتركيب صور جديدة يمكن التحكم فيها، وبالتالي إنشاء نتائج جديدة مبتكرة وغير مسبوقة. ويقول الباحثون إن “عملية الاستقراء هذه هي أقرب ما يكون إلى عملية تخيل الصور والمشاهد وحتى سماع الأصوات ورؤية الكلمات المكتوبة عند البشر، وهي الآلية التي يستعملها البشر في إبداعاتهم، على الرغم من أن طريق الواجب قطعه قبل أن تحل الآلة محل الفنان مازال طويلا”. ويرى أبوت أن “قرار مكتب حقوق الطبع والنشر سيقف عائقا في طريق الأشخاص الذين يطورون برامج وروبوتات لإبداع أعمال فنية ذات صفة اجتماعية، كما في الأغاني والأفلام والموسيقى، والمطلوب من الولايات المتحدة أن تكون رائدة على المستوى العالمي في هذا المجال لتعزيز الجهود المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات لتطوير الذكاء الاصطناعي”. سوابق قضائية الجدل الدائر حول اللوحة يفتح النقاش حول دور الذكاء الاصطناعي في عملية الإبداع بعيدا عن تدخل البشر من خلال العمل نيابة عن ثالر، قامت شركة أبوت للمحاماة بمراجعة سلسلة قرارات قانونية تتعلق بالملكية الفكرية لأعمال تم إنجازها بواسطة الخوارزميات، بما في ذلك براءات اختراع خاصة باختراعات طورتها برامج الذكاء الاصطناعي نفسها. وكانت محكمة الاستئناف قد رفضت في عامي 2019 و2020 مطالب أخرى تقدمت بها الشركة، بحجة “افتقارها إلى المشاركة البشرية” التي تعتبر أساسية لمنح حقوق الملكية الفكرية. وفي أحدث طلب لإعادة النظر بالقضية المطروحة حاليا، اعتبر أبوت شرط اشتراك العنصر البشري بإنجاز العمل غير دستوري، والأهم هو غير مدعوم بسوابق قضائية. بينما استشهدت اللجنة المكونة من ثلاثة أشخاص بالعديد من القضايا التي رفضت فيها المحاكم توسيع حماية حقوق الطبع والنشر لتشمل الإبداعات غير البشرية. وفي عام 1997 رفضت محكمة استئناف فيدرالية منح كتاب زُعم أنّه “مُؤَلّف من قبل كائنات روحية غير بشرية” حقوق التأليف والنشر، مشترطة للموافقة أن تكون هناك “مشاركة بشرية وجهت الوحي وقامت برعايته”. وفي قضية أخرى رفعت أمامها عام 2018، رفضت اللجنة منح قرد حقوق الطباعة والنشر لصور التقطها بالكاميرا. وبعد عرض الوقائع التي قادتها لإطلاق الحكم اختتمت اللجنة قرارها الصادر في الرابع عشر من فبراير بالقول “يجب على ثالر إما تقديم دليل على أن العمل نتاج تأليف بشري، أو إقناع المكتب بالتخلي عن قرن من حقوق النشر”. وهو “لم يفعل أيّا منهما”. ومع ذلك، يؤكد أبوت أن قضية ثالر تختلف عن حكم القرد الذي استشهد به مجلس حقوق الطبع والنشر.. ستكون هناك مشاكل حقيقية مستقبلا. مثلا، عندما يطور شخص ما برنامج ذكاء اصطناعي ينجح في تقديم أغنية تحقق انتشارا واسعا، يستمع إليها الملايين من البشر. السؤال الذي سيواجه مطور البرنامج هو “هل يضع اسمه على العمل حتى يتمكن من الحصول على عائدات الملكية الفكرية، أم يعترف أنها من صنع برنامج ذكي، وفي هذه الحال لا يمكنه منع أي شخص من استخدامها ويخسر بالتالي العائدات؟”. قرار اللجنة واضح وصريح: البرامج والآلات التي تشغلها، مشمولة بقانون حماية الملكية، أما ما تنتجه من أعمال فهي غير مشمولة، باستثناء الأعمال التي لا يمكن أتمتتها وإسنادها للذكاء الاصطناعي بالكامل، فهي أيضا مشمولة بقوانين حقوق النشر. المشاركة في الإنتاج أو التأليف عنصر حاسم هنا، ويجب أن يشمل الجهد البشري. اللوحة المسماة “مدخل حديث إلى الجنة” لا يمكن منح الذكاء الاصطناعي الذي أنجزها حماية ملكية، لمجرد أن من طورها بشر. قوانين حقوق النشر تحمي فقط “ثمار العمل الفكري للعقل البشري”. بين صوفيا ودانتي صورة إدموند دي بيلامي.. عمل فني لم يمسسه بشر صورة إدموند دي بيلامي.. عمل فني لم يمسسه بشر لا يقتصر الأمر على الولايات المتحدة، قضية مشابهة تمت مواجهتها في أوروبا عام 2020، حيث أقر مكتب براءات الاختراع الأوروبي أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه نيل حقوق التأليف لإبداعاته، مشيرا إلى أن المخترع يجب أن يكون إنسانا وليس آلة. وفي سبتمبر الماضي توصلت محكمة الاستئناف في المملكة المتحدة إلى قرار يقضي بعدم إمكانية تصنيف الذكاء الاصطناعي على أنه مخترع يستحق أن يمنح براءة اختراع. وجاء في حيثيات القرار أن الشرط القانوني لحقوق التأليف والنشر أن يكون العمل الفني أصليا ويعبر بشكل ملموس عن أفكار الإنسان. في مجال الفن، يشمل هذا كل شيء، من الأعمال الأدبية واللوحات إلى الصور الفوتوغرافية والفن الرقمي. وفي ضوء ذلك، كيف تقيم المحكمة الأميركية القصائد التي كتبتها صوفيا، الروبوت الشبيه بالبشر؟ على الأرجح ستفشل في اختبار حقوق النشر. ولكن إذا جادل المطورون الذين يقفون وراء خوارزميات معالجة اللغة قائلين إن القصائد التي كتبها الروبوت تعتمد على أشعار دانتي، وليست مجرد ابتكار خوارزمي ذكي، فإن الحكم سيصبح في هذه الحالة محيرا. ويرى آخرون أن قرار مكتب حقوق الطبع والنشر لن يكون مشكلة كبيرة بالنسبة إلى فنانين يستخدمون الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة في تنفيذ الأعمال الفنية. ولم يكن قرار مكتب حقوق الطبع والنشر مفاجئا بالنسبة إليهم، فقد تم سن قوانين حقوق الطبع والنشر الأميركية حفاظا على الإبداع البشري. ويشير هؤلاء إلى دول أخرى، مثل الصين، منحت حقوق الطبع والنشر للذكاء الاصطناعي المستقل. ومع ذلك، لن يحول القرار الصادر عن مكتب حقوق الطباعة والنشر بالولايات المتحدة دون ازدهار سوق الأعمال الفنية المنتجة من قبل الذكاء الاصطناعي؛ سبق أن شهدنا مزادات لبيع لوحات فنية قام الإنسان الآلي برسمها، وحصدت أرقاما مرتفعة. ومازلنا نتذكر الروبوت “أيدا”، التي توقع لها النقاد وجامعو الأعمال الفنية مستقبلا زاهرا. “أيدا” هي اكتشاف جامع الأعمال الفنية البريطاني أيدن ميلر، الذي أعرب عن أمله في أن تستطيع يوما ما التواصل مع المحيطين بها، وربما استطاعت مستقبلا أن تنتقد بنفسها الأعمال الفنية التي تبتكرها. ويقول ميلر وهو مدير معرض للفنون إنه شرع في تنفيذ الروبوت “أيدا” عام 2017، وأنه نجح في تنفيذ هذا المشروع بالتعاون مع شركة “إنجينيرد آرتس” البريطانية لصناعة الروبوتات وبمشاركة باحثين من جامعتي ليدز وأكسفورد. واليوم تطرح أسئلة عديدة حول الذكاء الاصطناعي، مثل: هل هناك حدود لذكاء الآلات؟ هل هناك فرق جوهري بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي؟ وهل يمكن أن يكون للآلة عقل ووعي؟ ويعتقد الخبراء أن العالم سيشهد قريبا استنساخ الدماغ الإنساني، وزرعه في معدات وبرمجيات، وأن هذا سيتم بشكل مطابق للأصل تماما. هناك جهود تمهد للروبوتات امتلاك مشاعر إنسانية في القريب العاجل. عندها قد تجد الروبوتات طريقها إلى داخل قاعات المحاكم لتطالب بمنحها حق الملكية الفكرية. وتشكل نقابات مهنية تدافع عن حقها الذي هضم.
مشاركة :