ألقى الصراع الدائر في ليبيا حالياً، على خلفية وجود حكومتين متنازعتين في البلاد، بظلاله على كافة مناحي الحياة هناك، وعادت تساؤلات السياسيين والمواطنين حول مستقبل البلاد في ظل وجود الآلاف من عناصر «المرتزقة» والقوات الأجنبية الموجودة على التراب الوطني، وهل ستؤدي التجاذبات حول السلطة بين عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، وغريمة فتحي باشاغا رئيس «الاستقرار» إلى تأجيل بحث هذا الملف، ومن ثم الاستبقاء على هذه العناصر؟ من جهته توقع اللواء الفيتوري غريبيل عضو وفد اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» عن قوات حكومة «الوحدة الوطنية»، أن يكون هناك قدر من التأجيل غير معلوم مداه الزمني لتنفيذ خطط اللجنة المتعلقة بإخراج «المرتزقة» والقوات الأجنبية، رغم ما شهده هذا الملف من تقدم في الأشهر الأخيرة، وأرجع ذلك إلى «الانقسام الراهن بين الأجسام السياسية». وقال غريبيل، وهو رئيس أركان القوات البرية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نحن كلجنة عسكرية فنية قد أنهينا كل العمل الفني بالتنسيق مع الأمم المتحدة والأطراف الإقليمية الفاعلة، وكذلك دول الجوار الليبي، والدول التي لديها قوات و(مرتزقة) في ليبيا». كما «سبق وشكلنا لجان تواصل في كل من اجتماعي القاهرة وتونس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكذلك قمنا بزيارات الدول المنخرطة في النزاع الليبي وفي مقدمتها روسيا وتركيا وأبلغناها بنتائج اجتماعاتنا، وكنا نعول على إجراء الانتخابات التي سينتج عنها جسم تشريعي سياسي موحد، ورئيس دولة، لكي تتم المباشرة في تنفيذ الخطط التي قمنا بوضعها». وأكمل: «مع الأسف تم عرقلة الانتخابات من قبل الأجسام السياسية الحالية المنقسمة على نفسها، وبقاؤها على هذه الحال من الانقسام سيُبقي خطط اللجنة في ملفات تنتظر التنفيذ». ورغم إقراره بأن العالم كله منشغل بالحرب الروسية على أوكرانيا، وأنه قد لا توجد فرصة لتواصل المحادثات بين اللجنة العسكرية المشتركة والجانب الروسي تحديدا، قال غريبيل: «إذا خف الصراع بالداخل الليبي وتم انتخاب برلمان ورئيس للبلاد وحكومة موحدة، فقد تكون هناك فرصة مواتية لإخراج عناصر (المرتزقة) ولو بالقوة، فضلا عن إمكانية الاستفادة من الانشغال الروسي بالصراع في أوكرانيا، خاصة إذا ما تم سحب قوات (فاغنر) لساحة المعركة هناك». وكان أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» قاموا بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بزيارة إلى كل من أنقرة وموسكو على التوالي، لإجراء محادثات مع المسؤولين هناك حول الخطط التي وضعتها اللجنة بإخراج «المرتزقة» والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية على نحو متزامن. بدوره رأى الباحث الليبي المختص في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، فرج زيدان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الاستقطاب الراهن سيؤثر بالسلب على إرادة الدولة الليبية بشأن المطالبة بإخراج «المرتزقة» والقوات الأجنبية من البلاد. ورغم دعمه للبحث عن إمكانية الاستفادة من الوضع الدولي في إخراج القوات الأجنبية، ذهب زيدان إلى أن «العقبة الرئيسية تتمثل في الجانب التركي وليس الروسي»، وقال: «تركيا دأبت على ترديد أن وجودها العسكري بالبلاد تم بناء على طلب من الحكومة الشرعية، فيما يطالب الروس فقط بأن يتزامن خروجهم مع خروج الأتراك». أما رئيس وحدة التسلح بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أحمد عليبة، فاعتبر الجهود والترتيبات الأمنية التي باشرتها اللجنة العسكرية المشتركة منذ توقيع وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 ومنها خطط إخراج «المرتزقة» والقوات الأجنبية «باتت هشة ومهددة»، وقال إن ذلك بسبب الصراع الراهن حول الحكومة وما نتج عن ذلك من تباين في مواقف أعضاء اللجنة بين وفد المنطقة الغربية، والذي بدا مؤيدا للذهاب للانتخابات مباشرة، وبين وفد المنطقة الشرقية التابع للجيش الوطني المؤيد لوجود فترة انتقالية تديرها حكومة «الاستقرار» برئاسة فتحي باشاغا. وتوقع عليبة لـ«الشرق الأوسط» أن يكون هناك انسحاب جزئي لـ«المرتزقة» الموجودين في الشرقية والغربية على خلفية الحرب الأوكرانية، متابعا: «لا أحد يعلم اتجاهات الحرب، وموقف تركيا بشأنها، وهل ستنخرط فيها بشكل مباشر أم لا؟». وتستند تركيا في رفض المطالب بسحب من جلبتهم من «المرتزقة» أو قواتها العسكرية في ليبيا، لمذكرة تفاهم الأمنية التي وقعتها في نوفمبر 2019 مع حكومة (الوفاق الوطني) السابقة، برئاسة فائز السراج، فيما تتنصل روسيا من أي صلة لها بقوات (فاغنر) الموجودة بالأراضي الليبية.
مشاركة :