يشوب تنفيذ حكم محكمة التمييز الإدارية الصادر بتأييد حكم محكمة الاستئناف بإلغاء قرار تخصيص 396 قسيمة زراعية، العديد من الإشكاليات القانونية والعملية المعقدة، خصوصاً أن القرار المطعون عليه صادر منذ عام 2014، وحكم التمييز صادر في عام 2022، ببطلان التخصيص للقسائم، ما تسبَّب في ظهور العديد من المراكز القانونية الجديدة، وتغيرها عن الحال الذي كانت عليه عند إصدار قرار توزيع القسائم المطعون عليه والملغى من قبل «التمييز». وإلى جوار تلك المراكز القانونية غير المستقرة، والتي انتهت بموجب القرار بتوزيع 396 قسيمة، وحرمان آخرين منها، فإن الأمر استدعى قيام آخرين بالطعن على حرمانهم واستبعادهم بدعاوى قضائية ضد قرار حرمانهم أمام القضاء والمطالبة بأحقيتهم مجدداً في التخصيص، وهو الأمر الذي أدى إلى صدور أحكام نهائية من محكمة الاستئناف بأحقيتهم في الحصول على قسائم زراعية أخرى بموجب أحكام قضائية يزيد عددها على 50 حكما قضائيا، ما يدفع إلى القول إن أزمة قسائم 396 قسيمة ليست بهذا العدد، بل أكبر منها، وجزء منها تسببت به هيئة الزراعة وفق ما انتهى الحكم القضائي الصادر من محكمة التمييز، وجزء منها صدر من جراء تنفيذ الهيئة لأحكام قضائية غير باتة لمصلحة الشركات، ومن دون انتظار رأي وحكم «التمييز»، التي فصلت لاحقاً برفض جميع الدعاوى المقامة من الشركات، ما سيتسبَّب في إعادة الحال إلى ما كانت عليه مجددا، وبما يستدعي سحب الأراضي مجدداً من هؤلاء الذين حصلوا عليها بموجب أحكام استئنافية، وقد يكونون تصرفوا فيها أو انتفعوا بها. والسبب في ذلك يعود إلى حالة الإرباك التي كانت تعيشها هيئة الزراعة في ذلك الوقت، بعد أخطاء توزيع القسائم الزراعية بالقرعة ونتائج لجنة الفتوى واللجنة البرلمانية التي اتهمتها بعدم الحياد. كانت هيئة الزراعة، عقب صدور تلك الأحكام الاستئنافية لمصلحة الشركات، بين مطرقة التنفيذ لها وبين سندان تعطل الإجراءات القضائية التي تسببت في التأخير بالفصل في هذه الطعون، والتي قارب بعضها للفصل أمام «التمييز» قرابة خمسة أعوام. ومن ثم، فإن لقضية تنفيذ حكم هيئة الزراعة العديد من التداعيات والإشكاليات القانونية التي يجب النظر إليها، قبل الولوج إلى الحلول القانونية أو الواقعية، وتشخيص هذه الأزمة، والتي تسبَّب بها المشهد السياسي وحالة الإرباك في اتخاذ القرارات لدى هيئة الزراعة والتأخر في إصدار الأحكام القضائية الباتة، نتيجة تراكم الطعون التي تشهدها «التمييز». وعند التصدي لتداعيات تنفيذ حكم هيئة الزراعة يجب النظر إلى ثلاثة أبعاد للقضية، للوصول إلى الحلول القانونية أو الواقعية، على النحو التالي: أولاً: يجب النظر إلى حقيقة القسائم التي يشملها قرار إلغاء التخصيص، لأن الحكم القضائي الصادر من «التمييز» والمؤيد لحكم «الاستئناف» انتهى إلى إلغاء قرار هيئة الزراعة باعتماد القرعة إلغاء مجرداً، وما ترتب عليه من أثر بالموافقة على نتائج القرعة بتخصيص 396 قسيمة. وقرار تخصيص 396 للقسائم الزراعية لم يعد له أثر على أرض الواقع أو وجود، لصدور قرار آخر بتخصيص قسائم زراعية لما يزيد على 220 قسيمة زراعية فقط، ومن ثم كان على دفاع هيئة الزراعة وفريق الفتوى والتشريع المكلف الدفاع عنها التأكيد للقضاء الإداري الذي ينظر دعوى الإلغاء بعدم وجود قرار بتخصيص 396 قسيمة زراعية، لأن هيئة الزراعة قامت بتصفية العدد، وبأن ما تم اعتماده للتخصيص من قسائم زراعية ليس بالعدد الذي تم اعتماده بالقرعة، بل صدر القرار بعد إزالة المخالفات التي أثيرت بشأن القرعة، وبأن ما تم تخصيصه جاء خالياً من أي عيوب أو مثالب. ثانياً: التعامل مع حقيقة الحكم القضائي الصادر من محكمة التمييز الإدارية بإلغاء قرار هيئة الزراعة باعتماد القرعة لتخصيص 396 قسيمة إلغاء مجرداً، هو قرار بإلغاء العيني، ويشمل كل العقود التي صدرت بناءً على ذلك، وعليه إن كانت هناك عقود بتخصيص القسائم الزراعية بُنيت على هذا القرار، تتم إزالتها وسحبها، فيما إذا لم تكن هناك عقود بُنيت عليه، فلا يمكن إزالتها، لذلك فالأمر يستدعي تحديد نطاق تطبيق القرار الذي ألغته «التمييز» للتعامل لاحقاً عن تحديد أثر ذلك الإلغاء على العقود المبرمة. ثالثاً: العقود التي أصدرتها هيئة الزراعة نفاذاً للأحكام القضائية الصادرة من محكمة الاستئناف رغم أنها ليست باتة لمصلحة من استبعدوا من نطاق توزيع القرعة التي أجرتها هيئة الزراعة، وقامت الهيئة بإصدار عقود التخصيص لهم، وبتمكينهم من الانتفاع بالأراضي من بناء وتراخيص، بل والسماح للتنازل عنها لآخرين، ثم صدرت لاحقاً أحكام من «التمييز» بإلغاء أحكام «الاستئناف»، على سند أن العلاقة بين الهيئة والمنتفع هي علاقة رضائية مرتبطة بالعقد، فيما الوعد بالتعاقد أو التأهيل إلى ما قبل التخصيص لا يمنح للمتقدم لأي مركز قانوني، وعليه فقد تم إلغاء تلك الأحكام. استمرار الانتفاع لكن انتفاع الحيازات الزراعية ما زال مستمراً من قبل أصحاب تلك القسائم، أو لغيرهم، بعد نقل الملكية إليهم، لذلك فهذه القضية أيضاً بحاجة إلى بحث تداعياتها، خصوصاً أن الحاصلين على الأحكام فيها يتجاوز الـ50 شركة. وبعد الإشارة إلى تداعيات قضية تنفيذ الأحكام للنظر إليها من متخذ القرار يجب التأكيد بوضوح وقبل وضع الحلول والتصورات إلى غياب الرؤية القانونية من قبل هيئة الزراعة والفريق القانوني الذي كان يتولى زمام الأمور للتصدي إلى مجريات تلك القضية، لأن جزءاً من غياب الرؤية القانونية للدفاع عن تلك القضية أدى إلى تعقيد الأمور، وأدى بها إلى ما وصلت إليه، وهو الأمر الذي يثير مدى جاهزية الإدارات القانونية الموجودة في الوزارات والهيئات وقدرتها على التعاون مع إدارة الفتوى والتشريع، وتحديداً بقسم القضايا، لتشكيل فريق قانوني يحمل الرؤى والتصورات القانونية تجاه القضايا التي ترفع ضد القرارات الحكومية على أكثر من جهة، وكيفية توظيف الخبرات والكفاءات القانونية التي تتمتع بها «الفتوى» في رد تلك الأنزعة. فقد كان يتعيَّن منذ رفع الدعاوى القضائية ضد هيئة الزراعة على ملف الجهات الزراعية إنشاء فريق قانوني متخصص من الهيئة و«الفتوى والتشريع» من قسم القضايا مهمته دراسة جميع الدعاوى المقامة، وتوحيد الدفاع، وإعداد تصور يقدم في كل القضايا، والتي قاربت أعدادها 100 دعوى قضائية، وكان يتعيَّن، على سبيل المثال، العمل على تقديم الدفاع القانوني الذي يؤكد عدم وجود 396 قسيمة على أرض الواقع، وأن القسائم بعد إعادة النظر فيها لا تتجاوز 220 قسيمة زراعية، وأن القرار الصادر بالإلغاء المجرد ليس له وجود واقعي، وأن ما صدر لم يعتمد على القرعة المشوبة بالعيوب، وأن ما تم توزيعه كان بعد إزالة كل الملاحظات، وأن من حصلوا عليها جاء نتيجة استحقاق للشروط. كما كان يتعيَّن الطلب من المحاكم التي تنظر دعاوى الشركات التي تطلب بأحقيتها في التخصيص وإلغاء قرار الاستبعاد وقف تلك الدعاوى مؤقتاً إلى حين الفصل في دعوى إلغاء القرار الإداري، لأن دفاع هيئة الزراعة القانوني ساير منطق سلامة القرار الصادر، ودافع عنه وعن موقف الهيئة تجاه من تم استبعادهم. زوال القرار وكان على دفاع الهيئة وضع فرضية لا تتعارض مع الدفاع، وهي وقف هذه الدعاوى المقامة من الشركات المستبعدة مؤقتاً إلى حين الفصل في دعوى الإلغاء بحكم بات، وهو الحكم الذي انتهى إلى زوال القرار برمته، وتصبح تلك الدعاوى بلا محل، لأن تلك الدعاوى المقامة كانت تتعلق بمركزها القانوني من القرعة التي تمت. في حين أن حكم «التمييز» ألغى لاحقاً كل ما ترتب على القرعة التي أجريت، وهو ما يعني أنه ما كان سيكتب لتلك الدعاوى النجاح، والتي حصل فيها قرابة 50 شركة على أحكام من «الاستئناف»، إذا ما قام دفاع الهيئة بإقناع محاكم أول درجة و»الاستئناف» بوقف تلك الدعاوى مؤقتا، لأن هناك دعوى بإلغاء للقرار الإداري، والذي تحاجج به الشركات للوصول إلى أحقية مركزها القانوني، لأن مصير تلك القضايا المقامة من الشركات سيكون الوقف لأغلبها إلى حين الفصل بدعوى الإلغاء للقرار الإداري، والذي اتضحت ملامحه بصدور حكم «الاستئناف» بإلغاء المجرد، ثم أيد بعد ثلاثة أعوام تقريباً من «التمييز». ومثل تلك التصورات القانونية تكشف عن غياب الرؤية لإدارة ملف الدعوى من قبل الفريق القانوني، وهو الأمر الذي ساهم في تعقيد النتائج التي يرتبها هذا الملف منذ بداية الأزمة عام 2014! ولم يتبق الآن سوى عرض الحلول القانونية تجاه تلك الأزمة، التي فرضتها مسألة تنفيذ الأحكام القضائية، سواء بإلغاء التخصيص إلغاء مجرداً كأثر لإلغاء القرار الصادر باعتماد القرعة، وكذلك كيفية إتمام التنفيذ العكسي باستعادة الأراضي الزراعية التي تم الحصول عليها من بعض الشركات بموجب أحكام صادرة من «الاستئناف» ألغيت فيما بعد لمصلحة الهيئة من «التمييز»! والحلول المطروحة قد تكون قانونية، وقد تكون واقعية، ويسهم في معالجة تلك الحلول ما عرضته محكمتا الاستئناف والتمييز في حيثيات حكمهما من بيان الآثار التي يرتبها الحكم القضائي، وتتمثل في أن للهيئة إلغاء قرار التخصيص للقسائم 396، واعتباره كأن لم يكن، لكونه مبنياً على القرعة التي ثبت عدم سلامتها، وفق ما خلص إليه تقرير لجنة الفتوى ومجلس الأمة، وبإمكان إعادة المشروع مجدداً للمستحقين. ومن ثم فالحكم القضائي لم يلزم الهيئة بمسلك محدد للقيام به من أجل إعادة التوزيع للقسائم، بل منح الهيئة القيام بإعادة التخصيص مجدداً وفق ما تراه مناسباً مع أحكام اللائحة، شريطة إعادة طرح المشروع أمام الجميع، وعليه فالهيئة، ووفقاً للرأي الذي انتهى إليه القضاء، ملزمة أولاً بسحب القسائم التي صدرت بناء على القرعة، واعتبار منحها كأن لم يكن، لعدم سلامته. وثانيا ان ذلك السحب نتيجة زوال كل عقد وتخصيص مرتبط بهذا القرار. وثالثا تقوم الهيئة بالإعلان مجددا عن طرح المشروع وفق معايير وضوابط تقوم بوضعها، ويتم منح كل المستحقين وفق الأعداد المتوافرة لديها، شريطة أن يتم تمكين كل المتسابقين للدخول إلى ذلك التوزيع، ومنهم من رست عليه القرعة، أو استبعدوا منها فقط، ومن بينهم الشركة رافعة دعوى الإلغاء، ولا يسمح لأي متقدم بخلاف من كانت تجمعهم تلك المسابقة للدخول إليها. وأخيراً يتم توزيع القسائم مجدداً للمستحق. إعادة المراكز وتنفيذ تلك الآثار الناتجة عن الحكم يأتي إعمالاً لقاعدة إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل القرعة، على اعتبار أن الحكم الصادر من القضاء هو حكم بالإلغاء المجرد الذي انتهى إلى تجريد القرار المعتمد للقرعة من أركانه ومقوماته، وأعاد المراكز إلى ما قبل إصداره، وهو ما يتعيَّن معه إعادة كل المتسابقين إلى ما قبل صدوره، ومن ثم فإن الأمر يستدعي الآن أولاً حصر نطاق تطبيق القرار الذي انتهت المحكمة إلى إلغائه إلغاء مجرداً، والتأكد من أن قرار اعتماد القرعة الذي ألغته صدر على أثره قرار بتوزيع القسائم الزراعية الـ220 أو شمل بعضها فقط، وهو أمر سيتضح من خلال الاطلاع على نطاق تطبيق القرار. وعليه، فإن كان القرار المقضي بإلغائه شمل كل العقود وجب إلغاؤها جميعاً، وسحب الحيازات الزراعية الصادرة بناء عليها، وإعادة طرح المشروع مجدداً بين من كان حائزاً تلك القسائم وبين المتسابقين المستبعدين، والهيئة تقرر بعدها أمر منحها مجدداً للمستحقين، وقد يكون من بينهم من كانوا حائزين لها مسبقا، لأن الحكم الصادر أبطل إجراءات منح القسائم بسبب القرعة، وقرر طرحها مجدداً، لما شابه إجراءات القرعة من عيوب اعتبرتها المحكمة جسيمة. نطاق التطبيق في حين إذا ثبت أن نطاق تطبيق القرار المعتمد للقرعة والمقضي بإلغائه مجرداً لبعض العقود دون العقود الأخرى، فوجب إلغاء تلك العقود فقط، وطرحها مجددا بين الجميع، ومنح التخصيص لمستحقيه، لأن الإلغاء المجرد أصاب القرار الوزاري الصادر باعتماد القرعة، والذي بسببه تم منح الحيازات الزراعية استنادا إلى أن ما بُني على باطل فهو باطل. لذلك إذا ما ثبت أن قرار منح الحيازات الزراعية جميعها أو بعضها لم يكن قائماً على القرعة الباطلة الذي قصده الحكم، فلا يكون هناك أي محل لتنفيذ الإلغاء المجرد، لأن الإلغاء المجرد أصاب القرار الصادر باعتماد القرعة، والذي على أثره تم توزيع القسائم الزراعية دون غيره من القرارات الأخرى، والتي لم تكن محلاً للطعن، علما بأن طلبات الشركة رافعة الدعوى أمام محكمة أول درجة و«الاستئناف» لم تنصرف إلى طلب الإلغاء المجرد، بل إلى طلب إلغاء قرار اعتماد القرعة فيما تضمنه من استبعاد الشركة رافعة الدعوى من الحصول على القسيمة الزراعية وأحقيتها بذلك مع طلب التعويض. أما بشأن التنفيذ على الشركات التي تحصَّلت على القسائم بموجب أحكام «الاستئناف»، فإنه يتعيَّن بعد صدور أحكام «التمييز» برفض الدعاوى المقامة منهم، سحب تلك القسائم، مع نظير تمكينها من الدخول إلى مسابقة طرح المشروع مجدداً كأثر من آثار حكم محكمة التمييز الإدارية بإلغاء القرعة، وما ترتب عليه من آثار بإلغاء التخصيص المبني على تلك القرعة حال وجود محل لتنفيذ آثار الإلغاء المجرد. وبشأن البناء الذي تم على القسائم الزراعية أو التنازلات التي حدثت، فهي لا تؤثر في أمر التنفيذ، وبإمكان المتضرر الرجوع بطلب التعويض إن كان له مستحق وفقاً لنظرية المسؤولية التقصيرية بعد تحقق العناصر المكونة لها من خطأ وضرر وعلاقة سببية معاً.
مشاركة :