قالوا وراء كل رجل عظيم إمرأة وأنا أقول وراء كلّ امرأة عظيمة رجل يدعمها، ففي الوقت الذي يحتفي به العالم بيوم المرأة تارة رافعاً شعارات تنادي بالعدالة والمساواة لها، متباهياً تارة أخرى بتعديله بعض التشريعات التي يقول أنها تنصفها، فإننا نجد مع الأسف مجتمعات لا زالت المرأة فيها تتعرّض للعنف والقمع، وأقصد هنا تلك المجتمعات التي تصر أن تعطي الرجل حجماً أكبر مما يقلّل من قدر نصف المجتمع الأخر، فالرجل لا يزال يعنّف المرأة أحياناً دون اكتراث لحجم الدمار النفسي الذي يسببه لها، وأنا بدوري أقول لهذا النوع من الرجال: هل تعرف يا عزيزي من هي المرأة؟ المرأة هي الأمّ والإبنة والأخت والزوجة، المرأة هي الحبيبة والصديقة والزميلة، فهل يرضيك أن تؤذي مشاعر من أوصاك رسولنا الأعظم عليهن قائلاً: رفقاً بالقوارير؟ إن مجرد شعور المرأة بالإحباط يؤثّر على المجتمع ويمزّق نسيجه، فأنى لك أن تطلب من امرأة محبطة أن تعطي وتبني وتربي ابنائك وترى شؤونك وهي ترى الظلم واقعاً عليها؟. يتخيل لي، ونحن ندّعي التحضّر والتفاؤل، أن بعضنا يريد اعادتنا الى العصور الوسطى، فلا تزال مجتمعات تحرم النساء من أبسط حقوقهنّ كالتعليم والعمل وإبداء الرأي وأبسط أشكال الانخراط في المجتمع، وما زالت بقايا العقليّة القبليّة تسيطر على عقول البعض، وعلى الرغم من أنّ الإسلام الحنيف كرّم المرأة وأنصفها وحثّ على احترامها واعترف بحقوقها وأعطاها المكانة الرفيعة التي تليق بإنسانيّتها، الا أن بعض المجتمعات التي أقصدها لا تزال تصر بتجاهل موقف الدين الذي منح المرأة الكثير من حقوقها. ولو بحثنا في أسباب النظرة الدونيّة للمرأة ومبررات الطرف الاخر للانتقاص من شأنها في مجتمعنا الشّرقي، سنجد الأمور الهباب، فنحن نرى آباء لا زالوا يورّثون أبناءهم العقليّة ذاتها وطريقة التفكير نفسها، ونرى ابناء بدورهم يتقمّصون شخصيّات آبائهم في نظرة تفضيل الذكور على الإناث وامتهان كرامتهن ونعتهن بناقصات العقل والدين أحياناً، ونرى صوراً مجتمعية أخرى مستنسخة عن التفرقة، ولا أدري لما لا يريد البعض الإعترف بأن ثمة اختلاف قد حصل بالزّمان والظروف؟، ومن طرائف الصدف، أن نجد المرأة نفسها تسهم في هذه النظرة أحياناً، أذ تصرح أنها تفضّل انجاب الذكور على الإناث وهي لا تعلم أن انجاب أي منهما نعمة من عند الله، وتتحيز لحقوق ذكورها عن اناثها، اما أولئك اللواتي وقعن تحت القصف، يبدو انهن راضيات بحياة الذلّ والمهانة، وليس أمامهن الا التزام الصّمت، فلا تجرؤ احداهن أن تدافع مثلاً عن حقوق بناتها أمام أبنائها الذين كما قلنا يكرّروا مواقف بعض الأباء، لذا، لا غرابة أن نظل نرى كيف تسهم المرأة نفسها - دون أن تدري - في التقليل من شأن بنات جنسها وشأن المرأة عموماً. بالمقابل، ورغم كل ما تتعرّض له المرأة في مجتمعاتنا الشرقية، نجدها بدأت تبرز وتبدع في الميادين التي تخوضها، ونجد تلك المرأة التي ينظر إليها جزء من المجتمع على أنها كائن ضعيف، كيف بدأت تقاوم وتصمد أمام الأزمات والاختبارات، ولعل خير مثال على ذلك، النساء الأسيرات وأمهات الشهداء الصامدات في وجه المحتلّ ووجه بقايا المجتمع المتعنّت. وللأمانة والإنصاف، اقول نعم، هناك نّساء حصلن على مساحة مقبولة من الحريّة من قبل أبائهن وأزواجهنّ ومن قامات في مجتمعهن المحبّين والمتفهّمين والمتحضرين، وهن في تزايد، وحقّقن معجزات سبقن فيها الرجال، انهن بحق اولئك المؤمنات بأن الله سبحانه لم يخلقهن عبثاً، وليس للرجل لوحده أن يرسم لهن مستقبلهن كيفما يشاء، وفي يوم المرأة العالمي نوجه التحايا لهذه المرأة ولكل امرأة أبدعت في حياتها، واستطاعت اشعال الشموع في حياة البشرية، ودافعت عن الضعفاء وأنارت الطريق أمام أقرانها من الرجال. بالختام، أرى أنه يجب أن نستمر بحملات الوعي والتثقيف للشعوب لعلها تغير نظرتها الى المرأة، ولن يتمّ هذا برأيي إلا بالنّهوض العلمي والمجتمعي الممنهج الذي يقود إلى نهوض حقيقي للمرأة والمجتمع عموماً يشمل مختلف جوانب الحياة. (الدستور)
مشاركة :