جهود الكاظمي في مكافحة الفساد تصطدم بجدار «الاتحادية» العراقية

  • 3/8/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حتى الآن لا أحد يعرف فيما إذا كان مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته سيشكل، أم لا، الحكومة المقبلة التي لا يعرف أحد أيضاً متى سترى النور. وطبقاً لما يدور في أروقة السياسة العراقية فإن الكاظمي لا يزال أحد أقوى المرشحين رغم اصطدامه مع جهات مختلفة بشأن أكثر من ملف. الملفان المهمان اللذان كانا ولا يزالان مثار جدل هما السلاح المنفلت والعلاقة مع الفصائل المسلحة، وقضية مكافحة الفساد. قبل الكاظمي القادم من جهاز المخابرات ما بدا أنه تحديات كبيرة أمامه. لكنه وبسبب معرفته الدقيقة بكل التفاصيل والملفات بشأن كل ما يدور في عالم السياسة العراقية باطناً وظاهراً، كان قد تصور أن المهمة التي تصدى لها في ظرف بالغ الصعوبة وانطلاقاً من هذه الخلفية المخابراتية سوف تجعله قادراً على المناورة. طبقاً لكل المؤشرات، فإن الكاظمي في الوقت الذي نجح فيه بمهمات بدت للآخرين صعبة، بقي يناور في ملفات يعرف الجميع، وفي مقدمتهم خصومه، أنه ليس بمقدور أحد حسمها. الكاظمي نجح في إجراء الانتخابات المبكرة التي جرت في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بإرادة الكتل السياسية بينما كان أعلن استعداد حكومته لإجرائها خلال شهر يونيو (حزيران)، أي قبل نحو أربعة شهور من تأجيلها بطلب من الكتل السياسية. كان هذا أول تحدٍ نجح فيه الكاظمي. التحدي الآخر الذي سرعان ما تراجع عنه تكتيكياً لكنه بقي في دائرة المناورة هو ملف الفصائل المسلحة. ففيما بدا مستعجلاً لحسم هذا الملف مع أول شهرين من تشكيل حكومته حين قامت قوات أمنية بمداهمة وكر في منطقة البوعيثة واعتقال مسلحين متهمين بإطلاق الصواريخ، حصلت تداعيات خطيرة في وقتها أرغمته على التراجع. لم يستسلم بل ألقى الكرة في ملعب القوى السياسية الأخرى بما فيها تلك التي تتعاطف مع بعض الفصائل المسلحة حين بدا للجميع أن الأمر بات يتعلق بهيبة الدولة. بقي الكاظمي يناور مع الفصائل المسلحة ويفاوض الأميركيين على جدولة الانسحاب النهائي الذي تحقق نهاية العام الماضي. وبينما دعت الفصائل المسلحة العراقيين إلى التطوع في صفوفها لبدء مقاومة الأميركيين بعد نهاية يوم الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر (كانون الأول)، لكي تستأنف قتالها لهم كون أن الانسحاب الأميركي من وجهة نظرها مجرد مناورة، فإن شيئاً من هذا القبيل لم يحصل. نجح الكاظمي في جعل الأميركيين ينسحبون ونجح في نزع آخر ذرائع الفصائل المسلحة. المهمة الخطيرة التي تصدى لها الكاظمي والتي تشبه حسب قاموس السياسة العراقية كمن يدوس على رأس الجني (الشيطان) هي مكافحة الفساد. الأجهزة الكثيرة التي تتولى محاربة الفساد في العراق (ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية ومكاتب المفتشين العموميين) لم تتمكن من تغول الفساد في مختلف دوائر الدولة ومؤسساتها وتحوله إلى مافيات يصعب التصدي لها. شكل الكاظمي لجنة لمكافحة الفساد أطلق عليها «لجنة أبو رغيف» كون من يترأسها الفريق أحمد أبو رغيف وكيل وزارة الداخلية. أبو رغيف استقدم واعتقل كثيراً من المتهمين بالفساد من كتل وأحزاب وقوى مختلفة. لم يستطع أحد في البداية مقاومة إرادة مكافحة الفساد. لكن بعد فترة وجيزة وبسبب بدء هذه اللجنة بـ«التحرش» بالكبار، بدأت خيوط التحرك ضدها تنسج داخل الأروقة بمن في ذلك البحث عن ثغرات قانونية. بالفعل وجد مقاومو مكافحة الفساد ما بدا أنه ثغرة فذهبوا يطرقون باكين أبواب المحكمة الاتحادية بعد أن لطخوا قميص اللجنة بدم بدا للاتحادية ليس كذباً، استناداً للمواد القانونية التي كثيراً ما تكون جافة وجامدة لكن يمكن تطويعها لصالح من يريد احترام الدستور والقانون لتمشية ما يراه هو مناسباً له. أصدرت الاتحادية قراراً ألغت بموجبه لجنة أبو رغيف. فرح الجميع بذلك لأن الجميع متورط بالفساد سواء كانوا كتلاً أم أحزاباً أم شخصيات. بالأمس، أصدرت الاتحادية توضيحاً لقرارها أهم ما فيه أنه بات من تاريخ صدوره، وهو ما يعني لا أثر رجعياً له. والأهم أن الاتحادية التي بدا أنها خاضت كثيراً فيما هو سياسي رأت أن قرارها يستند إلى كون أن هناك هيئات منها هيئة النزاهة هي المكلفة بمكافحة الفساد. كما بينت أن «العامل الرئيسي لمكافحة الفساد يتمثل بضرورة وجود إرادة سياسية لمواجهته من خلال استئصال أسبابه وتصفية الآثار المترتبة عليه، وأن الفساد إذا كان هامشياً فإن ذلك يدل على وجود إرادة سياسية قوية تؤمن برفعة الوطن وخير المواطن، أما انتشار الفساد فإنه يدل على ضعف تلك الإرادة وعدم امتلاكها القدرة على بناء الوطن بشكل صحيح». وبيْن أن يكون قرار الاتحادية قانونياً أم سياسياً، يرى الخبير القانوني فيصل ريكان في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنه «مع الأخذ بأن قرارات المحكمة الاتحادية محترمة وواجبة التنفيذ، فإنني ولأول مرة أشعر بأني لا أتفق مع ما تم اتخاذه من قرار من قبل المحكمة». وأضاف أن «المحكمة الاتحادية ذكرت في حيثيات قرارها أن لجنة مكافحة الفساد قد خالفت أحكام المادة 37 من الدستور»، مبيناً أنه «في هذه النقطة أرى أن اللجنة التحقيقية تشكلت للتحقيق وفق ما يمتلكه رئيس مجلس الوزراء من صلاحيات في تشكيل اللجان التحقيقية، وليس من المعقول أن يقوم مديرون عامون في الوزارات التابعة لرئاسة الوزراء بتشكيل لجان ولا يسمح لرئيس أعلى سلطة تنفيذية بتشكيل لجنة تحقيقية». وأوضح ريكان أن «الاتحادية بينت أن الأمر الديواني بتشكيل اللجنة يخالف مبدأ الفصل بين السلطات، لكن كيف يسمح لضباط مراكز الشرطة بالتحقيق وهم من رجال الجهاز التنفيذي؟»، مستطرداً أن «لجنة مكافحة الفساد لم تقم بإلقاء قبض أو إطلاق سراح متهم من دون صدور أمر قضائي، كما أن نتائج تحقيقها تعدّ توصيات تعرض على المحكمة المختصة وهي من تتخذ القرار المناسب بحق المتهم». وأكد ريكان أن «الأهم هو أن هذه اللجنة قد استطاعت خلال فترة تشكيلها من الكشف عن قضايا فساد كبيرة وتم الحكم فيها على كثير من المدانين من قبل القضاء».

مشاركة :