قالت مصادر سياسية ليبية إن رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة رفض وساطة تركيا بينه وبين رئيس الحكومة الجديدة فتحي باشاغا لتجنب تصعيد عسكري محتمل، وهو ما يبدو أنه قد عزز لديه تخوّفا من انفراط عقد حكومته، حيث حث وزراءه على “اتخاذ قراراتهم بجرأة وشجاعة”. وأضافت المصادر المقربة من رئيس الحكومة الجديدة لـ”العرب” أن “الأتراك لم يعرضوا بعد فحوى الوساطة وأنهم سعوا مبدئيا للحصول على موافقة الطرفين لكن الدبيبة رفض وأصر على الخيار العسكري في حين قبل فتحي باشاغا بالوساطة التركية”. وتشير الوساطة التركية إلى اعتراف أنقرة بحكومة باشاغا ما يعني نهاية حكومة الدبيبة، وهو الأمر الذي يدركه؛ لذلك رفض الوساطة، ما يعني أنه اختار المواجهة العسكرية. والتقى الدبيبة الأحد السفير التركي في طرابلس كنعان يلماز. وبحسب المكتب الإعلامي للحكومة المنتهية ولايتها فقد تم بحث التطورات السياسية ومستجدات العملية الانتخابية الليبية. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبدى في تصريحات سابقة حيادا تركيا بشأن الصراع على السلطة بين باشاغا والدبيبة، وهو ما اعتبر تراجعا تركيًّا عن دعم ما يسمى بـ”حكومة الوحدة الوطنية”. وقال أردوغان حينئذ “أعلن فتحي باشاغا ترشحه. علاقاتنا مع فتحي باشاغا جيدة. من ناحية أخرى (العلاقات) طيبة أيضا مع الدبيبة”. وقدمت تركيا الدعم العسكري والتدريب لحكومة الوفاق الوطني الليبية السابقة التي شغل فيها باشاغا منصب وزير الداخلية، وساعدتها في صدّ هجوم استمر عدة أشهر على العاصمة طرابلس من قبل الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر. ولا يزال لدى أنقرة عسكريون ومرتزقة سوريون في ليبيا. وينظر إلى موقف تركيا على أنه القادر على حسم التنافس ومنع تشكل حكومتين في طرابلس. ويقول مراقبون إن من مصلحة تركيا اليوم دعم التوافقات الليبية خاصة في ظل أجواء التهدئة التي تحيط بالمنطقة بعد المصالحة مع الإمارات ومساعي تسوية الخلافات مع مصر. ويرى هؤلاء المراقبون أن دعم حكومة باشاغا يعني تمدد النفوذ الاقتصادي التركي إلى الشرق والجنوب وكسب موقف ليبي موحد بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي لقيت سابقا رفضا من قبل البرلمان، وهو ما سيعزز موقف أنقرة أمام اليونان، أما مساندة الدبيبة فتعني انحصار النفوذ في المنطقة الغربية حيث القواعد العسكرية التركية. وطالب الدبيبة الأحد وزراء حكومته بالاستمرار في مهامهم، مجددا رفضه تسليم السلطة إلا لحكومة منبثقة عن برلمان جديد منتخب من الشعب. وفي كلمة له أثناء افتتاح اجتماع لمجلس الوزراء في العاصمة طرابلس طالب الدبيبة وزراءه بـ”عدم الالتفات إلى الشائعات التي يجري ترويجها، واتخاذ قراراتهم بجرأة وشجاعة”. من مصلحة تركيا اليوم دعم التوافقات الليبية، خاصة في ظل أجواء التهدئة التي تحيط بالمنطقة ووجه باشاغا الخميس خطابا إلى مؤسسات الدولة والجهات الرقابية والقضائية أمرها فيه “بعدم الاعتداد بأي قرارات صادرة عن حكومة الوحدة” التي وصفها بـ”المنتهية الولاية”. وانتهت ولاية حكومة الدبيبة في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي، التاريخ الذي حدده ملتقى الحوار موعدا لانتخابات رئاسية فشلت الحكومة في إجرائها. وتتصاعد مخاوف من انزلاق ليبيا مرة أخرى إلى انقسام سياسي أو حرب أهلية في ظل تمسك الدبيبة بالسلطة ورفضه الوساطة التركية. ويثير تلويح الدبيبة بالحرب استغراب المحللين، حيث يميل ميزان القوى العسكري لصالح باشاغا الذي يحظى بدعم كبرى المجموعات المسلحة في المنطقة الغربية وأيضا الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر في المنطقة الشرقية. ويحاول الدبيبة تدارك ضعفه العسكري من خلال السعي لاستمالة القادة العسكريين في المنطقة الغربية؛ إذ التقى الأحد رئيس أركان الجيش في حكومته محمد الحداد، ومدير إدارة الاستخبارات العسكرية آمر المنطقة العسكرية الغربية أسامة الجويلي. وأتى اللقاء في ظل أنباء متواترة تفيد باستعداد باشاغا لدخول العاصمة عن طريق الزنتان التي ينتمي إليها الجويلي وتمتلك نفوذا عسكريا غرب البلاد. ويرجح مراقبون أن يكون الدبيبة قد بحث موضوعين مع الجويلي؛ يتمثل الأول في التصدي لهبوط طائرة باشاغا في مطار الزنتان، أما الثاني فيتمثل في إعادة فتح صمام الرياينة الذي يغذي مصفاة الزاوية من حقليْ الشرارة والفيل، والذي أغلقته مجموعة من حرس المنشآت النفطية احتجاجا على تأخر صرف رواتبهم. وأمر الدبيبة الإثنين غرفة العمليات الأمنية المشتركة باتخاذ إجراءات عاجلة لفتح صمامات خط نقل النفط من حقلين نفطيين. ووفق أمر تكليف صادر عن الحكومة الليبية، نشرته قناة “ليبيا الأحرار” (خاصة)، فإن الدبيبة “بصفته وزيرا للدفاع أعطى تعليماته إلى آمر غرفة العمليات المشتركة في المنطقة الغربية باتخاذ كل الإجراءات اللازمة بصورة عاجلة لفتح صمامات خط نقل حقلي الشرارة والفيل (جنوب)”. وجاء في أمر التكليف أن الإجراء يأتي بعد إغلاق الصمامات من قبل “مجموعات خارجة عن القانون”. والأحد أعلنت مؤسسة النفط الليبية حالة “القوة القاهرة” في حقلين نفطيين أحدهما الشرارة، أكبر الحقول في البلاد، بعد إغلاق مسلحين صمامات ضخ الخام إلى موانئ التصدير. وقالت المؤسسة في بيان إن “إغلاق صمامات ضخ الخام من حقليْ الشرارة والفيل، يتسبب في فقدان 330 ألف برميل يوميا، وخسارة يومية تتجاوز 160 مليون دينار ليبي (34.8 مليون دولار)”. وكانت المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز دعت الاثنين في تغريدة إلى رفع إغلاق حقول النفط، قائلةً إن “تعطيل إنتاج النفط يحرم جميع الليبيين من مصدرهم الأساسي للدخل”. وطالب السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند بإعادة خدمات الطيران بين الشرق والغرب الليبيّيْن التي توقفت منذ الخميس الماضي، كما طالب بإنهاء الحصار النفطي على الفور.
مشاركة :