يؤكد الكثير من الفنانين أن أحدهم لا يتخلى عن جذوره مهما باعدت بينهما الظروف والأزمان، فالفن نشاط إبداعي متصل، وقد يدرس أحدهم النحت ويصير شاعرا وآخر يدرس المسرح ويصير موسيقيا وثالث يدرس المسرح فيعمل في التلفزيون والسينما. فالجذر شيء والمسار شيء آخر. وفي سوريا يتعلم الفنانون التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية، ثم يصيرون جزءا من المشهد التلفزيوني الكبير. والممثل تيم حسن واحد من المشاهير الذين عاشوا هذه التجربة. تبدو جدلية الفنان بين التلفزيون والمسرح في أوضح تجلياتها بشخص الفنان السوري تيم حسن؛ فتيم نجم تلفزيوني عربي يشكل حالة فنية متوهجة، لكنه في جذره الفني والمعرفي فنان مسرحي، درس في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق وتخرج فيه. ورغم هذا الجذر المسرحي غاب عن الظهور في المسرح بعد تخرجه منذ ما يزيد عن العشرين عاما، لكنه في مسار مواز صنع مجدا عاليا في دراما التلفزيون والسينما. وكانت مكانة تيم في دراما التلفزيون عربيا سببا حتميا في الاهتمام الجماهيري والإعلامي غير المسبوق الذي حظي به في لقائه بطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية ضمن فعالية ملتقى الإبداع. لكن المسرح كان حاضرا في اللقاء، كحضن فني جمع بين فنان شهير تخرج فيه وطلاب يطمحون إلى صناعة ولو جزء مما حققه مهنيا. وستكون هذه الجدلية مثار حوارات ساخنة بين رأي يرى فيها استعراضا إعلاميا لفنان تلفزيوني شهير ورأي آخر يرى فيها حالة طبيعية في مسار حياتي وفني فرضه واقع عالمي يقوم على فنون جديدة ومستحدثات وليدة صارت لغة العصر بحيث لا يمكن للإنسان إلا أن يأخذ بها ويصير جزءا من حراكها. ومن المؤكد أن إدارة المعهد العالي للفنون المسرحية وملتقى الإبداع كانت تعي هذه المسألة وإمكانية ظهور هذا الجدل، لكنها باتساقها مع فكرة العصرنة وجدت أن التقاء تيم حسن خريج المسرح والنجم التلفزيوني بطلاب المعهد في لقاء أكاديمي عن الدراسة وما بعدها سيوفر للطلاب فرصة نادرة تسمح بالحوار المباشر مع فنان جمع الحالين معا، وهو الموضوع الذي قد يكون حلما للكثيرين منهم. وذهب تامر العربيد عميد المعهد إلى تأكيد تفعيل الحضور الأكاديمي للفنانين المسرحيين واستعراض تجاربهم أمام الطلبة حتى لو كانت شهرة أحدهم خارج سياقات المسرح. ولم يخف تيم ذاته حساسية هذا الموضوع، فعندما سؤل عنه من أحد الطلبة وعن رأيه في حل هذه العلاقة الشائكة بيّن في جوابه أن الأمر يتعلق بخيار الشخص نفسه في أن يذهب إلى العمل في المسرح ويختصر خياراته فيه أو يتجه نحو دراما التلفزيون حيث العمل والمال والشهرة، وهو يرى أن المسرحيين -وهو منهم- مقصرون في التوجه نحو المسرح ويجب الاهتمام به أكثر، وموضوع المسرح -حسب رأيه- وحضوره يشهدان للأسف تراجعا في معظم دول العالم. حنين إلى البدايات تيم حسن يتحدث بكثير من العمق عن الفرقبين التمثيل والتقليد، منبّها الطلاب إلى خطر الوقوع في فخ التقليد “عصف من الذكريات وحنين إلى أشخاص ولحظات وأمكنة وكثير من الشجن نحو أزمان وآمال، وشغف إلى أحلام وانكسارات عشتها في هذا المكان، أحن إليها بكل جوارحي، خاصة في هذا الجو الدمشقي الماطر الذي أعشقه”، هكذا بدأ تيم حسن حديثه مع الطلاب في ملتقى الإبداع في قلب دمشق وداخل مسرح سعدالله ونوس. في اللقاء الثالث للملتقى مع الطلاب بعد منى واصف وغسان مسعود، وكما كان متوقعا في حسابات تامر العربيد، كان الحدث جماهيريا، فقد استقطب أعدادا كبيرة من المختصين والإعلاميين وغيرهم. مما دفعه إلى اعتماد صيغة تنظيمية خاصة بالحدث. فبطل أعمال “الملك فاروق” و”ميكانو” و”الإخوة” و”ربيع قرطبة” و”صقر قريش” و”العميد” و”الهيبة”، أوجد بينه وبين الناس وشائج حب عميقة، ترجمها جمهوره بحضور مكثف في جنبات المكان مما منع إمكانية استيعاب مسرح سعدالله ونوس لعدد الوافدين، فكان الحل إيجاد شاشة كبيرة في المسرح الدائري الموازي حيث حضر جمهور آخر غفير. وعلى امتداد ما يقارب الخمس ساعات كان تيم حسن عنوانا للحدث، بدءا من متابعة مقاطع مسرحية وموسيقية وراقصة أعدت لاستقباله ثم الحوار المطول مع الطلبة في المسرح وما تلاه في المؤتمر الصحافي الذي عقد في بهو المعهد وأخيرا لقاءات صحافية سريعة ومتنوعة. بين التمثيل والتقليد تيم نجم تلفزيوني عربي يشكل حالة فنية متوهجة، لكنه في جذره الفني والمعرفي فنان درس في الفنون المسرحية في حواره مع الطلبة تحدث تيم حسن بالكثير من العمق عن الفرق بين التمثيل والتقليد، منبها الطلاب إلى خطر الوقوع في سجن التقليد. فهو يرى أن التقليد فن جميل وله جوه وناسه لكنه خطير على الممثل، لأنه سيجعله مؤطرا ومكررا، والممثل حين يقوم بالتقليد سيقلص مساحته المهنية، بينما الإبداع هو الأمر الذي يتطلبه فن الممثل، فهو ليس مقلدا بل إنسان يمتلك موهبة خاصة في متابعة الأشخاص في الحياة ليختزن في ذاكرته الكثير من الأقوال والحركات التي تشكل مخزونا مهنيا حياتيا كبيرا له، يستحضره بطريقة لاشعورية عندما يقدم شخصية محددة. وبيّن حسن أنه انتبه إلى هذه المسألة منذ أن كان في السنة الثانية في المعهد، وعزف عن التقليد رغم أنه كان من محبي التقليد مع زملائه سواء في خلواتهم الدراسية أو حتى خلواتهم الشخصية. ورأى أن بعض الفنانين الكبار كانوا يقومون بالتقليد، منهم النجم الكبير أحمد زكي، ومع ذلك لم تتأثر مكانتهم الفنية بهذا، لكن ذلك يبقى خطرا على الممثل. وإثر سؤال آخر عن الشخصية التاريخية وطرق تناولها، بين الممثل أن ذلك موضوع سيتعرض له بالضرورة الممثل في حياته المهنية، وهو يرى أن الشخصية التاريخية تحتاج إلى الكثير من التحضير والدراسة والبحث، لأنها محاطة بالكثير من التفاصيل التاريخية التي تكون متناقضة أحيانا، وعلى الفنان أن يعي كل ذلك في تاريخ الشخصية، وأن يحضر جيدا لها ويضيف إليها من شخصيته ومخزونه. فبعض الشخصيات التاريخية ملتبسة؛ فإذا استسهل الممثل تحضير الشخصية سيكون أداؤه لها ضمن ما هو متعارف عليه من أشكال محددة تجعلها متكلسة، خاصة إن كانت وجهة نظر المخرج تذهب في هذا الاتجاه، بينما يجب على الممثل أن يطوعها ويضيف إليها من روحه ليكسبها المرونة التي تجعلها بعيدة عن هذه الحالة وأقرب إلى الناس ونبضهم. يسأله أحد الطلبة عن الفرق بين مدرستي الأداء في سوريا ومصر، فيجيب بأن الفرق بين المدرستين يكمن في البعض من وجوه آلية التنفيذ؛ إذ تغلب على المدرسة السورية مسألة التصوير في الأجواء الخارجية، حيث الأماكن الطبيعية من غابات وشوارع وبيوت وقصور، بينما تعتمد المدرسة المصرية على نظام الأستوديوهات. وهي آلية منظمة منضبطة تحكمها تقاليد مهنية أصيلة وقد حققت نجاحات هامة، لم يعرف المشاهد بعد تنفيذها أنها كانت في أستوديوهات، كما حدث في مسلسل “الملك فاروق” حيث كان من المفترض تصوير جزء من المشاهد في الأماكن الحقيقية وهي القصور الملكية، لكن الأمر لم يتم، فكان الحل تصويرها داخل أستوديو، ولم يعرف الناس أنها كانت خارج القصور لشدة التمكن من التنفيذ الصحيح خاصة في أعمال الديكور. أما من ناحية التمثيل والحالة الشعورية التي يتبناها الفنان في تقديم الشخصيات فليست هنالك فوارق في المدرستين وكلتاهما متميزتان في ذلك. وفي حديثه عن فن الكوميديا رأى تيم حسن أن الزمن الصاخب الذي نعيش فيه الآن والحراك العنيف الذي ولد الكثير من المصاعب في دول العالم يجعلان مزاج تقبّل الكوميديا بعيدا، وهو يعارض الفكرة التي تقول إن هذا الزمن المليء بالحروب والفوضى أحوج ما يكون إلى فن الكوميديا. فهي تحتاج إلى مزاج خاص غير موجود حاليا عند كل الناس. كما ألمح إلى مشروع كوميدي قديم يربطه بالكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو لكن الظروف المهنية لم تسمح بتنفيذه حتى الآن. رسالتا حب PreviousNext من المغرب قدم الفنان محمد مفتاح رسالة إلى طلاب المعهد وصديقه تيم بدأها بلهجته المغربية المحببة: “توحشناكم كتير، توحشنا الشام وأهل الشام، توحشنا باب توما والسبع بحرات والصالحية والمالكي والمزة اوتستراد والشيخ سعد يا سلام… “. وتابع “الحديث عن المنارة التي هي المعهد العالي للفنون المسرحية كلام هام، فكل الناس الذين تخرجوا من هذا المعهد صاروا نجوما كبارا، ليس في سوريا فحسب بل في العالم العربي. فالمعهد يعلم الفنان كيف يصبح نجما، والأساتذة فيه يجتهدون في التدريس لتأهيل الشخص كي يكون في مستوى تطلعات المتلقي”. ورأى محمد مفتاح أن تيم حسن “سطع نجمه بلقائه الثنائي وليد سيف الذي أعتبره سلطان الدراما العربية وحاتم علي المخرج الكبير، الذي راهن على مجموعة من الممثلين وكان رهانه على تيم حسن في أن يكون له مقام عال في الفن، وبالفعل برق نجمه في عدة أعمال منها: ‘صلاح الدين الأيوبي’ الذي لعب فيه دور الملك العاضد، ثم الدور الذي لا يعاد محمد بن أبي عامر في مسلسل ‘ربيع قرطبة’ ثم في عمل لا ينسى أبدع فيه تيم وهو مسلسل ‘ملوك الطوائف’ في دور المعتمد بن عباد شاعر الأندلس. وكذلك في دور الملك فاروق حيث لعب شخصية مصرية لها مكانة خاصة، وكان صعبا على أي ممثل أن يقوم بها لولا أنه يتمتع بموهبة كبيرة وحرفية هائلة”. وقدم رفيق علي أحمد الفنان المسرحي اللبناني مداخلة في الحوار توجه بها إلى طلاب المعهد وإلى تيم حسن قال فيها “طلاب المعهد العالي، ليكن في علمكم أن التمثيل ليس مهنة بل حرفة قوامها الموهبة والشغف وسعة المعرفة، ثم يأتي دور المعهد، وأقول لكم بأن تطمئنوا وتشعروا بالأمان في معهدكم الذي تفوق وأخرج قامات وأعلاما في فن الأداء، فأثّروا وأثروا الحركة الفنية على مستوى العالم العربي. شكرا لأساتذتكم الخبراء ولإدارتكم التي زودتكم بمناهجها الحكيمة التي تعلمكم”. وخاطب الفنان قائلا “تيم حسن ما هو إلا مثل ومثال على إنجازات معهدكم، وعدا عن مودتي له وإعجابي الشديد بحرفيته الأدائية ومثابرته وإصراره الدائبين على البحث عن كل جديد ومتجدد في كل شخصية يلعبها فإني أدعوكم إلى أن تصيخوا السمع لما سيقول، فعنده الغالي والنفيس من التجربة والحكمة ورفعة الذوق في حياته اليومية والحرفية. سلاما يخرج من القلب ويدخل الشام من أبوابها السبعة”.
مشاركة :