نظم «مركز تريندز للبحوث والاستشارات»، مساء أمس الأول، الأربعاء، بالشراكة مع أكاديمية ربدان، حلقة نقاشية بعنوان: «الأزمة الأوكرانية: التداعيات الاستراتيجية والاقتصادية إقليمياً وعالمياً»، وتوصلت المداخلات التي قدمها المشاركون إلى استنتاجات مهمة، أكدوا خلالها أن العالم ما زال يعاني من أزمة «كوفيد- 19» وتداعياتها، ولذلك لا يستطيع تحمل حرب واسعة النطاق تضيف إلى الأعباء والمخاطر القائمة، والآثار الإنسانية وأيضاً الاقتصادية القاسية المتعلقة بارتفاع معدلات التضخم وأزمة الطاقة. ومن الضروري بذل كل جهد ممكن لتسوية هذه الأزمة بالطرق السلمية. ودعا الباحثون المشاركون في الحلقة إلى تفادي الاستقطاب والتمسك بالقانون الدولي كأساس لتسوية الأزمة، وأن التداعيات الإنسانية للحرب الدائرة في أوكرانيا تستوجب بذل مزيد من الجهود الدولية لمساعدة النازحين ومن اضطروا للهروب من الحرب. أكد الدكتور محمد العلي، الرئيس التنفيذي لـ«مركز تريندز للبحوث والاستشارات»، في مستهل الحلقة النقاشية أن الحرب الروسية - الأوكرانية تثير تفاعلاتها وتطوراتها العديد من المخاوف الإقليمية والعالمية المتعلقة بخطر اتساعها لتضع العالم برمته على حافة الانزلاق، ربما في أتون حرب عالمية جديدة مدمرة. وأضاف، أن هذه الحرب تثير الكثير من الجدل والتساؤلات حول تداعياتها المختلفة، الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية، إقليمياً وعالمياً، خاصة في ظل التقديرات الأولية التي تشير إلى أن نتيجة هذه الحرب والتداعيات التي ستخلفها سترسم، إلى حد كبير، ملامح النظام العالمي المستقبلي. إعلاء صوت الحكمة وأكد الدكتور العلي، أن الحلقة النقاشية التي أتت بالشراكة مع أكاديمية ربدان، جاءت لبحث التطورات المتعلقة بهذه الأزمة ودراستها للوقوف على مختلف أبعادها وتداعياتها، ورسم سيناريوهاتها المحتملة، وتحديد تأثيراتها في المنطقة والعالم، من أجل تعزز الاتجاهات الداعمة للسلام والتنمية والازدهار، مشدداً على ضرورة إعلاء صوت الحكمة وتغليب المصلحة العامة للشعوب، والجلوس إلى مائدة المفاوضات وإجراء الحوارات البناءة، لأن العالم ليس بحاجة إلى حروب مدمرة. أزمة إنسانية بدورها، أوضحت مديرة الحلقة النقاشية أمل البريكي، نائبة رئيس قسم الدراسات الاستراتيجية في «تريندز»، أن الأمم المتحدة تخشى أن يبلغ عدد المشردين الأوكرانيين نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية سبعة ملايين في نهاية المطاف. ونوهت إلى أن هذه الحرب قد تؤدى أيضاً إلى استفحال الأزمة الإنسانية الحالية، وقد تترك الملايين في حالة مجاعة. تحديات الطاقة وأكد «ستيفن سكالت» الباحث الرئيسي، بقسم الدراسات الاقتصادية في مركز «تريندز للبحوث والاستشارات»، أنه بالنظر إلى أهمية روسيا كمورد للطاقة، فإن أي انخفاض كبير وسريع، في صادراتها من الطاقة سيؤثر تأثيراً كبيراً في الأسواق العالمية على المدى القريب. ونتيجة للأزمة، تسعى الدول الأوروبية جاهدة إلى تقليل اعتمادها على مصادر الطاقة المستوردة، والاتجاه إلى إنتاج أكثر تنويعاً يضمن استقلاليتها في هذا المجال ويجعلها في أمن من الأحداث الخارجية. ولدى «سكالت» قناعة بأنه في ظل انعدام القدرة على سد النقص المحتمل في صادرات الخام الروسية بشكل كامل وفوري، سيركز العمل الدولي المنسق على زيادة الإنتاج لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط تدريجياً واستعادة توازن العرض والطلب عند مستويات أسعار منخفضة. وتوصل «سكالت» إلى قناعة بأن أمن الطاقة وموثوقيتها سيحتلان الصدارة في التخطيط على المدى الطويل، وسيكون من اللازم التوفيق بين هذه الأولويات والاستدامة وتغير المناخ بحيث يمكن تحقيق الهدفين معاً. من اليمين: آنا دولديز وجون جورج هاتزدوني وأولي بيكا سورسوا وعلياء العوضي أثناء الحلقة النقاشية من اليمين: آنا دولديز وجون جورج هاتزدوني وأولي بيكا سورسوا وعلياء العوضي أثناء الحلقة النقاشية أوكرانيا.. الغربية والشرقية! وقدّم الدكتور كريستيان الكساندر، رئيس قسم الدراسات الاستراتيجية بمركز تريندز للبحوث والاستشارات، مداخلة أوضح خلالها أن العملية الروسية في أوكرانيا أسفرت عن حملة عقوبات شاملة شنتها الدول الغربية ضد موسكو، تتضمن إغلاق المجال الجوي وتطبيق إجراءات تقييدية تستهدف العديد من المسؤولين والجهات ووسائل الإعلام والمؤسسات المالية الروسية. ورصد الكساندر ما اعتبره اختلافات في المواقف الإقليمية والدولية تجاه الأزمة الأوكرانية بسبب بعض القضايا السياسية، مثل العوامل الجيوسياسية والضغوط الاقتصادية والمخاوف الأمنية. وطرح الكساندر تنبؤاً حول السيناريو المستقبلي المحتمل للأزمة، مشيراً ألى أنه يتوقف على المسار الذي ستتخذه الحرب، وما تترتب عليها من تساؤلات من أهمها: هل ستتصاعد الأزمة؟ هل ستؤدي الحملة العسكرية إلى الاستيلاء على أراض مهمة، ومن ثم إلى إنشاء دولتين متنافستين: أوكرانيا الغربية وأوكرانيا الشرقية؟ أميركا والصين وذكر كريستيان ألكساندر، أن هناك اختلافاً وتبايناً بين الدول في التعاطي والتعامل مع الأزمة، فإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تفاعلت بقوة مع الأزمة الأوكرانية - الروسية ودعمت القضية في مجلس الأمن والأمم المتحدة وفرضت حزماً متتالية من العقوبات على روسيا، كما أن ألمانيا التي تدعم أوكرانيا بكثافة عبر فرض المزيد من العقوبات وتجميد أرصدة مستثمرين روس، إلى جانب دعم الشعب الأوكراني بالمساعدات الإنسانية والمعلومات الاستخباراتية والدعم العسكري، فضلاً عن العمل حالياً على استقبال اللاجئين الأوكرانيين. بالنسبة للصين، فإنها -حسب ألكساندر- تعمل على تهدئة الأزمة، مستثمرة علاقتها الطيبة مع الحكومة الروسية، وتدعم بكين موسكو في المحافل الدولية كافة أيضاً، باعتبارها حليفاً استراتيجياً في مواجهة الولايات المتحدة، وفي ظل هذه المواقف الدولية المتباينة نجد أن تداعيات الصراع تلقي بظلالها الثقيلة على مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين، ما ينذر بكارثة إنسانية وحركة نزوح للملايين. القمح والنفط وقدمت علياء العوضي، الباحث بقسم الدراسات الاقتصادية في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، مداخلة حول التداعيات الرئيسية للأزمة على بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مستنتجة أن الأمر بتعلق بسلعتين أساسيتين تعتبران من أهم الصادرات الروسية التي تهددها العقوبات في الوقت الحالي، وهما النفط والقمح. وتوصلت إلى استنتاج بأن العقوبات على روسيا شكلت صدمة اقتصادية كلية سيكون لها تأثيرات واسعة على جميع أنحاء العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولكن هذه التأثيرات لن تطال جميع البلدان بالتساوي، كما هو حال جميع الصدمات. الأزمة جاءت كآخر حلقة في سلسلة من الأحداث المؤسفة التي ضربت الاقتصاد العالمي، خصوصاً أن التعافي أصبح بطيئاً بعد جائحة «كورونا»، ولم يلبث أن واجه عقبة أشد فتكاً وتأثيراً من الجائحة. واستنتجت العوضي أن العقوبات على روسيا جاءت كصدمة اقتصادية كلية ذات تداعيات بعيدة المدى محسوسة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك منطقة «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». مخاوف جيوسياسية وأشار الدكتور أرسن سابروف، أستاذ مساعد في برنامج الأمن الوطني بأكاديمية ربدان، إلى أن السبب وراء الأزمة الحالية في أوكرانيا يكمن في التهديد الذي تشعر به روسيا على أمنها الجيوسياسي، وأن الرئيس فلاديمير بوتين وضع نفسه في موقف لا يستطيع في الوقت الحالي التراجع عنه. كما ترى القيادة الروسية أن هناك «مطالب مشروعة» تحتاج إلى التطبيق، منها منع انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، ومنعها من امتلاك أسلحة نووية وقوات عسكرية متطورة أيضاً كي لا تهدد أمن روسيا القومي. ويرى الدكتور أرسن سابروف أن هناك إصراراً روسياً على منع انضمام أوكرانيا لحلف «الناتو». من اليسار: كريستيان الكساندر وستيفن سكالت وأرسن سابروف من اليسار: كريستيان الكساندر وستيفن سكالت وأرسن سابروف إعادة تشكيل العلاقات الدولية وفي مداخلتها بالحلقة النقاشية، أكدت الدكتورة آنا دولديز، أستاذ مشارك- برنامج الشرطة والأمن، في أكاديمية ربدان، أن الحرب في أوكرانيا ستعيد تشكيل العلاقات الدولية، محذرة من خسائر بشرية واقتصادية وسياسية جراء الحرب الراهنة وأكدت أن الأحداث المتعلقة بالأزمة الأوكرانية هي اختبار جاد للنظام العالمي، الذي نعرفه في وقتنا الراهن. تداعيات اقتصادية وتطرق الدكتور جون جورج هاتزدوني الأستاذ المساعد ومدير برنامج الأمن الوطني في أكاديمية ربدان، إلى العديد من الإجراءات تم اتخاذها لإضعاف الاقتصاد الروسي، بحيث يصبح غير قادر على مواصلة تمويل الصراع، مضيفاً أن فصل اقتصاد مثل اقتصاد روسيا عن النظام العالمي في غضون أسبوع واحد هو مشهد مذهل ومرعب بكل المقاييس. وأضاف: «حينما ننظر إلى الهجوم الروسي، نجد العالم قد تحرك واتخذ إجراءات حازمة بتجميد أرصدة وأصول بالمليارات خاصة بمستثمرين روس، إضافة إلى توقف جزء كبير من حركة التجارة الروسية»، موضحاً أن الوضع الاقتصادي في روسيا قد يشهد المزيد من الصعوبات في الفترة المقبلة. جرس إنذار وشارك الدكتور «أولي بيكا سورسوا»، الأستاذ المساعد ببرنامج الأمن الوطني في أكاديمية ربدان، بمداخلة أكد خلالها أنه بالنسبة للعديد من الدول أصبح الصراع الروسي - الأوكراني جرس إنذار رئيسياً، لكي تسعى بجد إلى تنويع علاقاتها الدولية من أجل التخفيف من آثار وحدَّة الأزمة على المستويين الاستراتيجي والاقتصادي. واستنتج «سورسوا» أنه لا يمكن لأي بلد أن يعيش في معزل عن العالم، ولكن لو نجحت روسيا تحقيق أهدافها في أوكرانيا بالكامل، ستصبح الدول المجاورة في حالة تهديد مستمر. وأشار إلى أن دول «الناتو» تعمل على تقوية وجودها في منطقة البحر الأسود تحسُّباً لأي تطورات مستقبلية قد تحدث في أوكرانيا. خلاصات واستنتاجات في ختام الحلقة النقاشية أكدت سمية الحَضرمي مدير إدارة المؤتمرات والاتصال الاستراتيجي في «تريندز»، أن العالم ما زال يعاني من أزمة «كوفيد- 19» وتداعياتها، ولذلك لا يستطيع تحمل حرب واسعة النطاق تضيف إلى الأعباء والمخاطر القائمة. ومن الضروري بذل كل جهد ممكن لتسوية هذه الأزمة بالطرق السلمية. وأضافت، أن ثمة حاجة ملحة إلى تفادي الاستقطاب والتمسك بالقانون الدولي كأساس لتسوية الأزمة، وأن التداعيات الإنسانية للحرب الدائرة في أوكرانيا تستوجب بذل مزيد من الجهود الدولية لمساعدة النازحين ومن اضطروا للهروب من الحرب. وحسب الحضرمي، تدعو العواقب الاقتصادية الخطيرة التي تواجهها روسيا، وبقية العالم، جراء العقوبات الاقتصادية، بقوة إلى ضرورة وضع إطار حوكمة تقرر بموجبه الظروف والوسائل التي ينبغي في ظلها فرض عقوبات اقتصادية مدمرة. وترى الحضرمي أنه بعد النزاع الروسي - الأوكراني وتداعياته سيصبح أمن الطاقة وموثوقيتها في الصدارة من حيث تخطيط الطاقة على المدى الطويل. ونظراً إلى خطورة تأثيرات هذا النزاع على الأمن الغذائي العالمي، ينبغي النظر إلى الأمن الغذائي الوطني بمنظور المدى الطويل، والتفاوض حول السياسات التي تقي من صدمات الاقتصاد الكلي المحتملة. ولفتت الحضرمي إلى أن التفاعلات التي صاحبت الأزمة الروسية - الأوكرانية على منصات التواصل الاجتماعي كشفت عن تحيز متأصل في الطرق التي تنشر بها الأخبار. ولمعالجة هذا الواقع، يجب إنشاء منصة إعلامية حكومية دولية تلتزم بمعايير الشفافية والوضوح والموضوعية. ورجحت في التوصيات والملاحظات الختامية أن تستمر شدة ارتفاع الموجات التضخمية بسبب هذه الأزمة العالمية، وهذا يتطلب العمل المشترك من أجل احتواء الموجات التضخمية وتقليل تداعياتها على الاقتصادات الوطنية والفئات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة.
مشاركة :