هل تعود إيران إلى ضخّ النفط فتزيد بلة في طين فائض المعروض منه، أم أنها تحتاج مزيداً من الوقت للعودة إلى سوق الطاقة؟ ليس سؤالاً مهماً أبداً! هل ضرب إعصار فوائض النفط مصافي النفط الصخري الأميركيّة؟ ليس أمراً مهماً أيضاً. هناك من يفكر بإحداث اختراق أساسي في علاقة البشر مع الشمس وطاقتها، في عودة إلى زمن الحضارات القديمة ما قبل الوقود الأحفوري. وغالباً ما يذكر ذلك بمصطلح «العودة إلى حضارة الشمس». الأرجح أنه مع ميل الدول الكبرى الى تبني سياسة التنوّع في مصادر الطاقة بديلاً للاعتماد آحادياً على الوقود الإحفوري (نفط وغاز وفحم حجري)، صار موضوع الطاقات البديلة Alternative Energies المتغيّر الأبرز في المشهد العالمي للطاقة. ويخمّن الخبراء أن البترول والغاز سيكونان متاحين على مدى الخمسين سنة المقبلة، وبعدها يصبح ذلك المصدر شحيحاً. وتعتبر هذه فترة وجيزة نسبياً، خصوصاً أنّ البدائل المطروحة لا تزال في بداياتها، وفي مقدمها استخدام الطاقات المتجددة. وبذا، بات تطوير تلك الطاقات أمراً في مستقبل منظور. خيوط الضوء وتاريخها يصف المتحمّسون للاستغناء عن الطاقة المُلوّثة تاريخ علاقة الإنسان مع الطاقة، بأنها بدأت مع «حضارة الشمس»، بمعنى أن الحضارات القديمة اعتمدت أساساً على خشب الأشجار الذي تعتمد حياته على الضوء، إضافة الى استخدامها أشكالاً مباشرة من الشمس كالتجفيف. لذا، تتجه الأنظار نحو توليد الطاقة من الشمس التي تعتبر مصدراً ثابتاً وقوياً لها. ويجري التفكير في الاعتماد على تقنيّة تسمّى «خلايا الشمس»، وهي لا تحتاج إلا قدراً ضئيلاً من الصيانة. وبدأ الاعتماد قبل عقود في شكل محدود للغاية، كألمانيا التي شرعت في استخدامها منذ خمسينات القرن الماضي. في المقابل، أدّى توافر النفط والغاز والفحم الحجري بسعر خفيض إلى الحدّ من تطوير الطاقات المتجددة والاستثمار الواسع فيها. وتتميز أنواع من «خلايا الشمس» بأنها تعمل حتى في ظل سماء غير صافية، ما يعني صلاحيتها للاستخدام في أوروبا والبلدان التي لا تتمتع بشمس ساطعة دوماً. ولعل خطوة البداية في تطوير الطاقة وتوسيعها عموماً، خصوصاً الشمسيّة، تكمن في عدم الإفراط في استهلاكها عبر استعمال مصابيح وأجهزة كهربائية خفيضة الاستهلاك للطاقة. وفي هذا الصدد، يرى البروفسور يواكيم كروغر وهو اختصاصي ألماني في نُظُم الطاقة الحديثة، أن كفاءة استخدام الطاقة المتجدّدة تشكل أبرز تحديّات المستقبل. وبرأي كروغر، لا يعني ذلك الاكتفاء باستخدام الأجهزة التي توفر الطاقة، إنّما اعتماد تصاميم في المباني تأخذ في الاعتبار سطوع الشمس، ما يجعلها معرّضة للضوء قدر الإمكان. واستطراداً، يتوجّب استخدام مزيد من العزل في المباني لتقليل ضياع الطاقة وتخفيف الاستهلاك. ولذا، طوّرت ألمانيا ما يسمّى «باسبور الطاقة». ووفق كروغر، يعني ذلك «أنّ المنزل أو البناء الذي لا يوفر استهلاك الطاقة يصبح سعره أقل... إنّ تلك الإجراءات مهمّة لأنّها تقلّل الحاجة للطاقة إفراديّاً. إذ ليس المهم الاقتصار على تطوير التكنولوجيا الموجودة، بل اتخاذ إجراءات توفر استهلاك الطاقة». نظامان ولكن... وعلى رغم توافر شمس ساطعة في السعودية وإيران ودول غرب آسيا، وشمال أفريقيا، وغرب أميركا وجنوبها، وغرب استراليا، إلا إنه لا توجد محطات كبرى في تلك الدول لتوليد الطاقة من الشمس... حتى الآن. وحاضراً، لا يتجاوز مجموع الطاقة من محطات توليد الطاقة الشمسية في تلك الدول قرابة غيغاواط/ساعة، مع العلم أنها دول تسعى الى لحصول على 630 غيغاواط/ساعة في العام 2040. ويشير خبراء الى أن محطات توليد الكهرباء بواسطة «خلايا الشمس» يمكنها ان تعمل قرابة 8000 ساعة في السنة من طريق استعمال... البخار. إذ ثمة مجال لتخزين البخار وإعادة استخدامه عندما لا تسطع الشمس. صُمّمت كثير من النُظُم لاستغلال الشمس في توليد الطاقة منها «نظام الأبراج» الذي يتألف من صفوف من المرايا تعكس أشعة الشمس على نقطة واحدة من البرج. «تصل درجة الحرارة في تلك النقطة إلى 1500 درجة حرارية، يُستعمل نوع خاص من السيراميك في منطقة الحرارة العالية» كما يقول كروغر. ويضيف: «دخلت تلك الطريقة حيز التطبيق منذ مدّة، وأضيفت إليها أخيراً محطة في ألمانيا وأثنتان في إسبانيا والولايات المتحدة». ويتمثّل النظام الثاني في مرايا شمسيّة لها شكل هندسي يسمّى «القطع المكافئ»، وهو يشبه مظلّة مقلوبة، ما يؤدي الى تركيز أشعة الشمس على نقطة واحدة تُدعى «الممتص». ويجري تسيير تلك المرايا بما يتوافق مع حركة الشمس على مدار النهار. إذ تدور المرايا مع الشمس، لتعود الى موضعها الأصلي عند الغروب. «تنتشر تلك المحطات على نطاق واسع. وفي ألمانيا، توجد محطة طاقتها قرابة 500 ميغاواط/ساعة، وأخرى تولّد ما يزيد على 300 ميغاواط/ساعة. ويجري العمل على إنشاء محطة في إسبانيا طاقتها قرابة 500 ميغاواط/ساعة»، وفقاً لكروغر. وهناك نظام ثالث يعتمد على طبق شمسي يركّز الضوء في نقطة عند منتصفه، فيعطي كمية كبيرة من الطاقة، لكن تكلفة ذلك النظام مرتفعة بالمقارنة مع نظام المرايا. وثمة نظام رابع يرتكز على عدسات «فريسنيل»، وهي تعكس أشعة الشمس بطريقة مركّزة على أنابيب الامتصاص التي تبقى ثابتة في مكانها. «هناك عيب في تلك التقنيّة تتمثّل في عدم وجود انعكاس كامل لأشعة الشمس على أنابيب الامتصاص في فترة الصباح»، وفق رأي كروغر. وهناك نظام خامس يعتمد على مرايا شفافة تُركّب في أماكن تشبه المطابخ الكبيرة، كي تولّد بخاراً يمكن استخدامه في توليد الكهرباء. وجُرّب ذلك النظام في الهند عبر محطة استطاعت تأمين الكهرباء إلى 150 ألف شخص. ويعيب ذلك النظام الانخفاض في كفاءته، على رغم سهولة التعامل معه، وفق رأي كروغر أيضاً.
مشاركة :