صدر نظام العمل الجديد ومعه واحد وستون عقوبة تتراوح بين غرامة المخالف إلى إغلاق منشأته ولا شك أن تحديث الأنظمة أمر حميد يصب في الصالح العام ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل بالعقوبات تتحقق الأهداف أو ترتفع وتيرة التوطين؟.. قد يبدو السؤال غير مستساغ ولهذا أوضح للقراء بأن العقوبة في الأساس تقديرية وقد تقفز التقديرات لأقصى العقوبات في ظل واقع فيه ما يمكن اعتباره مخالفات فهناك شريحة الأيدي العاملة الأجنبية ورغم أنها تؤدي وظائفها مع المواطن وفق برامج نطاقات التي تراعي التدرج إلا أن القطاع الخاص عاجز عن استيعاب العمالة الوطنية لأسباب قتلت بحثاً ومنها أنه قطاع ربحي وأن المواطن يفضل القطاع العام بسبب الأمان الوظيفي والأجر المرتفع وثقافة الإنتاجية التي تفارق ثقافة القطاع الخاص. كما أن عضوية المملكة في منظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين تظل حاضرة في التعامل مع القطاع الخاص لأنها ترتب معاني المنافسة في الكلفة والإنتاجية وأن السوق السعودي سيكون مفتوحاً مما يستلزم تقليل العقوبات حتى لا تقيد أيدي القطاع الخاص وتلقي به في البحر مكتوفاً وتقول له إياك إياك أن تبتل بالماء أو تدفعه لاستنساخ ممارسات وثقافات القطاع العام رغم ما ورد في تقرير وزارة الاقتصاد والتخطيط الذي قال بأن إنتاجية موظف القطاع العام لا تتجاوز الساعة باليوم، فكيف نتوقع استمرارية قطاع خاص ضعيف الإنتاجية ونفترض استيعابه أيدي عاملة عالية الكلفة ومنخفضة الإنتاجية. هذا لا يعني الحد من التوطين بالقطاع الخاص ولكن هذا القطاع لا يزال ضعيفاً مقارنة بمنافسيه في منظمة التجارة وموارده محدودة ولهذا سيواجه تحديات قد لا يستطيع تجاوزها إلا بتناغم سياسات القطاع العام والخاص لأن كليهما يكمل الآخر والقطاع العام يمتلك موارد هائلة لأنه تحت يديه موارد الدولة والأنظمة التي تفعل السياسات الاقتصادية والاجتماعية وتوجه مؤسسات التمويل بما فيها موارد النفط ولهذا دعمه يعزز النمو والتطور الاقتصادي فنمو أي اقتصاد يعتمد في الأساس على دور القطاع العام وبالذات معدل دعمه للقطاع الخاص لتوليد الوظائف ويظل أمر التوطين أكثر تعقيداً من حصره بالقطاع الخاص إذ يتداخل فيه التعليم بثقافة العمل ، بالمفارقات التي تواجه الشاب حين الانضمام للقطاع الخاص وهي مفارقات تفسر تعقيدات المشكلة فالمواطن في الغالب يجد نفسه أمام ثقافة عمل تختلف تماماً عن التي تعلمها بالمؤسسات الأكاديمية أو اكتسبها من الأسرة أو سمع عنها بالقطاع العام فلا عجب إن كان رد فعله مغادرة وظيفته ولهذا معاقبة القطاع الخاص لا تصوب الخلل في سوق العمل بل الحاجة ملحة لتعديل ثقافة العمل والنظر في معادلة الأجر الأعلى مع إنتاجية متدنية على نحو ما أشار تقرير وزارة الاقتصاد والتخطيط ،فإن صح هذا الاستنتاج -وصحته راجحة- فإن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا تفيد الغرامة إن تم تغييب خلفيات المشكلة وتعقيداتها ومفارقاتها المعروفة؟
مشاركة :